Featuredالسفر

قبل السفر.. فكِّر مرتين!

تضج مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما تويتر، بالشكوى المصحوبة بالدهشة من الارتفاع الصارخ بالأسعار الذي مسّ كل مناحي الحياة وأساسياتها. ومن كان بانتظار انتهاء المدارس للتخطيط لرحلة سفر طال انتظارها بعد قيود عالمية مشددة استمرت عامين بسبب جائحة كورونا، بات الآن يعيد النظر في خططه كأن موسم السفر انتهى حتى قبل أن يبدأ.

شبكة CNN تناولت في تقرير حديث لها جحيم السفر الذي سيعيشه المسافرون هذا الصيف، مع كثرة إلغاء الرحلات الجوية وارتفاع أسعار تذاكر الطيران الجنوني، ونقص سيارات التأجير والارتفاع القياسي في أسعار الوقود والفنادق والمطاعم.

لا شك أن اندفاعنا للسفر بعد أن حبسنا فيروس كورونا في المنزل لمدة عامين، تشكل عاملاً مهماً في هذه الارتفاعات. بيد أن عوامل أخرى مثل الارتفاع المذهل في أسعار الوقود، والحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم التي أثرت سلبا على القوة الشرائية للمستهلكين، وأزمة عمالة عالمية في قطاعات الطيران والضيافة، وغيرها زادت من الطين بلة وعمقت من أزمة أسعار «تنغص» على المسافرين حلمهم بقضاء إجازة ممتعة.

في أوروبا، وبعد أن استعادت صناعة الضيافة قوتها في أعقاب جائحة مدمرة، يشهد متوسط تكلفة غرفة الفندق ارتفاعاً صاروخياً. ففي بعض البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، تتجاوز التكلفة الحالية لغرفة الفندق المستويات التي شوهدت قبل الجائحة، ويبدو أنها ترتفع بما يتجاوز معدل التضخم.

في بريطانيا، على سبيل المثال، بلغ متوسط سعر اليوم لغرفة الفندق في مايو 132 دولاراً بزيادة أكثر من %12 مقارنة بمايو 2019، وفقاً لبيانات صادرة عن شركة تحليل الضيافة العالمية STR.

وزادت أسعار الفنادق الأيرلندية أكثر من ذلك، حيث ارتفعت بنسبة %21.4 من 146 دولارا في مايو 2019 إلى 177 دولارا هذا الشهر.

وبحسب بيانات STR، ارتفعت تكاليف الفنادق أيضاً بشكل كبير منذ عام 2019 في البرتغال وأسبانيا وإيطاليا (بنسبة %15 و%17 و%23 على التوالي). ويظهر ذلك أن إيطاليا شهدت أعلى قفزة في متوسط تكلفة غرفة فندقية منذ عام 2019.

مستويات الإشغال

يقول جون هوبز هوريل، رئيس شبكة أدفانتيج العالمية: «نعلم أن مستويات الإشغال آخذة في الازدياد، لأسباب واضحة». فبعد أن شهد قطاع الضيافة بما يشمل من فنادق وترفيه ومطاعم تراجعاً كبيراً في الطلب أثناء الجائحة، أصبح هناك إقبال كبير ومتوقّع من قبل المسافرين، سواء لغرض الترفيه أو العمل، وهو ما دفع الفنادق إلى زيادة أسعارها لتعويض تلك الفترة التي تسببت بعبء ديون كبير على هذا القطاع.

في الواقع، تظهر بيانات STR أيضاً أن مستويات الإشغال ارتفعت في معظم أنحاء أوروبا. إذ شهدت الفنادق في أيرلندا (%84.9) والمملكة المتحدة (%77.4) وإيطاليا (%72.9) أعلى مستويات الإشغال.

وفي فبراير، وجدت دراسة استقصائية أجرتها UKH Hospitality أن الأسعار في جميع أنحاء القطاع في بريطانيا سترتفع بمعدل %11 هذا العام. وألقت هيئة الرقابة باللوم على ارتفاع تكلفة الطاقة والغذاء والعمالة في ارتفاع الأسعار، وهو عبء تضطر الفنادق إلى نقله إلى المستهلكين.

وفي حين أن فرنسا لا تزال أغلى دولة لحجز فندق فيها، حيث وصلت الأسعار إلى 211 دولارات في الليلة، انخفض متوسط السعر اليومي في الواقع بنسبة %14.9 منذ عام 2019.

قفزة جنونية

أدى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام والزيادة الأخيرة في الأجور إلى ارتفاع فواتير الزبائن في المطاعم وغيرها من مرافق الضيافة، مقارنة بما كانت عليه قبل الجائحة في عدد من البلدان الأوروبية والعالم.

أحد الأسباب الرئيسية هو أن المواد الغذائية أصبحت أكثر تكلفة بشكل عام نتيجة القفزة الكبيرة في أسعار السلع الأولية، وعلى رأسها اللحوم والحبوب والزيوت، فضلاً عن الارتفاع الحاد في كلفة الشحن بالإضافة إلى اشتعال أسعار الطاقة بسبب هجوم روسيا على أوكرانيا.

ويتوقع المكتب الاقتصادي لبنك ING في هولندا أن تشهد أسعار في صناعة الضيافة زيادة تتراوح بين %2.5 و%3. بيد أن الخبيرة الاقتصادية كاتينكا يونغكيند ترى أن الزيادة في الأسعار ربما تكون «أعلى بكثير» من هذه النسبة نتيجة ارتفاع تكاليف المواد الخام.

تكاليف كبيرة

بلغت أسعار تذاكر السفر خلال هذا الصيف مستويات قياسية لم نشهدها من قبل، وهي ارتفاعات ربما تردع البعض عن السفر لعدم قدرتهم على تحمل تكاليفها.

ويرجع المراقبون هذا الارتفاع الذي زاد بنسبة تصل إلى %30 مقارنة بالأسعار قبل الجائحة للاقبال الكبير على السفر، والقفزة في أسعار الوقود الذي يزيد من عبء التكاليف على شركات الطيران العالمية.

فإذا كان ملء خزان السيارة مكلف للغاية، فلنا أن نتخيل تكلفة تزويد الطائرة بالوقود. إذ يعد الوقود أحد أكبر النفقات لشركات الطيران.

تحمل بعض طائرات بوينغ 737 ما يقرب من 6900 غالون من الوقود، والتي ستكلف بالأسعار الأخيرة التي أبلغت عنها وزارة الطاقة الأميركية حوالي 13.3 ألف دولار أكثر من العام الماضي.

 

ومع ارتفاع سعر الغالون لوقود الطائرات إلى مستويات لم نشهدها منذ عام 2008، تشير العديد من شركات الطيران الأميركية إلى أنها ستنقل الزيادة إلى المسافرين.

اختلاف المناطق

يشير تقرير، نشرته وكالة بلومبيرغ، إلى أن ارتفاع أسعار تذاكر الطيران يختلف باختلاف المناطق. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر تذكرة الطيران من هونغ كونغ إلى لندن، على الدرجة الاقتصادية، بمعدل خمس أضعاف عما كان عليه الحال قبل الجائحة إلى 5360 دولاراً.

وتقول جاكلين كو، الخبيرة في قطاع السياحة: إن «أسعار التذاكر مرتفع جداً في هذه الأيام»، وأشارت إلى أن تذكرة العودة من سنغافورة إلى برلين، على الدرجة الاقتصادية، بلغ نحو 3600 دولار، معربة عن دهشتها من هذا الارتفاع الكبير في الأسعار.

وتبيّن دراسة، أجراها معهد «ماستركارد» للاقتصاد، أن أسعار تذاكر الطيران من سنغافورة كانت في المتوسط أعلى بنسبة %27 خلال شهر أبريل، مقارنة بالشهر نفسه في عام 2019، في حين كانت أسعار الرحلات الجوية من أستراليا أعلى بنسبة بلغت %20.

تراجع الإنفاق

قال محللون في مورنينغ كونسلت، في تقرير في وقت سابق من هذا الشهر: إن «خدمات مثل السفر الجوي سجلت انخفاضاً متواضعاً في الإنفاق مع تعثر الطلب القوي بشكل طفيف وسط ارتفاع الأسعار».

وأشار محللو مورنينغ كونسلت كذلك إلى أنه على الرغم من «الطلب القوي»، فإن قطاع السفر «قد يكون عرضة لتراجع الإنفاق إذا استمرت أسعار الرحلات الجوية والفنادق في الارتفاع».

وكانت الحكومة الأميركية ذكرت في وقت سابق من هذا الشهر، في تقرير مؤشر التضخم لأسعار المستهلك، أن أسعار شركات الطيران ارتفعت بنسبة %33.3 على مدار الاثني عشر شهراً الماضية حتى نهاية أبريل، وهي أكبر زيادة على أساس سنوي منذ ديسمبر 1980.

حتى قبل الحرب الروسية الأوكرانية، التي دفعت أسعار النفط إلى ارتفاعات جديدة، كانت أسعار تذاكر الطيران ترتفع عن مستويات العام الماضي. فبحسب تطبيق السفر Hopper بلغت أسعار إجازة الربيع في المتوسط %21 أعلى من 2021.

خيارات محدودة

يقول الخبراء إن تكلفة السفر والنفقات الأخرى تعني أن المسافرين ربما يعيدون التفكير في خططهم، إذ يقول بيل إيزيل، من معهد النقل في تكساس إيه آند ام: «الجميع سيعيد النظر في خيارات السفر المتاحة».

أحد المواطنين من كليفلاند قال لشبكة CNN إن الأسعار المرتفعة «ستحدث تغييراً كبيراً في خياري». واعترف بأنه يدرك أن تكاليف شركات الطيران ارتفعت أيضاً، لكن هناك حداً لما هو مقبول.

وقال: «إذا أصبح الأمر غير معقول، أعتقد أن الناس سيتخلون عن السفر، وسيعتمد الأمر على مدى حاجتك له. السفر على ما يبدو لن يعود خياراً للترفيه والمتعة».

زر الذهاب إلى الأعلى