أوزبكستان والكويت: نحو تعاون متبادل المنفعة

في السنوات الأخيرة، وفي إطار مفهومها المتجدد للسياسة الخارجية، عملت أوزبكستان على تعزيز علاقاتها الخارجية مع الشركاء التقليديين، وتعزيز أنشطتها في المنظمات الدولية، وتوسيع جغرافية شراكاتها. ويتجلى هذا الاتجاه بشكل خاص في جهود أوزبكستان لرفع علاقاتها مع دول الخليج العربية إلى مستوى جديد.
ومن الجوانب المهمة أن العلاقات مع هذه الدول تتطور على المستويين المتعدد الأطراف والثنائي. ويتجلى هذا في إنشاء الحوار الاستراتيجي “مجلس دول الخليج العربية – آسيا الوسطى” واستضافة القمة الأولى رفيعة المستوى بهذا الشكل بنجاح في عام 2023. وتولي طشقند الرسمية أهمية خاصة لتطوير العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، حيث تشكل الكويت اتجاهًا ذا أولوية.
في الآونة الأخيرة، كثفت أوزبكستان الحوار السياسي مع الكويت. في أبريل 2024، استقبل رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف وزير خارجية الكويت عبد الله اليحيى. وفي عام 2024 وحده، عقدت خمس جولات من المفاوضات بين وزيري خارجية البلدين. كما تم تعزيز الحوار بين الهيئات الاقتصادية ودوائر الأعمال. وفي العام الماضي، زار أكثر من 100 رجل أعمال أوزبكي مدينة الكويت.
وفي مايو وأغسطس 2024، تم تنظيم منتديين للأعمال ومعرض “صنع في أوزبكستان” في الكويت. وفي المقابل، أقيمت منتديات أعمال في أوزبكستان بمشاركة وفد أعمال كويتي مكون من 31 عضوًا. وشاركت شركات كويتية بارزة مثل Gulf Care General Trad. “وقد زارت أوزبكستان شركات طبية وطبية مثل شركة “”بيوميديكس ميديكال جروب”” وعطورات مشاري العفاسي وشركة أدفانسد ميديكال جيرماني.
ومن المهم أن نلاحظ أن تفعيل العلاقات بهذه الطريقة ليس من دون سبب. فالكويت شريك مفيد بشكل شامل لأوزبكستان. وهذا يرجع إلى عدة عوامل.
أولاً، مفاهيم السياسة الخارجية للبلدين متشابهة للغاية. فكل من أوزبكستان والكويت ترى أن آفاق التنمية الخاصة بهما مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببلدان منطقتيهما. وكما تلعب أوزبكستان دورًا حاسمًا في سلامة واستقرار آسيا الوسطى، فإن الكويت تحتل مكانة مهمة في تطوير التعاون الإقليمي بين دول الخليج. وفي هذا السياق، يجدر بنا أن نتذكر أن أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح كان أحد مؤسسي مجلس التعاون الخليجي.
وعلى نحو مماثل، في المرحلة الحديثة، أنجز رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف مهمة تاريخية. فقد أثر انتخابه رئيسًا لأوزبكستان بشكل إيجابي على الوضع السياسي في آسيا الوسطى. لقد اختارت أوزبكستان طريق التقارب مع جيرانها وبناء مستقبل المنطقة بشكل مشترك. والآن تعمل الاجتماعات التشاورية لزعماء المنطقة، التي بادر بها رئيس أوزبكستان، كآلية رئيسية لضمان التعاون المكثف.
ثانياً، تتقاسم الدولتان نهجاً مشتركاً في إطار مشاركتها في المنظمات الدولية. على سبيل المثال، تقدم الكويت وأوزباكستان وجهات نظر ومقترحات مماثلة على منصات مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي. وتدعو الدولتان إلى بذل جهود مشتركة لمعالجة قضايا الأمن الدولي وتعزيز التنمية المستقرة والشاملة. وقد دعمت طشقند ومدينة الكويت الرسميتان مبادرات بعضهما البعض، وقدمتا الدعم السياسي لهذه المنظمات.
ثالثاً، تبنت الدولتان استراتيجيات للتنمية الاقتصادية. فقد وضعت أوزباكستان والكويت التحديث الاقتصادي والتنويع في مركز أجنداتهما المحلية. وتنعكس هذه الأهداف في استراتيجيات أوزباكستان الجديدة 2030 والكويت الجديدة 2035. ويمر البلدان بمرحلة تاريخية مماثلة من التنمية، وهي فترة من التحول العميق. ولا يعتمد نجاح هذه العملية على العوامل الداخلية فحسب، بل يعتمد أيضاً على خلق بيئة خارجية مواتية. لذلك، يهتم البلدان بتوسيع دائرة شركائهما الخارجيين، وجذب الاستثمارات، والوصول إلى أسواق جديدة. ومن شأن إقامة تنسيق مستمر في هذه المجالات أن يعود بالنفع على الطرفين.
رابعاً، إن تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية مفيد بنفس القدر لأوزبكستان والكويت. ويرتبط هذا ارتباطاً وثيقاً بالأهمية المالية والجغرافية والأهداف الاستراتيجية للبلدين على المستويين الدولي والإقليمي. تحتل أوزبكستان موقعاً جغرافياً مهماً استراتيجياً في آسيا الوسطى، حيث إنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تشترك في الحدود مع جميع دول آسيا الوسطى الأخرى. كما توفر أوزبكستان إمكانية الوصول إلى الأسواق الأوراسية. وعلاوة على ذلك، تقع البلاد عند مفترق طرق برية دولية رئيسية. وهذا يعني أن أوزبكستان، وآسيا الوسطى ككل، تعزز مكانتها في نموذج الاقتصاد العالمي الجديد، وتستعيد دورها كممر نقل تقليدي يربط الشرق بالغرب. كما أن موقع الكويت له أهمية استراتيجية، إقليمياً وعالمياً. ففي حين تقع أوزبكستان عند مفترق طرق برية، تقع الكويت عند تقاطع طرق التجارة البحرية. بالإضافة إلى ذلك، تقع البلاد في قلب منطقة الشرق الأوسط.
تشير العوامل المذكورة أعلاه إلى أن التعاون الصناعي بين أوزبكستان والكويت من شأنه أن يخلق فرصًا مواتية لكلا البلدين للوصول إلى أسواق دول ثالثة. يمكن أن تعمل أسواق آسيا الوسطى كمنصة لتنويع اقتصاد الكويت والحد من هيمنة منتجات الوقود في تجارتها. في المقابل، يمكن لأوزبكستان حل مشكلة الوصول إلى طرق التجارة البحرية من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع الكويت. يمكن للبلدين أن يعملوا كمركزين لوجستيين لبعضهما البعض.
عامل آخر جدير بالملاحظة هو الأهمية الاقتصادية للبلدين. تمتلك أوزبكستان ثاني أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى. في السنوات الأخيرة، أظهر اقتصاد البلاد ديناميكيات نمو عالية. على مدى السنوات السبع الماضية، ضاعفت طشقند الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. بحلول نهاية عام 2024، نما الناتج المحلي الإجمالي لأوزبكستان بنسبة 6.5٪ مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 115 مليار دولار. من ناحية أخرى، تعد الكويت دولة ذات أهمية كبيرة للاقتصادات العالمية والشرق الأوسط. تحتل الإمارة مكانة فريدة في بنية أمن الطاقة العالمية الحالية. الكويت هي واحدة من أكبر عشر دول مصدرة للنفط في العالم، وتحتل المرتبة الثانية خليجيا والسادسة عالميا في احتياطيات النفط. وبفضل مواردها الغنية، تمتلك البلاد واحدة من أكبر الاقتصادات للفرد في العالم.
وبالنظر إلى العوامل المذكورة أعلاه، يمكن تسليط الضوء على العديد من مجالات التعاون باعتبارها مفيدة بشكل خاص لأوزبكستان والكويت.
التجارة
على مدى السنوات الخمس الماضية، زاد حجم التجارة بين أوزبكستان والكويت خمسة أضعاف. حاليا، تعمل سبع شركات برأس مال كويتي في أوزبكستان. ومع ذلك، فإن هذا لا يعكس بشكل كامل الإمكانات الاقتصادية لكلا الجانبين. في عام 2023، بلغت تجارة الكويت في السلع والخدمات مع الدول الأخرى 164 مليار دولار، في حين بلغ رقم أوزبكستان 63 مليار دولار. يمكن أن تكون الاتفاقية الموقعة في عام 2024 لتبسيط العمليات التجارية خطوة مهمة في زيادة ديناميكية التجارة.
الاستثمار
تتمتع الكويت بإمكانات استثمارية كبيرة. تحتل هيئة الاستثمار الكويتية المرتبة الثانية خليجيا والخامسة عالميا فيما يتعلق بالقدرات المالية. تقدر أصولها الحالية بنحو تريليون دولار. وهناك صندوق آخر، وهو صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية، وهو منظمة مرموقة تقدم منحًا وقروضًا ميسرة للدول النامية. وفي المقابل، أصبحت أوزبكستان وجهة استثمارية مهمة ذات فرص هائلة. فمنذ عام 2017، اجتذبت طشقند الرسمية ما يقرب من 80 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية. ومن هذا المنظور، يمكن أن تكون أوزبكستان وجهة واعدة للمستثمرين الكويتيين.
السياحة
في عام 2022، كان ما يقرب من نصف (47٪) واردات الكويت من الخدمات مرتبطة بالسياحة. أنفق السياح الكويتيون أكثر من 10 مليار دولار في الخارج. مع تراثها الثقافي الغني، والعلوم الشرقية، والمراكز التاريخية للثقافة الإسلامية، يمكن لأوزبكستان أن تصبح وجهة سياحية مهمة للمسافرين الكويتيين.
الاقتصاد الرقمي
تعمل كل من أوزبكستان والكويت على إدخال التقنيات الرقمية الحديثة بسرعة في اقتصاديهما. يتجاوز سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الكويت حاليًا 22 مليار دولار، في حين تبلغ قيمة الاقتصاد الرقمي في أوزبكستان ما يقرب من 4.5 مليار دولار. لذلك، يمكن للكويت مشاركة خبرتها الواسعة في دمج البنية التحتية الرقمية بنجاح في الاقتصاد مع أوزبكستان. وهذا يتماشى مع الأهداف ذات الأولوية لاستراتيجية أوزبكستان الرقمية 2030.
الزراعة
القدرات الزراعية في الكويت محدودة. تستورد البلاد ما يقرب من 94٪ من احتياجاتها الغذائية. مع إمكاناتها العالية في إنتاج الغذاء، يمكن أن تكون أوزبكستان شريكًا واعدًا في ضمان الأمن الغذائي للكويت. يمكن أن يتطور هذا التعاون من خلال إنشاء مشاريع إنتاج مشتركة. ومن الجدير بالذكر أن الكويت تتمتع بخبرة كبيرة في هذا المجال، حيث قامت بتمويل 45 مشروعًا زراعيًا في 21 دولة أفريقية في السنوات الأخيرة لضمان الأمن الغذائي.
وفي الختام، فإن التعاون الاقتصادي والسياسي بين أوزبكستان والكويت سيكون خطوة مهمة في ضمان التنمية المستقرة لكلا البلدين. كما أن تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين سيوفر دفعة قوية أخرى لتعزيز التعاون بين المناطق.
عزيز كريموف
باحث بارز في معهد الدراسات الاستراتيجية والإقليمية برئاسة جمهورية أوزبكستان