إن التعليم الجيد هو مفتاح النجاح في الحياة والعمل. إن التعليم الجيد يطور مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، ويزود الأفراد بالقدرة على فهم القضايا التي تهم حياتهم والتنقل فيها ومعالجتها، فضلاً عن فتح الفرص لتحقيق أهدافهم الاجتماعية والمالية. ويساعد التعليم الجيد أيضًا على توسيع آفاق المستقبل والمساهمة في تطوير مجتمعات مستدامة وعادلة وشاملة.
وعلاوة على ذلك، فإن التعليم الجيد يشكل عنصرا أساسيا في إعداد الشباب لعالم الغد، وتشكيل أجيال تدرك مسؤوليتها عن حماية وحفظ الكوكب وتنوعه البيولوجي.
إن اليوم العالمي للتعليم، الذي يتم الاحتفال به سنويا في 24 يناير، يلهمنا للتفكير في هذه القوة الكبيرة للتعليم في خلق مجتمعات مطلعة تساهم في التنمية الإنتاجية والمبتكرة والمستدامة والسلمية للمجتمعات والأمم في جميع أنحاء العالم.
ونظراً لأهمية التعليم في التنمية الشاملة الشاملة للأفراد والأمم، فمن المثير للقلق أن أكثر من 250 مليون طفل في جميع أنحاء العالم خارج المدرسة حالياً، وأن ملايين آخرين يتركون المدرسة دون اكتساب المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب للارتقاء في عالم سريع التطور. عالم .
وقد أبرز أحدث تقرير لرصد التعليم العالمي الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عجز النظم التعليمية العالمية عن توفير فرص التعلم الجيدة للجميع.
يتناول التقرير دور القيادة الجيدة في تعزيز التقدم التعليمي، من خلال قدرتها على إلهام وتحفيز فرقها لتحقيق الأهداف، وتشجيع مشاركة أصحاب المصلحة، وإرساء ثقافة التحسين المستمر.
كما يرصد التقرير التقدم المحرز في تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والذي يدعو إلى ضمان التعليم الجيد الشامل والعادل، وتعزيز فرص التعلم للجميع بحلول عام 2030.
ويجد تقرير الأمم المتحدة أنه ما لم نستثمر في القيادة التعليمية الفعّالة ونحفز وتيرة التقدم في تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، فقد يُترك أكثر من 84 مليون طفل وشاب خارج المدرسة، وسيُحرم أكثر من 300 مليون طالب من مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية التي يحتاجون إليها للنجاح في الحياة.
وقد يساهم هذا النقص التعليمي في تعميق التفاوت والفقر في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030.
كما يستكشف التقرير رؤى القيادة الجيدة، والممارسات التي تؤدي إلى تحسين نتائج التعليم، وتأثير العوامل الاجتماعية والثقافية والحوكمة الخارجية على القيادة الفعّالة.
وفي هذا الصدد، يؤكد تقرير المرصد العالمي لرصد التعليم على أهمية تطوير القيادة التعليمية القوية لدفع التقدم نحو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، وتحسين نتائج التعلم من خلال التعليم الجيد.
إن القيادة التعليمية الفعّالة تشكل أيضاً أهمية حيوية في توفير الرؤية والتوجيه والإرشاد للمؤسسات التعليمية، فضلاً عن تعزيز التغيير الإيجابي الذي يعزز بيئة التعلم المواتية ويعزز الجودة الشاملة للتعليم. وعلى الرغم من هذه الحاجة إلى قادة المدارس الفعّالين والمتمكنين، فإن نصف مديري المدارس فقط على مستوى العالم يتلقون تدريباً في مجالات أساسية مثل التدريس والتعاون وتنمية الموظفين.
إن الحاجة الملحة إلى الاستثمار في تدريب وتمكين قادة المدارس المخلصين لا يمكن المبالغة في التأكيد عليها، لأن هذا يشكل جوهر عكس التحديات التعليمية الحالية.
وبدون قادة فعّالين في التعليم فإننا نخاطر بإدانة ملايين الأطفال بحياة من الأمية ونتائج تعليمية متواضعة. ويشمل القادة التعليميون، في سياق المدارس والمؤسسات التعليمية، الإداريين ومديري المدارس والمعلمين وغيرهم في المجتمع الذين يتعاملون بشكل مباشر مع المدارس.
على مستوى النظام، يشمل القادة في التعليم المسؤولين الحكوميين الذين يعملون كمسؤولين عن المنطقة التعليمية أو المشرفين أو مخططي السياسات. وعلى المستوى المجتمعي، يشمل القادة المشاركون وزراء التعليم والمشرعين وغيرهم من أصحاب المصلحة الذين يساعدون في تشكيل أهداف التعليم، بما في ذلك باحثو التعليم ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
في الكويت، هناك العديد من مديري المدارس ومديري المناطق ووزراء التعليم المخلصين، الملتزمين بتحسين العمليات والنتائج التعليمية. ومع ذلك، يبدو أن الكرة التعليمية قد أُلقيت في الماضي على المستوى التشريعي.
إن استخدام النفوذ في التعيينات التعليمية، والتدخل في العمليات والسياسات التعليمية، والاسترضاء لتخفيف الضغوط في البرلمان، كل ذلك كان له تأثير سلبي على جودة التعليم المقدم سابقًا.
على الرغم من أن التعليم في الكويت إلزامي لجميع الطلاب حتى المستوى المتوسط، ومجاني للمواطنين من المرحلة الابتدائية وحتى التعليم العالي، فإن هذه العوامل لا تنعكس في النتائج التعليمية بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من تخصيص 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم، فإن هذا الإنفاق على التعليم لم يترجم إلى تحسين جودة التعلم والتدريس في البلاد.
وقد وجد تقرير حديث للبنك الدولي بعنوان “موجز الفقر التعليمي (2024)” أن 51% من الأطفال في الكويت في سن التعليم الابتدائي المتأخر ليسوا متقنين للقراءة. وفي حين أن هذا أقل بنقطتين مئويتين [أفضل] من المتوسط لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه أعلى بنحو 30 نقطة مئوية [أسوأ] من المتوسط للدول ذات الدخل المرتفع.
بالإضافة إلى ذلك، وجد تقرير سابق قام بتقييم جودة الناتج التعليمي في الكويت أن الطفل الذي يغادر المدرسة بعد 12 عامًا من التعليم الرسمي يتعلم ما يعادل 7.4 عامًا فقط، مما يعني أن الأطفال يفقدون أكثر من 4 سنوات من الدراسة بسبب ضعف نتائج التعلم. ولوضع هذا النقص في المنظور الصحيح، فإن خريج المدرسة الثانوية في الكويت يتعلم ما يعادل خريج المدرسة المتوسطة في سنغافورة.
وفي خطوة مرحب بها، أشار مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو رئيس الوزراء الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح إلى التزامه بتغيير الوضع الراهن، وجعل إصلاح وتعزيز التعليم ركيزة أساسية لاستراتيجيته التنموية. ويواجه وزير التربية والتعليم المعين حديثا جلال الطبطبائي، وسلفه الحالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور نادر الجلال، الآن مهمة صعبة تتمثل في تصحيح التشوهات الماضية، وقيادة البلاد إلى نهضة في التعلم.
وبعد تعيينه في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، عقد الوزير الطبطبائي اجتماعاً مع الوكلاء المساعدين في الوزارة، حيث أكد على ضرورة التركيز على تأهيل وتدريب ودعم المعلمين والقيادات التربوية لتعزيز النتائج التعليمية. وأضاف أن التقدم التكنولوجي السريع والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة على مستوى العالم، جعلت من الضروري إعادة صياغة نظام التعليم في الكويت لتجهيز الطلاب لعالم الغد.
كما أكد الوزير الجلال على أهمية تمكين القيادات التربوية، قائلاً إن قادة المدارس بما في ذلك المعلمين يلعبون دوراً حيوياً في نهضة البلاد، وتحقيق رؤية الكويت لمجتمع مستدام قائم على المعرفة. وأضاف أن المعلمين هم قادة وقدوة ومقدمو المعرفة الذين يمكّنون الطلاب من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
وأشار الجلال إلى أنه من خلال القادة المخلصين في التدريس، “تتشكل العقول، وتزداد القدرات، وتصقل المواهب، وتتحقق الطموحات”. وأكد أن الكويت تظل ملتزمة بالاستثمار في التطوير المهني للمعلمين وقادة المدارس، وتحسين بيئة العمل، من أجل تعزيز العملية التعليمية وجودة التعليم في البلاد.
كما أكدت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، على التركيز على المعلمين وقادة التعليم. وفي كلمته التمهيدية لتقرير GEM 2024-25، ذكرت أزولاي أن قادة التعليم هم محفزون للتغيير، فهم يبرزون أفضل ما في المعلمين ويلعبون دورًا فعالاً في تحسين نتائج التعلم. ودعت إلى التحول من أنظمة التعليم الهرمية المركزية إلى قيادة أكثر شمولاً تشرك المديرين والمعلمين وأولياء الأمور وممثلي الطلاب وأفراد المجتمع.
وأشارت أزولاي إلى أنه في حين أن العديد من القادة في مجال التعليم متحمسون لعملهم ومكرسون لإحداث فرق على أرض الواقع، فإن الأنظمة الجامدة والتدخل السياسي يمنعهم من السعي لتحقيق التميز.
وأضافت: “من خلال تمكين قادة المدارس من تحقيق إمكاناتهم، يمكننا جلب طاقة جديدة إلى الأنظمة التعليمية، وإلهام الأجيال الشابة، والمساعدة في بناء رؤية مشتركة مستدامة تدعو إلى التعليم الشامل والعالي الجودة للجميع”.
المصدر: timeskuwait