التنغي الرقمي والبلوكتشين.. كيف تقود كازاخستان الابتكار المالي

عبدالحميد حميد الكبي
تُعد كازاخستان رائدة إقليمية في التحول الرقمي، حيث تسعى بطموح لتصبح مركزًا لتقنيات البلوكتشين والعملات المشفرة في آسيا الوسطى، من خلال إطلاق التنغي الرقمي، العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC)، في 15 نوفمبر 2023 خلال النسخة الحادية عشرة من مؤتمر المال في ألماتي، أظهرت البلاد التزامها بتحديث بنيتها المالية.
ويعكس هذا المشروع، المدعوم بإطار تنظيمي متقدم ومنصات رقمية مبتكرة، رؤية استراتيجية لتعزيز الشفافية، الشمول المالي، والابتكار.
الدور الاستراتيجي للتنغي الرقمي، البلوكتشين، والعملات المشفرة، الدور الاستراتيجي للتنغي الرقمي والبلوكتشين يُمثل التنغي الرقمي خطوة محورية في استراتيجية كازاخستان لتعزيز مكانتها كقوة رقمية إقليمية.
يهدف المشروع إلى تحديث النظام المالي من خلال خمسة أهداف رئيسية:الشفافية ومكافحة الفساد
يتيح التنغي الرقمي، المبني على تقنية البلوكتشين، تتبعًا كاملًا لاستخدام أموال الميزانية، مما يقلل من مخاطر الفساد وسوء الإدارة، خاصة في المشاريع العامة الكبرى مثل البنية التحتية والرعاية الصحية.
تعزيز الشمول المالي.
ويوفر التنغي الرقمي خيارات دفع مبتكرة، بما في ذلك المدفوعات دون اتصال بالإنترنت، مما يتيح الوصول إلى الخدمات المالية في المناطق النائية التي تفتقر إلى البنية التحتية التقليدية.
تطوير البنية التحتية المالية
يعمل التنغي الرقمي كجسر بين الأنظمة المالية التقليدية واللامركزية، مما يعزز الابتكار ويدعم تطوير خدمات مالية رقمية متطورة.
تسهيل المدفوعات عبر الحدود: من خلال التكامل مع شبكات الدفع العالمية مثل فيزا وماستركارد، يسهل التنغي الرقمي المعاملات الدولية، مما يعزز التجارة والاستثمار.
تعزيز السيادة النقدية: يرسخ التنغي الرقمي مكانة العملة الوطنية في الاقتصاد الرقمي، مما يعزز الاستقلال المالي لكازاخستان في مواجهة تقلبات الأسواق العالمية.
كذلك تدعم تقنية البلوكتشين هذه الأهداف من خلال نظام هجين يجمع بين الأمان، الشفافية، والكفاءة.

يضمن هذا النظام حماية المعاملات وتقليل المخاطر، مما يجعل التنغي الرقمي أداة فعالة لتحقيق التحول الرقمي.في سياق العملات المشفرة، يلعب مركز أستانا المالي الدولي (AIFC) دورًا حاسمًا في تنظيم السوق. يشرف المركز على منصات تداول عالمية مثل بينانس وبايبت، مع فرض إجراءات صارمة لمكافحة غسل الأموال وحماية المستهلك.
يعكس هذا الإطار التنظيمي التزام كازاخستان بتحقيق التوازن بين تشجيع الابتكار والحفاظ على الاستقرار المالي.
إنجازات كازاخستان في الاقتصاد الرقمي فمنذ إطلاق التنغي الرقمي وتطوير إطار البلوكتشين والعملات المشفرة، حققت كازاخستان إنجازات بارزة التنغي الرقمي والتكريم الدولي حاز مشروع التنغي الرقمي على جائزة مبادرة CBDC الرائدة في مؤتمر CB+DC بسبتمبر 2025، مما يعكس تميز البنك الوطني الكازاخستاني.
أشاد المنظمون بالمشروع لتركيزه على الشمول المالي، التصميم التقني المتطور، والاستدامة. وأكد بينور زالينوف، كبير مسؤولي التكنولوجيا الرقمية، أن التنغي الرقمي يفتح آفاقًا لمدفوعات سريعة وخدمات مالية مبتكرة.
التجارب التجريبية الناجحة
جرى اختبار التنغي الرقمي في أكثر من عشرة مجالات، بما في ذلك إصلاح الطرق، بناء السكك الحديدية، ودعم المزارعين. أدت هذه التجارب إلى تقليل مدة استرداد ضريبة القيمة المضافة من 75 يومًا إلى 5 أيام، مما يعزز الكفاءة الإدارية.
تنظيم تعدين العملات المشفرة
بعد تحديات الطاقة في 2021-2022، نجحت كازاخستان في تنظيم التعدين بموجب قانون الأصول الرقمية لعام 2023. شملت الإجراءات ترخيص الشركات، بيع نسبة من الأصول المُعدّنة عبر بورصات AIFC،
أطلقت كازاخستان في مايو 2025 مشروع “CryptoCity” لتجربة مدفوعات العملات المشفرة في المعاملات اليومية.
كما انضمت خمسة بنوك (هاليك، فورتي، فريدم، RBK، وألتين) إلى برنامج تجريبي لبطاقات العملات المشفرة، التي تتيح تحويل العملات إلى تينغ في الوقت الفعلي.
البنية التحتية الرقمية
بلغت المدفوعات غير النقدية 89% في 2024، بدعم من منصات مثل Kaspi.kz التي تخدم 12 مليون مستخدم شهريًا. كما أطلق البنك الوطني نظام Open API في 2023، مما سهل إدارة الحسابات المصرفية عبر واجهة واحدة.
احتلت كازاخستان المرتبة 24 عالميًا في مؤشر الأمم المتحدة لتنمية الحكومة الإلكترونية لعام 2024، متفوقة على دول مثل الصين وألمانيا، والمرتبة 34 في تصنيف IMD للتنافسية الرقمية لعام 2025.
إلى جانب هذه الإنجازات، تمتلك كازاخستان فرصًا واعدة لتعزيز ريادتها في الاقتصاد الرقمي:
تعزيز البنية التحتية للطاقة: من خلال خطة وزارة الطاقة لإضافة 26 جيجاواط بحلول 2035، بما في ذلك مشاريع الطاقة النووية مع روساتوم والمؤسسة النووية الصينية، تستعد كازاخستان لدعم التوسع في التعدين الرقمي بشكل مستدام، مما يعزز الكفاءة الاقتصادية.
الاستدامة البيئية: يفتح التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة آفاقًا لتقليل الاعتماد على الطاقة المولدة من الفحم، مما يعزز مكانة كازاخستان كرائدة في الابتكار البيئي والاقتصادي.
تطوير المنافسة الإقليمية
من خلال تعزيز السياسات التنظيمية لتكون أكثر جاذبية، يمكن لكازاخستان استغلال المنافسة مع دول مثل أوزبكستان وقيرغيزستان لجذب المستثمرين وتأكيد ريادتها الإقليمية.
ربط القطاع المصرفي بالعملات المشفرة
يوفر دمج البنوك التقليدية مع شركات العملات المشفرة فرصة لتعزيز التكامل المالي، مما يسهل الوصول إلى الخدمات المالية ويسرّع نمو الأعمال الرقمية.
تطلع كازاخستان إلى توسيع نطاق التنغي الرقمي والاقتصاد الرقمي من خلال رؤية طموحة
دمج شامل للتنغي الرقمي: بحلول 2026، سيتم دمج التنغي الرقمي في جميع النفقات الحكومية وشبه الحكومية، مما يعزز الشفافية والمساءلة. سيتم تطبيقه في أكثر من 100 مشروع عام كبير، بما في ذلك البناء، الرعاية الصحية، والمرافق.
المدن الذكية
ستعتمد مدن مثل “مدينة ألاتاو الرقمية” التنغي الرقمي كأداة أساسية في المعاملات، مما يعزز الكفاءة ويدعم تطوير البنية التحتية الذكية.
احتياطي وطني للعملات المشفرة بحلول 2026، ستنشئ كازاخستان احتياطيًا وطنيًا من الأصول المشفرة المصادرة والمُعدّنة بمشاركة حكومية، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويحمي ضد تقلبات الأسواق.
التعاون مع القطاع الخاص: يستمر التعاون مع شركاء مثل فيزا وماستركارد والبنوك المحلية لتكامل التنغي الرقمي في البنية التحتية المالية، مما يعزز الابتكار والوصول إلى الخدمات.
تعزيز رأس المال البشري: مع هيمنة الشباب (83% من مستخدمي العملات المشفرة تتراوح أعمارهم بين 18-34 عامًا)، ستعمل كازاخستان على تطوير برامج تعليمية لتأهيل المتخصصين في الامتثال، تحليلات البلوكتشين، ومكافحة غسل الأموال.
التكامل مع الاقتصاد العالمي: من خلال مركز أستانا المالي الدولي، ستجذب كازاخستان المستثمرين العالميين، مما يعزز مكانتها كمركز للتكنولوجيا المالية في أوراسيا.
تُظهر كازاخستان نموذجًا رائدًا في تحقيق التوازن بين الابتكار والتنظيم في مجال البلوكتشين والعملات المشفرة. من خلال التنغي الرقمي، الإطار التنظيمي المتقدم، والبنية التحتية الرقمية القوية، تضع البلاد أسسًا متينة لريادة الاقتصاد الرقمي في آسيا الوسطى. إنجازاتها، مثل الاعتراف الدولي، التجارب التجريبية الناجحة، وتنظيم التعدين، تتكامل مع فرص التطوير في الطاقة المستدامة، التكامل المالي، والمنافسة الإقليمية.
إذا نجحت كازاخستان في استغلال هذه الفرص، فستصبح نموذجًا عالميًا للاقتصادات الناشئة، محققة الابتكار، الشفافية، والاستقرار المالي.













