مقالات

هل تستطيع المنظمات الدولية كبح جماح القرارات الجمركية الأمريكية

بقلم – طارق يوسف الشميمري

في خطوة مفاجئة هزت أركان الاقتصاد العالمي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في أبريل 2025 عن فرض تعريفات جمركية شاملة على واردات  185 دولة، مما فجّر جدلًا دوليًا واسعًا حول قانونية القرار وتأثيراته الكارثية المحتملة على الأسواق العالمية، وقد أعادت هذه الأزمة تسليط الضوء على الدور المحوري لثلاث منظمات دولية تُمثل العمود الفقري للنظام الاقتصادي العالمي وهم :  البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ظهرت هذه المنظمات لتقود مرحلة ما بعد الحرب نحو إعادة الإعمار وضبط العلاقات الاقتصادية بين الدول ، فقد تأسس البنك الدولي عام 1944 ويهدف إلى القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة عبر تمويل مشاريع البنية التحتية في الدول النامية وكذلك تأسس  صندوق النقد الدولي (IMF) في العام نفسه، ويُعنى بتحقيق الاستقرار النقدي العالمي من خلال تقديم الدعم المالي والاستشاري للدول التي تواجه أزمات اقتصادية ،  أما منظمة التجارة العالمية (WTO) فقد تأسست عام 1995 خلفًا للاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT)، لتقنين وتنظيم التجارة الدولية وفض النزاعات التجارية بين الدول.

ولم يمر قرار الرئيس الأمريكي ترمب الأخير مرور الكرام فقد سارعت منظمة التجارة العالمية إلى بحث قانونية الخطوة الأمريكية، خصوصًا بعدما تقدمت الصين بشكوى رسمية، مؤكدة أن القرار ينتهك قواعد التجارة العادلة ويهدد مبدأ التبادل الحر الذي أنشئت المنظمة من أجله ، وفي الوقت ذاته حذّرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، من “مخاطر كبيرة” على الاستقرار الاقتصادي العالمي، لاسيما في ظل تباطؤ النمو العالمي وارتفاع مستويات الديون.

أما البنك الدولي، فرغم تحفظه على التعليق المباشر، إلا أن المحللين يشيرون إلى أن ارتفاع الضرائب سيؤثر سلبًا على اقتصادات الدول النامية التي تعتمد على التصدير، وبالتالي سيُعقّد مهمة البنك في تحقيق أهداف التنمية.

ومن منظور قانوني، قد تكون الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي ترمب مخالفة لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية، خاصةً إذا لم تُبنَ على حجج تتعلق بالأمن القومي أو حماية الصحة العامة، وهي الاستثناءات القليلة التي تسمح فيها المنظمة بفرض قيود تجارية. لكن المشكلة الأعمق تكمن في قدرة هذه المؤسسات على التنفيذ الفعلي أو الضغط على الولايات المتحدة، الدولة الأقوى اقتصاديًا وسياسيًا، والتي تُعد مساهمًا رئيسيًا في كل من هذه المؤسسات.

ومنظمة التجارة العالمية يمكنها النظر في الشكاوى المقدمة واتخاذ قرارات قانونية ضد الولايات المتحدة، لكنها لا تملك سلطة تنفيذية تجبر واشنطن على الالتزام ، كما يستطيع صندوق النقد الدولي ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي عبر تقاريره ومكانته كمستشار اقتصادي عالمي.

أما البنك الدولي، فدوره في هذه القضية محدود نسبيًا، لكنه قد يُعيد تقييم أولوياته التمويلية للدول المتضررة من هذه الإجراءات.

ويبدو أن العالم اليوم يقف أمام اختبار جديد لمصداقية النظام الاقتصادي العالمي وقدرة منظماته على ضبط سلوك القوى الكبرى ، فقرار الرئيس الإمريكي  ترمب برفع الضرائب الجمركية على 185 دولة لا يمثّل فقط تحديًا تجاريًا، بل ضربة قوية لفكرة التعاون المتعدد الأطراف التي قامت عليها المؤسسات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية.

والسؤال الذي يطرحه الخبراء الآن: هل تستطيع هذه المؤسسات الثلاث أن تعيد التوازن وتحمي الاقتصاد العالمي من موجات هذا القرار ؟ أم أن القرار الأمريكي سيُحدث شرخًا طويل الأمد في بنية التجارة الدولية؟ حيث أن الأيام القادمة وحدها ستكشف الإجابة، لكن الأكيد أن دور هذه المؤسسات أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

وفي هذا السياق، تشير تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن مثل هذه السياسات  قد تؤدي إلى تراجع حاد في النمو العالمي بنسبة تصل إلى 1.4% خلال العامين المقبلين، إذا لم تتم معالجتها دبلوماسيًا. وتؤكد المنظمة أن اعتماد الولايات المتحدة على سياسات “أمريكا أولًا” قد يعرّض الاقتصاد العالمي لتذبذبات حادة في سلاسل الإمداد والتجارة، مما يزيد من تكلفة المعيشة ويضعف التنافسية، خاصة لدى الاقتصادات النامية والمتوسطة.

ومن جانب آخر، أصدرت غرفة التجارة الدولية (ICC) بيانًا أعربت فيه عن  “قلقها العميق”  إزاء القرارات الجمركية الأمريكية، معتبرةً أنها “تخالف روح النظام التجاري العالمي القائم على الانفتاح والتعاون”. ودعت الغرفة الحكومات والمنظمات الدولية إلى اتخاذ خطوات “جماعية ومنسقة” للرد على أي قرارات أحادية الجانب تهدد استقرار التجارة. كما طالبت بإعادة فتح قنوات الحوار بين واشنطن والدول المتضررة للحد من التصعيد التجاري.

وفي ضوء ذلك، بدأ صندوق النقد الدولي في التنسيق مع عدد من الدول المتأثرة من القرار الأمريكي لإعداد تقييمات عاجلة لأثر هذا القرار على ميزان المدفوعات لديها، خصوصًا تلك التي تعتمد بشكل كبير على التصدير إلى السوق الأمريكية.

كما أفادت رويترز أن خبراء الصندوق يعملون على تقديم حزمة توصيات “طارئة” تتضمن دعمًا فنيًا ومساعدات مالية مؤقتة لبعض الاقتصادات الناشئة لتخفيف تداعيات القرار، في محاولة لاحتواء الصدمة على الاقتصاد العالمي ومنع انتقال الأزمة إلى نطاق أوسع.

زر الذهاب إلى الأعلى