منغوليا

داخل “معسكر المريخ” في منغوليا… مغامرة مثيرة تهدف لتحويل السياح إلى رواد فضاء

في اليوم الخامس والعشرين من التجربة، تستيقظ داخل كبسولة نوم صغيرة تحيط بها تضاريس تشبه سطح المريخ، مغطاة بطبقة من الثلوج، وبعيدة تمامًا عن أي مظهر من مظاهر الحضارة. في الخارج، تهبط الحرارة إلى ما دون 30 درجة مئوية تحت الصفر. وبعد جلسة تأمل وفطور بسيط من الطعام المجفف بالتجميد، ترتدي أنت وطاقم من ستة أفراد بدلات فضاء فوق الملابس الحرارية، لتنطلقوا في مهمة وسط عاصفة رملية.

هذه ليست قصة خيال علمي، بل برنامج حقيقي يمتد لشهر كامل في عمق صحراء جوبي المنغولية، صُمم ليحاكي الحياة على كوكب المريخ… للسياح.

المشروع، المعروف باسم MARS-V، تطوره منظمة غير حكومية مقرها في أولان باتور، وتهدف إلى إنشاء محطة محاكاة كاملة للحياة المريخية في الصحراء، استعدادًا لاستقبال أول فوج سياحي عام 2029.

لماذا صحراء جوبي؟

تتميز الصحراء المنغولية بأنها من أقرب البيئات على الأرض لشكل الحياة على المريخ: أرض جرداء، درجات حرارة متقلبة قد تصل إلى 45 درجة مئوية صيفًا وتنخفض إلى 40 تحت الصفر شتاءً، وتربة غنية بأكسيد الحديد تمنحها لونًا أحمر شبيهًا بسطح الكوكب الأحمر.

وبحسب القائمين على المشروع، فإن هذا المزيج من العزلة والبرودة والارتفاع يجعل المكان مثاليًا لتدريب العلماء ورواد الفضاء، وأيضًا مناسبًا لتجربة سياحية فريدة لمحبي المغامرات.

يقول المدير التنفيذي للمشروع، إنختوفشين دويودخو:
“هدف التجربة هو البقاء في بيئة معزولة وقاسية، مع اغتنام الشعور بأنك في عالم آخر، حيث إن أي خطأ في اتباع البروتوكول قد يكون قاتلًا.”

اختبارات وتدريب قبل الانطلاق

قبل المشاركة، يخضع المتقدمون لاختبارات بدنية ونفسية صارمة، يتبعها تدريب افتراضي لمدة ثلاثة أشهر يشمل أساليب التعامل مع الأكسجين، وعلم نفس العزلة، وإجراءات الطوارئ. وعند الوصول إلى منغوليا، يقضي المشاركون ثلاثة أيام تدريبية في العاصمة قبل تسليم هواتفهم والانتقال عبر رحلة برية طويلة نحو موقع المحاكاة.

الحياة داخل “معسكر المريخ”

يقيم المشاركون في وحدات سكنية مترابطة تضم غرفًا للنوم ومختبرًا ودفيئة زراعية. ويبدأ اليوم بروتين صارم يضم تأملًا وتمارين وفيتامينات وفطورًا، يتبعها اجتماع لقائد الفريق.

وتنقسم المهام اليومية بين جمع عينات التربة، والخروج بعربة جوالة للرصد الجيولوجي، والتواصل مع “الأرض” عبر نظام يتعمد إدخال تأخير زمني لمحاكاة الاتصال بين الكواكب.

أما درجات الحرارة، فقد تصل إلى 27 درجة تحت الصفر — وهي ما يعتبره الفريق “يومًا دافئًا”.

وتقدّم الوجبات أطعمة منغولية مجففة بالتجميد، مثل الزلابية أو حساء لحم الضأن، لتقليد وجبات رواد الفضاء بأسلوب محلي. ويوجد تشابه لافت بين تصميم الخيم المنغولية التقليدية (اليورت) والقِباب المريخية التي يعمل الفريق على تطويرها.

سياحة فضائية بسعر أقل

في وقت تتجه فيه شركات مثل سبيس إكس وبلو أوريجين لجذب المشاهير إلى رحلات الفضاء الفاخرة، يقدم مشروع MARS-V بديلًا أقل تكلفة لمحاكاة تجربة العيش على المريخ. إذ من المتوقع أن تبلغ تكلفة المشاركة نحو 6000 دولار للشهر، إضافة إلى برنامج التدريب المسبق، مقارنةً بتذاكر تصل إلى 28 مليون دولار للفضاء الحقيقي.

ويتوقع القائمون على المشروع أن تكتمل المساكن وأن يُفتتح المخيم للجمهور خلال عامين إلى ثلاثة أعوام.

نافذة على مستقبل البشر

بالنسبة لعشاق الفضاء والمغامرات القاسية، قد يكون هذا المعسكر فرصة لتجربة حياة تتجاوز حدود الأرض. يقول دويودخو:
“العيش شهرًا في مكان غريب مع خمسة أشخاص آخرين يمنحك منظورًا جديدًا للحياة. وإذا كنت تؤمن بأن البشر سيصبحون يومًا ما كائنات متعددة الكواكب، فهذه التجربة قد تكون بداية الطريق.”

أما لمن يبحثون عن تجربة أكثر راحة، فصحراء جوبي تُقدم بدائل أقل تطرفًا، مثل نُزل “ثري كاميل” الفاخر الذي يوفر رفاهية كاملة في وسط العزلة.

ومهما كانت طريقة الزيارة، تبقى صحراء جوبي واحدة من أقرب الأماكن على الأرض التي يمكن أن تمنحك إحساسًا حقيقيًا بما قد تكون عليه الحياة على المريخ… دون مغادرة الكوكب.

زر الذهاب إلى الأعلى