منذ عام 2019 يحتفل العالم باليوم الدولي للتوعية بفقدان وهدر الغذاء كل عام في 29 سبتمبر. ويهدف اليوم إلى زيادة الوعي بفقدان وهدر الغذاء وتشجيع المبادرات للحد منه.
ومع ذلك، فإن أحدث تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والذي يتتبع هدر الغذاء على مستوى المستهلك، يُظهر أن تحقيق الهدف 12 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والذي يدعو، من بين أمور أخرى، إلى خفض نصيب الفرد من هدر الغذاء إلى النصف بحلول عام 2030، لا يزال بعيدًا..
مع بقاء ست سنوات فقط لتحقيق هدف خفض هدر وهدر الغذاء إلى النصف، فمن الواضح أن العالم يحتاج إلى تسريع وتيرة تنفيذ السياسات لتحقيق هذا الهدف. لكن أحدث تقرير لمؤشر هدر الغذاء التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2024 (FWIR-2024) يشير إلى أنه في عام 2022 أهدر العالم 1.05 مليار طن من الغذاء على مستوى البيع بالتجزئة وخدمة الأغذية والأسر، بزيادة تزيد عن 11 في المائة عن 931 مليون طن المبلغ عنها في FWIR-2021.
ويكشف التقرير أن ما يقرب من خُمس (19٪) إجمالي الغذاء المتاح للاستهلاك انتهى به الأمر إلى إهداره في عام 2022. ولوضع هذا الرقم في المنظور الصحيح، فإنه يعادل شراء خمس أكياس مليئة بالبقالة في السوبر ماركت المحلي ثم رمي كيس واحد في سلة المهملات في طريق العودة إلى المنزل.
بالإضافة إلى ذلك، بلغ هدر الغذاء على مستوى المستهلك جنبًا إلى جنب مع فقدان الغذاء في مرحلة ما بعد الحصاد، حوالي 13 في المائة من إنتاج الغذاء العالمي، ما يقرب من ثلث جميع الأغذية المنتجة في جميع أنحاء العالم التي يتم إهدارها أو فقدها.
إن هدر الغذاء يقوض استدامة أنظمة الغذاء العالمية، والحد من هذا الهدر ضرورة اقتصادية وبيئية وأخلاقية للناس في كل مكان. وكما يشير تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في ملخصه التنفيذي، فإن هدر الغذاء هو فشل في السوق يؤدي إلى التخلص من أكثر من تريليون دولار أمريكي من الغذاء كل عام.
وهو أيضًا فشل بيئي حيث يوّلد هدر الغذاء ما يقدر بنحو 8-10 في المائة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي ويشغل ما يعادل ما يقرب من 30 في المائة من الأراضي الزراعية في العالم.
إن إهدار الغذاء يشكل فشلاً أيضاً على مستوى البشر. فمن إجمالي الغذاء المهدور في عام 2022، شكلت الأسر الحصة الأكبر، بنسبة 60% أو 631 مليون طن.
كما أهدر قطاع خدمات الأغذية، الذي يشمل المطاعم وخدمات التموين، 290 مليون طن أخرى، وفقد 131 مليون طن على مستوى البيع بالتجزئة.
إن إهدار الغذاء المستمر على مستوى المستهلك أمر صادم للغاية بالنظر إلى عدد الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين ينامون جائعين كل ليلة.
يكشف تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن أكثر من 780 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يتأثرون بالجوع كل عام، وأن 150 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزم وبطئ النمو بسبب سوء التغذية.
وعلى الرغم من هذه الإحصائية القاتمة عن الجوع العالمي، تشير البيانات من تقرير الجوع العالمي 2024 إلى أن الأسر في جميع أنحاء العالم أهدرت ما يعادل حوالي مليار وجبة كل يوم – وهو ما يكفي من الغذاء لتوفير 1.3 وجبة يوميًا لكل من تأثر بالجوع.
في الكويت، يعد هدر الغذاء قضية مهمة لم يتم التعامل معها بشكل فعال، ويرجع ذلك أساسًا إلى الأولوية المنخفضة الممنوحة لهذه القضية على مر السنين.
يشير أحدث تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة حول هدر الغذاء إلى أن الكويت أنتجت حوالي 99 كيلوغرامًا من هدر الغذاء للفرد في عام 2022.
ومع عدد سكان يبلغ حوالي 4.8 مليون نسمة، فإن تقديرات هدر الغذاء من الأسر وخدمات الأغذية وأنشطة البيع بالتجزئة في عام 2022 كانت مرتفعة بشكل صادم.
بالمناسبة، فإن 99 كيلوغرامًا من هدر الغذاء للفرد المبلغ عنه في الكويت ليست بيانات تم التحقق منها؛ فهي تستند إلى حد كبير إلى استقراءات من الأرقام القليلة المتاحة عن هدر الغذاء في البلاد.
إن قياس هدر الغذاء بدقة، وتحديد المرحلة التي يحدث فيها، ضروري لفهم حجم المشكلة بشكل كامل، وتصميم تدابير تخفيفية مستهدفة، فضلاً عن استخدام البيانات كأساس لتتبع التقدم المحرز في الحد من هدر الغذاء.
ولعل الباحثين في معهد الكويت للأبحاث العلمية أو قسم علم الاجتماع في جامعة الكويت يستطيعون قيادة دراسة لتوفير بيانات أكثر دقة حول هدر الغذاء في البلاد. وفي الوقت نفسه، فإن زيادة برامج التوعية، وتعزيز أنماط الحياة المستدامة، وتمكين الأجيال الشابة هي استراتيجيات فعالة يمكن اتباعها للتأثير بشكل إيجابي على هدر الغذاء في البلاد..
كما يمكن التفكير في قوانين أكثر صرامة ضد هدر الغذاء، بما في ذلك قانون يلزم تجار التجزئة ومقدمي خدمات الأغذية بإعادة توزيع الطعام الصالح للأكل على بنوك الطعام والجمعيات الخيرية، أو مواجهة عقوبات شديدة.
وفي هذا الصدد، من الجدير بالذكر الثناء على العديد من منظمات المجتمع المدني في الكويت التي أطلقت مشاريع تساعد في الحد من هدر الغذاء من خلال جمع وإعادة توجيه الطعام الجيد إلى المحتاجين.
ومن بين هذه المشاريع الكويتية مشروع “ريفود”، وهي مؤسسة اجتماعية غير ربحية تعمل على جمع الأطعمة عالية الجودة والمنتجات الاستهلاكية التي اقترب تاريخ صلاحيتها من الانتهاء من شركات الأغذية والسلع الاستهلاكية سريعة الحركة. ثم تقدم “ريفود” هذه المنتجات كخدمة اشتراك للمنازل ذات الموارد المحدودة، مما يمكن هذه الأسر من الوصول إلى الأطعمة عالية الجودة والمنتجات الاستهلاكية التي قد تنتهي في مكبات النفايات.
وقف العيسى، هو مبادرة أخرى لفريق من المتطوعين الذين ينسقون مع إحدى المنظمات الخيرية الرائدة في الكويت، بنك الكويت للغذاء والإغاثة، لجمع الوجبات المطبوخة من المطاعم والفنادق وشركات التموين والتجمعات الاجتماعية، لإعادة توزيعها على الأسر المحتاجة، حيث يطلب فريق المتطوعين من المتبرعين الاتصال بهم قبل أي حدث، من أجل ترتيب جمع سريع وإعادة توزيع الأطعمة بكفاءة.
ومن المبادرات غير الربحية الأخرى مبادرة “نعمتي”، التي تجمع المنتجات الغذائية عالية الجودة التي اقترب تاريخ صلاحيتها من الانتهاء من تجار التجزئة، أو الأطعمة الفائضة الآمنة للاستهلاك من الفنادق والمطاعم وشركات تقديم الطعام، لإنشاء سلال غذائية تحتوي على أنواع مختلفة من الأطعمة، ثم يتم تقديمها إلى المحتاجين بسعر رمزي.
بالإضافة إلى ذلك، تتبرع العديد من شركات الأغذية والجمعيات التعاونية بالأطعمة الفائضة على أرففها للجمعيات الخيرية الغذائية بشكل منتظم كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية.
وتحيي الأمم المتحدة اليوم الدولى للتوعية بالفاقد والـمُهدَر من الأغذية من خلال عدة شعارات اطلقتها خلال الأعوام الماضية واأهمها: “لنوقف فقد الأغذية وهدرها، من أجل الناس والعالم”.
مشيرة إلى أنه عندما يفقد الغذاء أو يهدر، فإن كل الموارد التي استخدمت لإنتاج هذا الغذاء ـ تذهب هباءً.. لنوقف فقد الأغذية وهدرها، من أجل الناس والعالم”.