Featuredمنوعات

من الأرض إلى المريخ.. خطة ناسا لزراعة النباتات في الفضاء

لم يعد مشهد حصاد الخضراوات الطازجة أو الفراولة في بيئة قاحلة على سطح القمر أو المريخ مجرد خيال علمي، بل تحول إلى مشروع علمي متكامل تسعى جامعة ملبورن بالتعاون مع وكالة ناسا إلى تحقيقه ، لتصبح خطوة حاسمة نحو تأمين الغذاء ودعم الحياة البشرية في بعثات طويلة الأمد خارج كوكب الأرض.

فقد نشرت مجلة New Phytologist بحثا رائدا يضع خارطة طريق للزراعة في الفضاء، ويمهّد لمرحلة حاسمة في استدامة البعثات الطويلة وتمكين الحياة البشرية على الكواكب الأخرى.

تسعى فرق العلماء المشاركة في هذا المشروع إلى إعادة تعريف دور النباتات في البيئات الفضائية، ليس باعتبارها مصدرا للغذاء فحسب، بل بوصفها حجر الأساس في أنظمة دعم الحياة.

فالنباتات قادرة على تنقية الهواء من ثاني أكسيد الكربون، وإنتاج الأكسجين، وإعادة تدوير الماء والعناصر الغذائية، وهي مهام لا يمكن الاستغناء عنها في المهام التي تستمر لأشهر أو سنوات.

ولهذا يعمل أكثر من أربعين عالما ضمن مركز التميز في نباتات الفضاء (P4S) على تطوير إطار علمي يحدد مدى جاهزية الأنظمة النباتية لتلبية متطلبات الحياة خارج الأرض، وذلك باستخدام مفهوم “جاهزية نظام دعم الحياة التجديدي الحيوي” الذي يقيّم أداء النباتات داخل بيئة مغلقة بعيدة عن الأرض.

ورغم الطموحات الكبيرة، فإن الطريق إلى زراعة ناجحة في الفضاء مليء بالتحديات. فغياب الجاذبية يعطّل حركة الماء حول الجذور، ويؤثر على دوران الهواء، ويغير من عمليات التبخر ونقل الحرارة.

كما يعرّض الإشعاع الكوني المرتفع المادة الوراثية للنباتات لمخاطر كبيرة. ولهذا يركز العلماء على فهم كيفية استجابة النباتات لانعدام الجاذبية من خلال دراسة ظاهرة الانتحاء الجاذبي، وهي الطريقة التي تستخدمها النباتات على الأرض لمعرفة الاتجاهات.

وفهم هذه الظاهرة في بيئات غير مألوفة قد يفتح الباب أمام تحسين المحاصيل في الفضاء وفي الأرض معًا.

وتخطط ناسا لإجراء واحدة من أهم التجارب الزراعية في تاريخ استكشاف الفضاء عام 2027، حين ستنمو النباتات على سطح القمر لأول مرة ضمن مهمة “أرتميس 3”. وستُزرع ثلاثة أصناف من النباتات داخل غرفة مناخية محكمة على سطح القمر، ثم تعاد نحو خمسمئة غرام من العينات إلى الأرض بعد أسبوع لتحليلها.

وسيجري العلماء تقييما لتغيرات التعبير الجيني وتأثير الإشعاع وضعف الجاذبية وطريقة استجابة النباتات لبيئة القمر القاسية.

ويُتوقع أن توفر هذه التجربة بيانات أساسية تمهّد لتأسيس مزارع ثابتة على القمر، تمثل خطوة ضرورية قبل الانتقال إلى زراعة النباتات على سطح المريخ.

ومع التقدم السريع في التكنولوجيا، أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي وعلوم “الأوميكس” جزءا أساسيا من تطوير الزراعة الفضائية. إذ يعمل الباحثون على إنشاء “توائم رقمية” للنباتات، وهي نماذج افتراضية تحاكي نمو النبات في بيئات مختلفة.

وتتيح هذه النماذج اختبار آلاف السيناريوهات خلال وقت قصير، وتوقع كيفية استجابة النباتات للحرارة والماء والإشعاع قبل تنفيذ التجارب الحقيقية، وفقا لموقع “dailygalaxy”.

كما تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الغذاء المقدم لرواد الفضاء، عبر تحليل تفضيلاتهم وتطوير محاصيل تحافظ على قيمتها الغذائية وتلائم ذوقهم، لتجنب حالات الإرهاق الغذائي التي يمكن أن تؤثر على صحتهم النفسية.

وهكذا، يتشكل مستقبل جديد للزراعة خارج الأرض يجمع بين العلم والهندسة الحيوية والذكاء الاصطناعي، ويقود نحو بناء أنظمة غذائية متكاملة يمكن أن تدعم حياة الإنسان بعيدا عن كوكبه الأم.

وإذا نجحت هذه الجهود، فقد يكون منظر حقول صغيرة من الخس أو الطماطم على سطح القمر أو المريخ مشهدا مألوفا في العقود القادمة، لا مجرد حلم مستقبلي.

زر الذهاب إلى الأعلى