تقدّم جنة الحياة البرية الغنية في دلتا أوكافانغو في بوتسوانا تجربة فريدة من نوعها ومختلفة تماماً عن رحلات السفاري الأخرى إلى بقية أنحاء قارة إفريقيا، حيث تستضيف المنطقة نظاما بيئياً رائعاً للأراضي الرطبة داخل الأراضي القاحلة في الجنوب الإفريقي، حيث ترتسم أنواع الكائنات الحية بجميع أشكالها وتحتشد جماعاتها في هذا المكان .
وتستحق محمية موريمي عن جدارة لقب جوهرة الدلتا، وهذه الواحة هي المكان المناسب في الدلتا لكي تجد مخيمات رحلات السفاري الفاخرة .
لكل مخيم في أوكافانغو حسناته ومميزاته الخاصة، فهناك فرصة ملائمة لرؤية جماعات الجاموس والأسود التي تتغذى عليها في سهول “دوبا بلاينس”، كما تحظى فيها لمشاهدة المعارك بين المفترسات مثل الأسود والضباع وهي تتعارك على الطرائد مثل الغزلان والحمر الوحشية، وهذه الأعمال الدرامية هي من ضمن المشاهد اليومية التي تنتظر جميع من يزورون البرية والمسرح المائي الذي يتمثل في دلتا أوكافانغو ومحيطها .
ونهر أوكافانغو غير عادي تماماً، حيث يولد في جبال أنغولا غربي القارة، ليتدفق على مدى 1000 ميل في عمق شمال بوتسوانا حيث تتبعثر مياهه وهي تحاول في ونى أن تعبر بساتين النخيل ومستنقعات نباتات البردي والأعشاب النهرية الكثيفة حتى تبلغ المحيط الهندي لتستريح من عناء رحلتها الطويلة، إلا أنها تغرق وتتبدد في رمال صحراء كلاهاري؛ ولكن، وقبل أن تدركه النهاية الوشيكة، فإن نهر أوكافانغو يصنع في هذه الدلتا أكبر واحة في إفريقيا .
أفضل الأوقات للقيام بالرحلة
يعتبر موسم الفيضان هو أفضل الأوقات لزيارة دلتا أوكافانغو، حيث تصل الأمطار التي تهطل في الجبال الأنغولية لتغذي النهر حين تكون المنطقة في أمس الحاجة إليها، في منتصف موسم الجفاف في بوتسوانا الذي يكون في أشهر الشتاء، أي بين شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب في هذه المنطقة الواقعة جنوب خط الاستواء .
والفيضانات التي تحدث هنا معتدلة وليست من ذلك النوع الذي يهدد الحياة حيث إن المنطقة مسطحة ومنبسطة تماماً، وتبدو مياه النهر في صفاء الكريستال وهي تمر عبر مسارات إفراس النهر القديمة، بعد أن تتم تنقيتها بالمرور بمستنقعات نباتات البردي، لتجدد البحيرات وتلتف حول السهول العشبية .
ولا تفيد الفيضانات الحيوانات البرية مثل الفيلة وإفراس النهر والقطط الكبيرة والجاموس البري وجميع الحيوانات العاشبة الأخرى فحسب، ولكنها تجعله الزمان الأفضل لاستكشاف دلتا أوكافانغو عبر زوارق “الموكورو” التقليدية التي يقودها ربان يدفعها عبر المستنقعات بعصا طويلة .
وتجربة زوارق “الموكورو”، أو الجندولا الإفريقية تعتبر من التجارب الفريدة من نوعها، حيث تنزلق المركب المزودة بمجداف واحد طويل بلا صوت بين نباتات القصب وزنابق الماء مع البرية البكر التي تعج بالضفادع واليعاسيب وآكلات النحل والرفراف الطائر.
وإذا كنت من هواة الصيد بالقصبة (الصنارة) فلا بد أنك قد سمعت ب “باربل ران” أو مطاردة أسماك الس التي تحدث عندما تبدأ أسراب من أسماك السلّور (سمكة النمر) الشرهة في التحرك بشكل جماعي لمطاردة أسماك الطعم الصغيرة بين نباتات البردي والقصب، ويجري هذا الحدث الكبير في الفترة بين شهور أغسطس/ آب وأكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، وهو يجعل من أوكافانغو مكاناً على مستوى عالمي بالنسبة لرياضة الصيد بالصنارة .
على الرغم من برودة ليالي الشتاء إلا أن أوقات النهار غالباً ما تكون مشمسة وصافية، وتصبح الفترة من شهر سبتمبر/أيلول دافئة أكثر فأكثر لتبلغ مستويات تصل إلى 40 درجة مئوية في أكتوبر/تشرين الأول والذي يبشر ببداية موسم الخريف الأخضر في بوتسوانا؛ وتميل الأمطار التي تهطل هناك حالياً لأن تكون مثل العواصف المسائية المتفرقة التي تتخللها نوبات من سطوع الشمس، الأمر الذي يجعل من الدلتا وجهة سياحية على مدار العام .
محمية موريمي
هي حديقة وطنية رائعة تقع على الجانب الشرقي من دلتا اوكافانغو، وتقدّم المحمية للسياح فرصة رائعة لاستكشاف جمال المنطقة، وتنوع الحياة البرية النادرة فيها والاستمتاع بمشاهدة الطيور من مختلف الأنواع والأشكال والأحجام، وتعتبر محمية موريمي موطناً لقرابة أربعمئة نوع من الطيور ومجموعة واسعة ومتنوعة من الحيوانات البرية الأخرى بما فيها الزراف، والكلاب البرية الإفريقية، والأسود، والنمور، وغزلان التيتل الأحمر وابن آوى .
ويثير تنوع المنطقة بعض التناقضات الطبيعية غير المتوقعة بشكل مذهل، حيث يجمع المكان بين أماكن المياه الدائمة مع المناطق الأكثر جفافاً، وتقدّم محمية موريمي إطلالة رائعة على بيئة السافانا ويوفر فرصة كبيرة أمام السياح لمراقبة الحياة البرية والاستمتاع بجمال كائناتها .
تتبع المحمية نهج السياحة البيئية الصارم، وتقدم أنواعاً مختلفة من وسائل النقل مثل سيارات الدفع الرباعي وزوارق “موكورو” التقليدية للسياح لاستكشاف المنطقة، كما يسمح بالجولات السياحية على الأقدام مع مرشد أو دليل شخصي مرافق .
حوض كالاهاري
تعتبر دلتا أوكافانغو واحة بحق في صحراء كالاهاري الشاسعة، حيث إنها تقع في حوض كالاهاري، وبسبب موقع إفريقيا المناسب بالقرب من خط الاستواء فإن أحياء المنطقة بقيت إلى حد كبير في منجأ من تأثير العصور الجليدية التي أدت لانقراض الكثير من الأحياء في المناطق الأخرى مثل أوروبا، وأدى ذلك للتنوع الكبير والمدهش وازدهار أنواع مختلفة وكثيرة من النباتات والحيوانات التي نشهدها في المنطقة .
تقع دلتا أوكافانغو ضمن حوض كالاهاري الذي يحظى هو الآخر بالعديد من أنواع الأشجار التي تماثل في العدد تلك الموجودة في قارة أوروبا بأسرها، وربما تبين هذه المقارنة كيف يمكن للسياح الذين يزورونها الاستفادة من هذا الكنز من الجمال الطبيعي الذي تزخر به .
بقايا بحيرة ماكغاديكادي
كانت ماكغاديكادي من ضمن البحيرات القديمة التي كانت تحتل جزءاً كبيراً من حوض كالاهاري، وكانت العديد من الأنهار الكبرى تغذي هذه البحيرة، ولكن تسببت مجموعة كبيرة من العوامل والأحداث الجيولوجية التي وقعت قبل 50 ألف عام بالعديد من الأنهار لتغيير مساراتها والذي استنزف بدوره موارد البحيرة من المياه، حيث واصل نهر أوكافانغو فقط مسيره ليصب في البحيرة .
وحتى نهر أوكافانغو فإنه قام في النهاية بتغيير مساره تاركاً بحيرة ماكغاديكادي لتواجه الجفاف لتشكل بعد ذلك أكبر مجمع للملح في العالم . وتنتشر هذه الملاحات البيضاء الرائعة اليوم، في مساحة واسعة تعادل مساحة سويسرا تقريباً، ومن المؤكد أن يفتن جمال المكان السياح .
التنوع النباتي والحيواني في المنطقة
تشتهر منطقة دلتا أوكافانغو بكونها مقراً موسمياً لمجموعة كبيرة ومنوعة بشكل مذهل من الطيور والحيوانات والأسماك والنباتات، وتفخر المنطقة بوجود أكثر من أربعمئة نوع من الطيور بما فيها تلك النادرة مثل نسر السمك الإفريقي، والكرين المتوج، والرولر ذو الصدر الليلكي، والهامركوب، وطائر أبو منجل . وتجعل هذه المجموعة المتنوعة من منطقة الدلتا مكاناً مميزاً لهواة مراقبة الطيور .
تحظى منطقة الدلتا الداخلية بحيوانات برية متنوعة تضم حوالي 71 نوعاً مختلفاً من الأسماك بما فيها أسماك البلطي، والسلور، وأسماك النمر؛ كما أنها تحظى بشرف استضافة بعض أكثر الحيوانات البرية الرائعة والمهيبة على مر العصور بما فيها فيل الأدغال الإفريقي، والجاموس الإفريقي، وإفراس النهر، والتيتل الأحمر، والفهد، وغزال القوفز (سبرينغبوك)، وغزال الكودو الكبير، وبقر الوحش، والتسيسيبي، والظباء، وقرود الرباح الأحمر (البابون) .