الصين

العمل يدا بيد على تنفيذ مبادرة الحوكمة العالمية بخطوات ملموسة

يصادف هذا العام الذكرى الـ80 لتأسيس الأمم المتحدة. على مدى العقود الثمانية الماضية، شهد العالم تطورا متسارعا في تعددية الأقطاب والعولمة الاقتصادية والمعلوماتية الاجتماعية والتنوع الثقافي، إلا أن المجتمع البشري لم يستقبل بعد سلاما شاملا وازدهارا مشتركا.

وفي ظل تشابك التغيرات والاضطرابات للأوضاع الدولية الحالية، يتفاقم العجز في الحوكمة باستمرار. في هذا السياق، طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة الحوكمة العالمية التي تشمل المفاهيم الجوهرية الخمسة وهي التمسك بالمساواة في السيادة والالتزام بسيادة القانون الدولي وتطبيق تعددية الأطراف والدعوة إلى وضع الشعب في المقام الأول والاهتمام بتحقيق نتائج ملموسة، ويعد ذلك امتدادا لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

تشكل مبادرة الحوكمة العالمية مع مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمية ومبادرة الحضارة العالمية كائنا عضويا جدليا متجانسا في الأهداف ومتكاملا في الوظائف، الأمر الذي يوضح الاتجاه لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

تعاني منطقة الشرق الأوسط مما يكفي من الحروب والاضطرابات، ويمثل السلام والتنمية أكبر تطلعات الدول العربية. تتجاوب مبادرة الحوكمة العالمية مع رغبة الدول العربية، وحظيت بالترحيب الواسع النطاق. قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط خلال مشاركته في الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية في بيجينغ، إن مبادرة الحوكمة العالمية تهدف إلى معالجة أوجه القصور التي يعاني منها منظومة الحوكمة العالمية بما فيها النقص في تمثيل دول الجنوب العالمي، وضعف سلطة القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وانعدام الفعالية في مواجهة التحديات العالمية، وذلك يتوافق مع شواغل الدول العربية، ويحظى باهتمام الجانب العربي. سيعمل الجانب العربي مع الجانب الصيني على تنفيذ مبادرة الحوكمة العالمية، ويقدم المساهمة الإيجابية لتعزيز السلام والتنمية في العالم.

يعكس هذا الكلام بجلاء تطابق المفاهيم والتطلعات بين الصين والدول العربية بشأن استكمال الحوكمة العالمية. إن الصين والدول العربية بصفتها أعضاء مهمة للجنوب العالمي، يتعين على الجانبين تنفيذ مبادرة الحوكمة العالمية يدا بيد وبخطوات ملموسة، وقيادة النظام الدولي نحو اتجاه أكثر عدلا وإنصافا.

أولا، العمل سويا على الدفاع عن المساواة في السيادة. يحق لكل دولة، بغض النظر عن حجمها أو قوتها أو ثروتها، أن تشارك في الحوكمة العالمية وتتخذ قرارات لها وتستفيد منها على قدم المساواة.

وإن الإيمان الأعمى بالقوة والشغف المجنون بالتنمر لن يؤدي إلا إلى إعادة العالم إلى قانون الغابة، حيث يكون الضعيف فريسة القوي ويحصل الفائز على الكل. ظلت الصين والدول العربية تحترم بعضها البعض، وتتعامل مع بعضها البعض على قدم المساواة، وتحترم اختيار الجانب الآخر بشكل مستقل للطريق التنموي والنظام الاجتماعي والسياسي الذي يتناسب مع ظروفه الوطنية، وتدعم بثبات المصالح الجوهرية والشواغل الكبرى للجانب الآخر. ينبغي للجانبين الصيني والعربي العمل معًا على معارضة الهيمنة وسياسة القوة، والدفاع عن العدالة والإنصاف، والدفع بدمقرطة العلاقات الدولية بشكل عملي.

ثانيا، العمل سويا على الحفاظ على سيادة القانون الدولي. ينبغي صياغة القانون الدولي والقواعد الدولية والحفاظ عليها وتنفيذها بشكل مشترك من قبل جميع الدول. إن القضية الفلسطينية هي لب قضية الشرق الأوسط، ويتطلب حل هذه القضية تنفيذ القرارات ذات الصلة للأمم المتحدة.

في يوم 25 نوفمبر الماضي، بعث الرئيس شي جينبينغ مرة أخرى ببرقية التهنئة إلى اجتماع إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، مؤكدا فيها على أن القضية الفلسطينية تهم العدالة والإنصاف الدوليين، وتعد اختبارا لفعالية منظومة الحوكمة العالمية، تدعم الصين كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي بثبات القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة. كما لاقت إجراءات الصين الجديدة لاستكشاف سبل تعزيز سيادة القانون الدولي دعما إيجابيا من الدول العربية. ما يدل على ذلك أنه بعد افتتاح المنظمة الدولية للوساطة رسميًا في هونغ كونغ، قد وقعت 5 دول عربية على اتفاقية المنظمة الدولية للوساطة حتى الآن. ينبغي للجانبين الصيني والعربي الدفاع سويا عن المبادئ الأساسية للقانون الدولي مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية والحل السلمي للنزاعات، والحفاظ على سلطة وسلامة القانون الدولي بشكل عملي.

ثالثا، العمل سويا على تنفيذ تعددية الأطراف. لا يقاوم تيار العصر المتمثل في تعددية الأقطاب والعولمة الاقتصادية، ولن تحظى الأحادية والحماية بتأييد من قبل الشعوب. ظلت الصين والدول العربية تتمسك بمفهوم الحوكمة القائم على التشاور والتعاون والمنفعة للجميع، وتتواصل بشكل وثيق في منصات متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي وآلية تعاون البريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون، لاستكشاف مسارات إصلاح واستكمال الحوكمة العالمية. ينبغي للجانبين الصيني والعربي التمسك بتعددية الأطراف الحقيقية، والسعي لجعل منظومة الحوكمة العالمية أن تجسد وتعبر عن المزيد من مصالح ومطالب أغلبية الدول.

رابعا، العمل سويا على تنفيذ مفهوم وضع الشعب في المقام الأول. لا يمكن لمنظومة الحوكمة العالمية أن تتمتع بالقوة الدافعة الكبيرة والتأييد الشعبي الواسع النطاق إلا أنها تهدف إلى تحقيق رفاهية الشعب. قد وقعت الصين وثائق التعاون بشأن بناء “الحزام والطريق” مع جميع الدول العربية البالغ عددها 22 دولة وجامعة الدول العربية، وأجرى الجانبان التعاون الواسع النطاق في مكافحة الفقر والزراعة والصحة والتعليم وغيرها من المجالات التي تخص معيشة الشعب. اعتمدت الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني المقترحات بشأن الخطة الخمسية الـ15 بعد النظر فيها، ستواصل الصين دفع عجلة التحديث الصيني النمط، وتفيد كافة أبناء الشعب بإنجازات أكبر وبصورة أكثر عدلا، كما ستتقاسم الفرص وتسعى إلى التنمية المشتركة مع دول العالم. ينبغي للجانبين الصيني والعربي التوجه يدا بيد إلى التحديث، وتحقيق مزيد من فوائد للشعبين الصيني والعربي، وحشد قوة دافعة قوية للدفع بالتحديث العالمي.

خامسا، التمسك سويا بتحقيق نتائج ملموسة. من المهم اتخاذ خطوات عملية عند استكمال الحوكمة العالمية والهدف الأساسي هو تحقيق نتائج ملموسة. تدفع الصين والدول العربية بلا كلل ببناء منتدى التعاون الصيني العربي، مما جعل التعاون فيما بينها عميقا ويغطي مجالات واسعة. أجرى الجانبان تعاونا نشطا في الذكاء الاصطناعي والأمن الرقمي وغيرهما من المجالات الجديدة.

أصدر الجانبان “مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية بشأن أمن البيانات” في عام 2021، التي تؤكد على ضرورة الدفع سويا بالحوكمة الرقمية العالمية ووضع قواعد دولية في هذا الصدد. وأعرب الجانب العربي عن ترحيبه بـ”مبادرة حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية” المطروحة من قبل الرئيس شي جينبينغ في الوثائق الختامية الصادرة عن الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي في عام 2024، حيث أكد الجانبان على ضرورة تعزيز تناسق السياسات، وإنشاء آلية الحوار وتعميق التعاون العملي. ينبغي للجانبين الصيني والعربي مواجهة التحديات الكونية يدا بيد، والعمل على بحث حلول لمشاكل بارزة في الحوكمة العالمية، والدفع بتحقيق نتائج ملموسة أكثر.

أينما كانت المروءة، يتوجه إليه الجميع. نثق بأنه تحت الجهود المشتركة لدول الجنوب العالمي بما فيها الصين والدول العربية، سيمضي العالم قدما نحو المستقبل المشرق من السلام والأمن والازدهار والتقدم بكل التأكيد.

(المؤلف: وو يافي، مراقب القضايا الدولية)

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى