مقالات

منتدى التنمية الآسيوي 2025: حل مشاكل العالم من خلال الدبلوماسية

بقلم: Reaven D’Souz

إن تنامي الخلافات الجيوسياسية، واتساع فجوات التفاوت، وتزايد الاضطرابات الناجمة عن التقدم التكنولوجي، وتفاقم تغير المناخ، وتفاقم عدم الاستقرار وعدم القدرة على التنبؤ في النظام العالمي، ليست سوى بعض من العوامل العديدة التي تُبرز عجز الأنظمة الدولية عن إيجاد حلول مناسبة للقضايا المعاصرة والتصدي بفعالية للتحديات العالمية.

في ظل هذا السيناريو من تفاقم عدم الاستقرار وعدم القدرة على التنبؤ، وما يصاحبه من تحديات معقدة وأزمات متعددة، انعقد منتدى أنطاليا الدبلوماسي (ADF2025) في مدينة أنطاليا السياحية جنوب تركيا، في الفترة من 11 إلى 13 أبريل/نيسان.

قام المنتدى بتقييم المشكلات النظامية للنظام متعدد الأطراف، ودعا إلى تعزيز الحوار حول استعادة دور الدبلوماسية في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها النظام العالمي.

وقد رعى وافتتح المؤتمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وجذب أكثر من 6000 مشارك من 155 دولة، بمشاركة ما يقرب من 20 رئيس دولة وحكومة، وحوالي 70 وزير خارجية، فضلاً عن صناع القرار والدبلوماسيين وممثلين رفيعي المستوى لأكثر من 60 منظمة دولية وإقليمية.

عُقد المنتدى تحت شعار “الدبلوماسية الشاملة في عالم مجزأ”، وأكد على ضرورة اتباع نهج متعدد الأطراف، والدبلوماسية، والحوار، ودعم المؤسسات الدولية، لمعالجة القضايا الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها من القضايا العالمية. وفي ظل إعادة التوازن الجارية للنظام العالمي، أتاح منتدى التعاون الآسيوي 2025 للمشاركين منصةً لمناقشة الأفكار وتبادل الآراء حول تعزيز دور الدبلوماسية في تهدئة الاضطرابات ومواجهة القضايا.

ترأس وفد الكويت في منتدى التعاون الآسيوي 2025 ممثل سمو ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، وزير الخارجية عبد الله اليحيى. عقب حضور وزير الخارجية منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع في 11 أبريل/نيسان، أكد بيانٌ صدر عن وسائل الإعلام الرسمية على الحاجة المُلحة لإعادة تأكيد الدبلوماسية كقوة استقرار في ظلّ تزايد التشرذم العالمي، وسلّط الضوء على أهمية التعددية والدبلوماسية في تعزيز التعاون العالمي اللازم لحل القضايا المُتطورة ذات الاهتمام الدولي.

شكّل منتدى أنطاليا الدبلوماسي (ADF) 2025 منصةً استراتيجيةً لتركيا لتعزيز طموحاتها كقوةٍ وسطى تنقيحية، تسعى إلى التأثير بوسائل غير قسرية عبر المناطق ذات الأهمية التاريخية والأيديولوجية.

عزز هذا الحدث تطلعات أنقرة لإعادة تعريف وضعها الجيوسياسي من خلال مزيجٍ مُتعمّد من الدبلوماسية والخطاب الحضاري والقوة الناعمة الأيديولوجية.

بالإضافة إلى ذلك، سعت أنقرة إلى ترسيخ مكانتها كثقلٍ مُوازنٍ فكريٍّ ودبلوماسيٍّ للمؤسسات الغربية، مع تعزيز أطر التعاون متعدد الأقطاب.

شهد منتدى أنطاليا للدبلوماسية 2025 العديد من الكلمات الجريئة التي سلّطت الضوء على الديناميكيات العالمية المتغيرة، وعكست شعار المنتدى “استعادة الدبلوماسية في عالم مجزأ”. د

وفي كلمته الافتتاحية، أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، على أن الدبلوماسية لا ينبغي أن تقتصر على الحدود الجغرافية، داعيًا إلى نهج قائم على العدالة في العلاقات الدولية. وعكس بيانه طموح تركيا في لعب دور محوري في تشكيل نظام عالمي جديد.

ومن اللحظات اللافتة الأخرى مشاركة سوريا، حيث أكد أحمد الشرع، رئيس الحكومة الانتقالية السورية، التزام سوريا بالدبلوماسية كأكثر الأدوات فعالية لحل النزاعات. وقد مثّل حضوره عودة نادرة لدمشق على الساحة متعددة الأطراف.

بالإضافة إلى ذلك، تناول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، صعود التعددية القطبية، مؤكدًا أن المزيد من الدول تسعى الآن إلى أن يكون لها رأي متساوٍ في الشؤون العالمية، متحديةً بذلك الهيمنة الغربية التقليدية. عزّزت تصريحاته فكرة أن العالم يتجه نحو هيكل سلطة أكثر لامركزية.

على هامش المنتدى، اجتمعت اللجنة الوزارية لجامعة الدول العربية المعنية بغزة مع ممثلين عن منظمة التعاون الإسلامي ودول أخرى. وفي كلمته خلال الاجتماع، حذّر الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، من أزمة إنسانية حادة في قطاع غزة، وشدد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار.

كما تناول الاجتماع خطوات تعزيز حل الدولتين ودعم تنفيذه، لا سيما في ضوء مؤتمر يُعقد في نيويورك في يونيو المقبل، برعاية مشتركة من المملكة العربية السعودية وفرنسا. وقد ثمّن المشاركون دعوات فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبرين ذلك خطوة حاسمة نحو تحقيق حل الدولتين.

استضاف المنتدى حوالي خمسين جلسة، تناولت مواضيع مثل تداعيات تغير المناخ، والأمن الغذائي، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز المساعدات الإنسانية، وتعزيز الرقمنة، بالإضافة إلى تحقيق الإمكانات الإيجابية الكاملة للذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى القضايا العالمية، ناقش المنتدى أيضًا مسائل تهم مناطق جغرافية محددة في الشرق الأوسط وأوروبا والمحيط الهادئ وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وتضمنت نسخة هذا العام من منتدى التعاون الآسيوي حلقة نقاش حول منظمة الدول التركية، حيث بحثت نموذجها التعاوني الفريد وإمكانات تحقيق المزيد من التكامل. وأكد مسؤولون رفيعو المستوى من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان ودول أعضاء أخرى على الدور الحيوي للثقافة والقيم المشتركة والبنية التحتية في شراكاتهم الاستراتيجية.

وركزت جلسة رئيسية أخرى على التعاون الإقليمي في جنوب القوقاز، حيث جمع وزراء خارجية جورجيا وأذربيجان وأرمينيا لاستكشاف جهود بناء السلام.

تأسس منتدى التعاون الآسيوي عام 2020 من قبل وزارة الخارجية التركية برئاسة وزير الخارجية التركي آنذاك، مولود تشاووش أوغلو، وكان من المقرر عقد أول منتدى في عام 2020، ولكن تم تأجيله إلى عام 2021 بسبب جائحة كوفيد-19.

منذ عام ٢٠٢١، يهدف الاجتماع السنوي لمنتدى الدفاع الآسيوي إلى معالجة القضايا الإقليمية والعالمية، ومناقشة وتحليل التحديات الحالية والمستقبلية بما يتماشى مع مفهوم الأمن الشبكي. كما يتيح المنتدى لصانعي السياسات والدبلوماسيين والأكاديميين تبادل الأفكار والآراء حول الدبلوماسية والسياسة والأعمال.

يُنظّم المؤتمر بشكل خاص، وبالتالي فهو ليس فعالية حكومية رسمية. يُستخدم حصريًا للنقاش؛ إذ لا يوجد تفويض لاتخاذ قرارات حكومية ملزمة. علاوة على ذلك، وخلافًا للأعراف المتبعة، لا يوجد بيان ختامي مشترك. ويُستخدم الاجتماع رفيع المستوى أيضًا لإجراء مناقشات خلفية منفصلة بين المشاركين.

إن عجز المؤسسات متعددة الأطراف القائمة عن معالجة التحديات العالمية بكفاءة لم يُضعف الثقة بها فحسب، بل قوّض أيضًا دور الدبلوماسية في تعزيز استقرار النظم السياسية والاقتصادية والأمنية. كما أثقل كاهل التعاون متعدد الأطراف، وهو أمر حيوي لمعالجة القضايا والتحديات التي تواجه العالم اليوم.

في ظل هذا الخلل المتزايد وانعدام الثقة في المؤسسات العالمية، استكشف المشاركون في منتدى أبوظبي للدبلوماسية 2025 كيفية تعزيز الدبلوماسية لإيجاد أرضية مشتركة للعمل الجماعي. في عالم يزداد تشتتًا، وفّر المنتدى منصةً ألهمت حوارًا حول إعادة تعريف دور الدبلوماسية ومبادئها الأساسية في بيئة متزايدة الاستقطاب.

من خلال مناقشة بعض الأسباب الجذرية لمختلف المشاكل، شجع المنتدى صانعي السياسات والقرارات الحاضرين على إعادة النظر في كيفية إدارة الدبلوماسية لهذه الأوقات المضطربة ومعالجة أوجه القصور الحالية في الحوكمة العالمية.

وبحث المنتدى أدوات مبتكرة وآليات فعّالة واستراتيجيات استشرافية في حل النزاعات والوساطة والتعاون الإقليمي لبناء نظام دولي أكثر فعالية وشمولًا وتماسكًا.

وأكد المنتدى بنجاح على ضرورة تبني مفهوم جديد للدبلوماسية، يتجاوز إطارها الأساسي والتقليدي القائم على الحوار. ويكمن نجاح منتدى أبوظبي للدبلوماسية 2025، قبل كل شيء، في أنه وفر منصةً استشرافيةً لتعزيز الحوار واستكشاف استراتيجيات مشتركة بين المشاركين من جميع أنحاء العالم، وجعل الدبلوماسية القوة الدافعة للسلام وتعزيز التعاون العالمي.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى