مبادرة الحزام والطريق… رؤية لمستقبل أفضل للبشرية
طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق في العام ٢٠١٣. وهي مبادرة تقدم رؤية مختلفة للانتقال بالعلاقات الدولية من “المنافسة والصراع” إلى “الشراكة والتعاون” والربح المشترك للجميع.
مبادرة الحزام والطريق هي أكبر مشروع اقتصادي عرفه العالم. جاءت هذه المبادرة لتكرس “النظرية الاعتمادية” في العلاقات الدولية بدلاً من “النظرية الواقعية” التي كرستها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية.
تقوم “النظرية الاعتمادية” على أن دول العالم تكمل بعضها بعضاً، فما تنتجه دولة قد تحتاجه دولة أخرى، وما يتوفر في بلد من بلدان العالم من ثروات تستطيع الدول المتقدمة الاستفادة منه وإفادة شعوب تلك الدول منه أيضاً.
هذه الرؤية تختلف كثيراً عن رؤية الولايات المتحدة، التي رأت أن العلاقات الدولية تقوم على “القوة”. القوة وحدها ولا شيء سواها، وبالتالي من حق الدول القوية السيطرة على ثروات الدول الفقيرة وسرقتها ونهبها.
لذا فقد عانت دول العالم من تلك السياسات، التي كان من نتائجها المزيد من الحروب، ونشر ثقافة القتل والتدمير بدلاً من المحبة والتعاون.
لقد اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية في هيمنتها على العالم استناداً إلى نظرية صراع الحضارات التي صاغها صموئيل هينتغتون. بينما تسعى الصين إلى تعزيز التعاون والحوار بين الثقافات.
ولأن الصين دولة لها حضارة عريقة في التاريخ، فهي تحترم جميع الحضارات وتسعى إلى تعزيز التعاون والحوار بينها وصولاً إلى مستقبل أفضل للبشرية.
ولأن الصين حريصة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية فإنها تحظى بالقبول لدى العديد من دول العالم.
ومما يعزز الثقة بالطروحات الصينية هو خلو تاريخها من السلوك الاستعماري، فلم تحتل الصين أراضي دولة أخرى في يوم من الأيام.
المقلق بالنسبة للولايات المتحدة هو اعجاب العالم بالنموذج الصيني في التنمية وبناء الدولة. فالصين استطاعت أن تنتقل من دولة فقيرة إلى دولة غنية متطورة، بالاعتماد على أبناء شعبها، ووجود الحزب الشيوعي الصيني الذي امتلك رؤية واضحة لتحقيق ذلك.
لقد استطاع الحزب الشيوعي الصيني تخليص ٨٠ مليون شخص في الصين من الفقر، وهو انجاز كبير أشادت به حتى الأمم المتحدة.
ولم تنسى الصين مساعدة غيرها من الدول الفقيرة، بل مدت لهم يد العون من خلال استعدادها لتقديم تجربتها لتلك الشعوب لتأخذ ما يناسبها منها. فبكين تصر على خصوصية المجتمعات واختلافها، فما يناسب مجتمع قد لا يناسب سواه.
هذا التوجه جعل العديد من دول العالم، وخاصة الدول النامية، تسعى للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، رغم كل التحذيرات والضغوط الأمريكية على تلك الدول.
اليوم، وبعد مرور عشر سنوات على طرح هذه المبادرة فإنها قد حققت نتائج كبيرة على أرض الواقع، والدليل على ذلك العدد الكبير من الاتفاقيات التي وقعت بين الصين وباقي دول العالم.
الصين اليوم هي الشريك التجاري الأكبر لجميع الدول النامية تقريباً، وهو مؤشر كبير على ثقة تلك الدول بالنموذج الصيني للتنمية.
وعلى الصعيد العربي فقد بادرت جميع الدول العربية تقريباً إلى الانضمام إلى هذه المبادرة، وهو ما يؤكد عمق العلاقات العربية الصينية، وأن طريق الحرير تاريخياً لعبت فيه الدول العربية دور حلقة الوصل بين الصين والقارة الأوربية.
لذا كان المطلوب عربياً من الصين، هو المزيد من الحضور السياسي الفاعل في المنطقة، ليوازي الحضور الاقتصادي لبكين.
كانت المفاجأة الكبرى والحدث الأهم هو نجاح الصين في تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران، وهو ما انعكس ايجاباً على منطقة الشرق الأوسط عامة.
لكن ذلك لم يرق للولايات المتحدة، والتي كانت ترى في هذه المنطقة منطقة نفوذ تاريخي لها، لذا فقد بادرت إلى تأجيج الصراعات بين دول المنطقة، وآخرها ما يجري اليوم في فلسطين.
المشكلة أن أمريكا تريد احتكار الوساطة بملف الصراع العربي الإسرائيلي رغم المبادرات التي تقدمت بها الصين لإيجاد حل لهذا الصراع استناداً إلى مبدأ حل الدولتين.
الموقف الأمريكي هذا شجع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة على رفض الحوار مع الفلسطينيين وممارسة المزيد من السياسات المتطرفة نحوهم. وقد تجسد ذلك في كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، حيث عرض خريطة لإسرائيل وهي تسيطر على كامل الأراضي الفلسطينية.
الموقف الصيني من القضية الفلسطينية موقف تاريخي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وينسجم مع التوجهات العامة للسياسة الخارجية الصينية الداعية إلى المحبة والسلام والتعاون ورفض العنف.
د. شاهر الشاهر
أستاذ في كلية الدراسات الدولية
جامعة صن يات سين
المصدر: https://arabic.cgtn.com