أهمية إستضافة المحاكم والمنظمات الدولية
يمكن لدولة الكويت أن تلعب دورا مهما في تعزيز السلام والتفاهم
بقلم: طارق يوسف الشميمري
يعد استضافة المنظمات الدولية أداة قوية للسياسة الخارجية في عالم متزايد بالترابط والاعتماد المتبادل المشترك ، ولا يمكن تقليل دور المنظمات الدولية في الدول المستضيفه لها ، فهي تسهل التعاون الدبلوماسي المشترك ، وتشجع على الحلول الدبلوماسية، وتعالج التحديات العالمية التي تتجاوز الحدود الوطنية وذلك من خلال تعزيز التعاون والدبلوماسية، وهناك العديد من التحديات العالمية مثل تغير المناخ والإرهاب والأوبئة والحروب التي يصعب على أي دولة حلها أو معالجتها بمفردها.
توفر المنظمات الدولية منصة للدول وذلك للتعاون وتبادل الخبرات وإيجاد أرضية مشتركة من خلال الحوار والتفاوض، كما يمكن للدول حل النزاعات سلميا عن طريق المحاكم الدوليه فعلى سبيل المثال، تعمل الأمم المتحدة كمركز للدول للتعبير عن مخاوفها والسعي إلى الإجماع والعمل نحو تحقيق أهداف مشتركة.
تتمتع البلدان التي لديها مقار للمنظمات الدولية بميزة نسبية في متابعة أهدافها السياسية بالإضافة إلى الاستفادة من رأس المال البشري فتجمع المنظمات الدولية بين المهنيين والعلماء والتكنوقراط والدبلوماسيين من خلال تنظيم أفضل رأس مال بشري من دول مختلفة، وهي تعزز عمليات صنع القرار..
يتم تقسيم المنظمات الدولية حسب اختصاصها، منها منظمات متعددة الأنشطة كمنظمة الأمم المتحدة، إلى منظمات ذات اختصاص نشاط محدد كصندوق النقد الدولي وكما يمكن أن يتم تصنيفها من حيث المكان من كونها منظمات دولية إلى منظمات إقليمية ، فالمنظمة الدولية تضم كل الدول أو تسمح بانضمام دول جديدة أما المنظمات الإقليمية تضم دول محددة يجمعها رابط تضامني فيما بينها سواء جغرافياً كجامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي ، أو أمنياً كمنظمة حلف شمال الاطلسي، أو اقتصادياً كمنظمة الدول المصدرة للبترول.
فالمنظمات الدولية ممكن أن تكون شاملة أو نوعية من حيث مجال نشاطها، فكونها تختص بكثير من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية كمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ، أما النوعية فيختص نشاطها فقط في مجال معين بحيث يكون اقتصاديا كالبنك الدولي أو إجتماعياً كمنظمة العمل الدولية وغيرها من مجالات المتعددة.
تُعرف لاهاي عاصمة هولندا بأنها مدينة السلام والعدالة الدولية وأنها مركز عالمي للقانون الدولي والتحكيم وكانت مكانًا لتجمع الدول للمحاكم الدولية والمنظمات وتعقد بها مؤتمرات السلام لأكثر من قرن من الزمان .
لاهاي هي موطن محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة وكذلك المحكمة الدوليه الدائمه للتحكيم ، ولاهاي أيضًا مركز رائد للمؤتمرات الدولية المعنيه بالسلام والعدل الدوليين وتستضيف لاهاي ما يقرب من 38 محكمة ومنظمة دولية وإقليمية مما يجعلها مركزًا ذا أهمية وتأثير دولي كبير.
لقد لعبت لاهاي دورًا مهمًا من خلال إستضافة محاكم وهيئات قضائية دولية، فهي تشمل على محكمة العدل الدولية والمحكمة الدولية الدائمه للتحكيم والمحكمة الجنائيه الدوليه ومحكمة لبنان ومحكمة يوغسلافيا وأيضًا منظمات مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وبعض إدارات حلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا .
وبالمثل تستضيف جنيف في سويسرا مقر بعض المنظمات المرموقة مثل منظمة العمل الدولية والمنظمة الدولية للهجرة والصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، مما يمنحها دورًا محوريًا في شؤون هذه المنظمات أيضًا.
ومثال ساطع ومميز آخر هو في فيينا عاصمة جمهورية النمسا ، فيينا هي أحد المقرات الأربعة للأمم المتحدة، إلى جانب نيويورك وجنيف ونيروبي.
فقد تم افتتاح مركز فيينا الدولي (VIC) المعروف في النمسا باسم “مدينة الأمم المتحدة”، في عام 1979 ويتم تأجيره مقابل مبلغ إيجار سنوي رمزي قدره شلن نمساوي واحد (أي ما يعادل سبعة سنتات من اليورو) وذلك لصالح الأمم المتحدة لمدة 99 عاما ويعمل حوالي 5000 موظف من أكثر من 150 دولة في المنظمات التي تتخذ من فيينا مقرا لها.
وكذلك هناك مكتب الأمم المتحدة في نيروبي (UNON)، عاصمة كينيا، وهو واحد من أربعة مواقع رئيسية لمكاتب الأمم المتحدة حيث يحتوى على العديد من وكالات الأمم المتحدة المختلفة والتي لها وجود مشترك وتأسست في عام 1996، وهو المقر الرسمي للأمم المتحدة في أفريقيا.
ويستضيف مكتب الأمم المتحدة في نيروبي أيضا المقر العالمي لبرنامجين وهم برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل الأمم المتحدة).
في نوفمبر 2004، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة نادرة في نيروبي لمناقشة النزاعات المسلحة في جنوب وغرب السودان التي شكلت مرحلة من مراحل الحرب الأهلية السودانية الثانية.
أيضا جزء من أمانة الأمم المتحدة هي اللجان الاقتصادية والإقليمية في أديس أبابا وبانكوك وبيروت وجنيف وسانتياغو.
وتدعم اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ( الإسكوا ) دولها الأعضاء البالغ عددها 21 دولة في جهودها لضمان الرخاء والمساواة وذلك من خلال تحليل الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الإقليمية والوطنية في ضوء جداول أعمال الأمم المتحدة العالمية.
وتزود الإسكوا ( اللجنة الاقتصادية والاجتماعيه لغربي آسيا والتي تأسست عام (1973 البلدان العربية بتوصيات سياسية تستند إلى تحليل شامل للحقائق والقواسم المشتركة، كما تؤكد على فوائد التكامل وتخلق منافع عامة إقليمية لها ، بما في ذلك المعرفة والبيانات والأدوات والقدرات وتشكل اللغة المشتركة والثقافة والتطلعات المشتركة لشعوب المنطقة العربية أساسا متينا لمواجهة التحديات العابرة للحدود من خلال العمل الجماعي بين تلك الدول وعلى جميع المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية.
يمكن لاستضافة منظمة إقليمية مثل الإسكوا أن تعزز هيبة البلد بما في ذلك بناء قدرات السكان المحليين وتحسين البنية التحتية وتبادل الثقافات والفرص التعليمية وكذلك يمكنها تطوير مجموعة من المواهب التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في ازدهار الدول المستضيفة .
من ناحية أخرى تم منح دولة الكويت مكانة دولية عالية كمركز إنساني فالكويت تستضيف عددًا من مقار المنظمات الدولية والإقليمية حيث يوجد في دولة الكويت ما يقرب من 119 سفارة ومنظمة دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي وحوار التعاون الآسيوي والصندوق العربي للتنميه ومنظمه المدن العربيه وقد اكتسبت دولة الكويت سمعة ليس فقط لدورها كوسيط للسلام ولكن أيضًا كدولة محايدة تتمتع بالبراعة والخبرة الدبلوماسية.
حافظت دولة الكويت على سياسة الحوار والدبلوماسية منذ استقلالها وهي مناسبة بشكل مثالي لاستضافة المنظمات الدولية التي ستساعد في تعزيز السلام والاستقرار وأيضا في حل النزاعات وإلى تعزيز فهم دور المنظمات الدولية والتأكيد على أهميتها.
تعمل هذه المنظمات الدولية بموجب اتفاقية فيينا التي تمكنها من القيام بواجبها دون خوف أو إكراه من قبل البلد المستضيفة ، وقد عرفت اتفاقية فيينا لعام 1969، بأنها اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر وأياً كانت التسمية التي تطلق عليه فالتعريف ينطبق على المعاهدات المبرمة بين الدول أما المعاهدات التي تبرمها الدول مع المنظمات الدولية أو المعاهدات التي تبرمها المنظمات فيما بينها فتحكمها اتفاقية فيينا لعام 1986 الخاصة بالمعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية .
هناك العديد من الإيجابيات لاستضافة المنظمات الدولية في البلد المستضيف ، منها بناء قدرات السكان المحليين وتحسين البنية الأساسية والمشاركة في الثقافات والفرص التعليمية ، ولعل وجود المنظمات الدولية داخل بلد لا يتعلق بالهيبة فحسب بل يتعلق بالمشاركة النشطة في الشؤون العالمية، وتشكل هذه المنظمات والمحاكم الدوليه السياسات وتعزز السلام وتحسن الحياة ، سواء كانت تابعه للأمم المتحدة أو البنك الدولي أو الوكالات المتخصصة، فإن وجودها يساهم في عالم أكثر ترابطًا وتناغمًا ويعزز إيجابية التعاون عبر الحدود، واستضافة المحاكم والمنظمات الدولية هي شهادة على التزام الدولة بالرفاهية الجماعية واحترام القانون الدولي .