لن يكون من السهل تجاهل الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية ضد اسرائيل
بقلم: طارق يوسف الشميمري
اسرائيل سوف يطالها دعاوى تعويض بحسب الرأي الإستشاري
الرأي الاستشاري نصر لفلسطين بالرغم من عدم الزامتيه
أهمية قانونية لهذا الرأي الاستشاري يضاف للأحكام الصادرة من المحاكم الدولية
محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة تأسست في يونيو 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة وبدأت العمل في أبريل 1946.
يقع مقر المحكمة في قصر السلام في لاهاي (هولندا) ومن بين الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة فهي الجهاز الوحيد الذي لا يقع في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية مقر الامم المتحده .
ويتمثل دور المحكمة في تسوية المنازعات القانونية التي تعرضها عليها الدول ( إصدار أحكام ) وفقا للقانون الدولي ، وكذلك إبداء الرأي الاستشاري في المسائل القانونية التي تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة المرخص لها.
وتتكون المحكمة من 15 قاضياً، يتم انتخابهم لمدة تسع سنوات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
يحق للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن طلب آراء استشارية بشأن “أي مسألة قانونية”. ولا يجوز للدول أن تطلب فتاوى ( آراء استشاريه ) مباشرة ، ويمكن لأجهزة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة الأخرى المرخص لها بطلب الآراء الاستشارية أن تفعل ذلك أيضًا فيما يتعلق بـ “المسائل القانونية التي تنشأ في نطاق أنشطتها”.
وهذا الإجراء متاح لخمسة أجهزة تابعة للأمم المتحدة وخمس عشرة وكالة متخصصة وخمس منظمات ذات صلة.
وتشمل الوكالات المتخصصة: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، ومنظمة الطيران المدني الدولي، الصندوق الدولي للتنمية الغذائيه والزراعية، منظمة العمل الدولية، صندوق النقد الدولي، المنظمة البحرية الدولية، الاتحاد الدولي للاتصالات، اليونسكو: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، منظمة السياحة العالمية، الاتحاد البريدي العالمي، منظمة الصحة العالمية، الويبو: المنظمة العالمية للملكية الفكرية ، المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، مجموعة البنك الدولي ( البنك الدولي لإنشاء والتعمير ، المؤسسة الماليه الدولية ،المؤسسة الانمائية الدولية ).
في حين أن المنظمات الخمس ذات الصلة هي الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية والأمانة العامة .
وتم طلب رأي المحكمة بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية بطلب قدم في ديسمبر 2022 من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من عدم وجود قوة ملزمة لتنفيذ الاحكام أو الآراء الاستشاريه لمحكمة العدل الدولية ،الا أن فتاوى المحكمة تحمل وزنًا قانونيًا وسلطة أخلاقية كبيرة وهي في كثير من الأحيان أداة للدبلوماسية الوقائية وتساعد في الحفاظ على السلام ، وتسهم الآراء الاستشاريه بطريقتها الخاصة في توضيح القانون الدولي وتطويره وبالتالي في تعزيز العلاقات السلمية بين الدول.
في رأي استشاري تاريخي صوتت محكمة العدل الدولية يوم الجمعة 19 يوليو 2024 بأغلبية 11 صوتا مقابل 4 بأن اسرائيل ملزمه بانهاء وجودها غير القانوني بالأراضي الفلسطينية المحتلة (حدود عام 1967) في أقرب وقت ممكن. وان استمرار وجود اسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقيه غير قانوني ، وإلزام اسرائيل بالوقف الفوري لسياسة الاستيطان وطرد المستوطنين ، وأن جميع الدول والمنظمات الدوليه تلتزم بعدم الاعتراف بالوضع الناتج عن الوجود الاسرائيلي غير القانوني وعدم تقديم المساعدات وعلى الأمم المتحدة والجمعية العامه ومجلس الأمن النظر في السبل والخطوات اللازمة لوضع حد للوجود الاسرائيلي غير القانوني .
إن الرأي الاستشاري الشامل والمفصل والشامل الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات يمثل دحضًا صارخًا لادعاءات إسرائيل، وسيكون له تأثير عميق في السنوات القادمة.
فقد استولت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهي مناطق في فلسطين التاريخية يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها منذ حرب عام 1967 ، ومنذ ذلك الحين قامت اسرائيل ببناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية ووسعتها بشكل مطرد وكانت لها أيضا مستوطنات في غزة قبل انسحابها عام 2005.
وأعلنت محكمة العدل الدولية أن احتلال إسرائيل طويل الأمد للأراضي الفلسطينية “غير قانوني” وقالت إنه يرقى إلى ضم فعلي ودعت المحكمة إسرائيل إلى الانسحاب بسرعة من الأراضي المحتلة وقضت بأن الفلسطينيين يستحقون التعويضات عن الضرر الذي لحق بهم على مدى 57 عاما من الاحتلال الذي يمارس تمييزا منهجيا ضدهم.
وتمثل الرأي الاستشاري في أجزائه العديدة الي هزيمة مدمرة لإسرائيل في حيثيات الرأي الاستشاري ، وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى المطالبه بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة ودفع تعويضات لجميع الأشخاص الذين عانوا من الضرر الناتج عن الاحتلال من بين مطالبات أخرى كانت لصالح الجانب الفلسطيني.
وفي حين أشارت العديد من تقارير الأمم المتحدة وقراراتها في الجمعية العامة إلى نفس النقطة، في أن الرأي الاستشاري الصادر لمحكمة العدل الدولية يشير إلى المعاهدات والقوانين الدوليه سيكون من الصعب تجاهلها من قبل المجتمع الدولي مستقبلا .
وعلى الرغم من أن الرأي الاستشاري الصادر من المحكمة غير ملزم إلا أنه يمثل أيضًا توبيخًا لحجة إسرائيل بأن محكمة العدل الدولية ليس لها صلاحية النظر في هذه القضية على أساس أن قرارات الأمم المتحدة، وكذلك الاتفاقيات الثنائية الإسرائيلية الفلسطينية، قد حددت الإطار الصحيح لحل المشكلة وأن يجب أن يكون الصراع سياسيا عسكريا وليس قانونيا.
ورفضت المحكمة هذه الحجة بشكل فعال، وأكدت أن القانون الدولي ينطبق بغض النظر عن الجهود السياسية الفاشلة للتوصل إلى اتفاق سلام دائم وخاصة مع استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات.
استغرقت قراءة الحكم نصف ساعة، وهو يجمع فروعًا متعددة من القانون الدولي من اتفاقيات جنيف إلى اتفاقية لاهاي لتقديم قضية كانت واضحة للفلسطينيين والعرب ولمنتقدي السياسة الإسرائيلية في المجتمع الدولي لسنوات.
باختصار، فقد قالت محكمة العدل الدولية إن سنوات من طموحات إسرائيل الرسمية والمعلنة ذاتيًا للبناء والاستيطان في الأراضي المحتلة ترقى إلى نية ضم الأراضي فعليًا بما يتعارض مع القانون الدولي؛ وأن تلك السياسات صممت لصالح المستوطنين وإسرائيل، وليس لصالح الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الإدارة العسكرية.
ولعل الجزء الأكثر أهمية في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدوليه هو أن “نقل إسرائيل للمستوطنين إلى الضفة الغربية والقدس واحتفاظ إسرائيل بوجودهم، يتعارض مع المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة” والتي نصت ( عن النقل الجبري الجماعي وكذلك عن ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة الي أراضي دولة الاحتلال أو إلي أراضي أي دولة أخرى أو غير محتلة وهو محظورا أيا كانت دواعيه ) .
وعلى الرغم من أن هذا الاستشارة غير ملزمة، إلا أنها ستوفر ذخيرة كافية لمحاميين حكومات الطرف الاخر والذين يدرسون بالفعل وبجديه العقوبات المستقبلية ضد أولئك المرتبطين بالمستوطنات الإسرائيلية من مسؤولين واعضاء الحكومه والجيش الاسرائيلي .
ومن الأمور المهمة في الرأي الإستشاري أن المحكمة بددت مشروعية وجود اسرائيل في فلسطين ولا يكسب الاحتلال حقوق سابقه أو لاحقه وقد يؤثر على كثير من قرارات باقي الدول بشان فلسطين بالمستقبل وأصبحت اسرائيل تواجهه جبهة جديده وهي المحاكم الدوليه بتنوع احكامها وآرائها الاستشاريه الاخيره ضد اسرائيل ، ومع عزلة إسرائيل بسبب سلوكها في حرب غزة، وخضوعها للتحقيق في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ، فإن التقييم الصارخ لعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي على المدى الطويل لن يؤدي إلا إلى تعزيز هذه العزلة وبالمقابل ازدياد أعداد الدول المؤيده للجانب الفلسطيني بعد الأحداث الاخيره في غزه .
وخلاصة القول أن ما يحدث حاليا في فلسطين من حرب وانتهاكات ومجازر، هو أن الأحكام والقرارات والآراء الاستشاريه التي صدرت مؤخرا وأوامر القبض، وانضمام عدد أكبر من الدول إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والاعتراف بفلسطين من قبل المزيد من الدول يعد تقدما ملحوظا من جانب الفلسطينيين لم نشهده أو نعرف عنه من قبل منذ فترة تصل إلى سبعين عاما.
ومن الواضح أن الوضع القانوني والسياسي لكيان الاحتلال الاسرائيلي بعد صدور الاستشارة من قبل محكمة العدل الدوليه سيصبح أكثر خطورة وهشاشة وضعفًا ، ويكفي أن نذكر في هذا السياق أن عدد الفتاوى التي سبق أن أصدرتها محكمة العدل الدولية بشأن جنوب أفريقيا في القرن الماضي ساهمت بشكل فعال في تفكيك ذلك الكيان العنصري لأنه أصبح من الواضح أنه كيان يفتقر إلى الشرعية في القانون الدولي.
ويبدو أن كيان الاحتلال في طريقه إلى مواجهة المصير نفسه، ويقترب أكثر فأكثر من اللحظة التي يواجهها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ولا شك أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ستوفر الأدوات والأسس القانونية الداعمة لتفكيكها ككيان استعماري وعنصري.
فحسب الاجراءات المتوقعه بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ذكر فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة،إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش سينقل على الفور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الإجراءات المتعلقة بالعواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 عضوا والأمر متروك للجمعية العامة لتقرر كيفية المضي في الأمر، الذي قد يصتدم بفيتو من قبل احد الدول دائمه العضويه والذي قد يعطل التقدم الذي جنته فلسطين وجنوب أفريقيا والدول المنظمه لهم في الاحكام والاراء الاستشاريه التي صدرت موخرا من المحاكم الدوليه لصالحهم .
وعلى الرغم من عدم وجود قوة ملزمة، فإن الآراء الاستشاريه لمحكمة العدل الدوليه تتمتع بوزن قانوني كبير وسلطة أخلاقية كبيرة وهي في كثير من الأحيان أداة للدبلوماسية الوقائية وتساعد في الحفاظ على السلام.
طارق يوسف الشميمري، شغل منصب مستشار ورئيس اللجنة المالية ورئيس لجنة الميزانية العامة في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي (PCA) ومراقب في المجلس الإداري ومحكمة العدل الدولية ومستشار بسفارة دولة الكويت في هولندا خلال هذه الفترة من 2013 إلى 2020.
البريد الإلكتروني:
tareq@alshumaimry.com