Featuredأخبار دولية

ماكرون وأزمة الغواصات مع أستراليا.. هل أفسدت “الفيلة” الصفقة؟

ما الذي حدث لينقلب الموقف الفرنسي تجاه أزمة الغواصات الأسترالية من يد ممدودة بعرض قائم إلى حكم استباقي وتحذير؟

حيثيات قد تكون وراء تغير طبيعة التصريحات الفرنسية في حيز زمني لا يتجاوز اليوم الواحد، في منعطف يعيد أزمة الغواصات بين باريس وكانبيرا إلى الواجهة من جديد.

وتدهورت العلاقات بين فرنسا وأستراليا في أواخر 2021، بعد أن ألغى رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك سكوت موريسون عقد بناء غواصات بقيمة 90 مليار دولار أسترالي (58 مليار دولار) مع فرنسا، من أجل إبرام صفقة مع أمريكا وبريطانيا لبناء سفن تعمل بالطاقة النووية.

توتر طغى على العلاقات لأشهر قبل أن تلوح علامات منحت انطباعا بأن الجانبين يحثان الخطى نحو خارطة طريق جديدة في العلاقات الثنائية، في توجه أكده لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز.

اجتماع جرى على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة مؤخرا في بالي الإندونيسية، ويأتي بعد 14 شهرا من أزمة طوقت العلاقات بطبقة سميكة من الجليد.

ونضحت صور اللقاء بابتسامة عريضة ومودة ترجمت دفئا مفاجئا وأكدت أن الأمور تسير نحو انفراجة قريبة، وطغت مفردات المصالحة بين الدبلوماسيين من الجانبين، وهو ما أكده بيان للخارجية الفرنسية قالت فيه: “نحن في ديناميكية إيجابية” بهذا الشأن.

فيما ردت نظيرتها الأسترالية بالقول: “نعمل جيدًا على خارطة طريق جديدة مع فرنسا”، وحتى قبل عبارات الود المتبادلة، كانت هناك بوادر انفراجة لاحت منذ تغير الحكومة في أستراليا وتولي ألبانيز رئاسة الوزراء خلفا للمحافظ سكوت موريسون.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل زار رئيس الوزراء الجديد باريس مطلع يوليو/ تموز الماضي، قبل أن يلتقيه ماكرون على هامش قمة بالي، وكان هناك أيضا حديث من مصادر مقربة من الإليزيه عن زيارة مقررة هذا الأسبوع لماكرون إلى أستراليا.

لكن لاحقا، أوضحت مصادر أنه تم إرجاء الزيارة لضيق جدول أعمال الرئيس، مشيرة إلى أن العاصمتين تريدان بحلول يناير/ كانون الثاني المقبل، بناء خارطة طريق مشتركة.

عرض قائم

في تصريحاته على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، المنعقد حاليا بالعاصمة التايلاندية بانكوك، قال ماكرون إن عرض تعاون الغواصات مع أستراليا لا يزال “مطروحا على الطاولة”.

وأشار إلى أنه “في الوقت الحالي، لم يقرروا تغيير استراتيجيتهم بشأن هذا الموضوع”، وذلك بعد الخطوات التي قطعها الطرفان نحو المصالحة طوال الفترة الماضية، وتعهد ألبانيز وماكرون بإصلاح العلاقات الثنائية المتضررة.

وأضاف أن باريس لا تقدم غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى الخارج، وبالتالي يظل العرض تقليديا، لافتا إلى أن “هناك خيارا أساسيا وهو ما إذا كانوا ينتجون غواصات لديهم أم لا، أو ما إذا كانوا يقررون التحول إلى طاقة نووية أم لا”.

وتعتبر فرنسا أن أزمتها مع أستراليا قوضت بشكل خطير استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ، المنطقة التي تضم العديد من المساحات البحرية.

وبحسب ماكرون، فإنه “في هذه المنطقة المتنازع عليها بشدة، والتي هي مسرح المواجهة بين القوتين العالميتين الرائدتين (أمريكا والصين)، تتمثل استراتيجيتنا في الدفاع عن الحرية والسيادة والتوازنات التي تحافظ على الحريات البحرية والتبادلات الثقافية المتوازنة والتبادلات الاقتصادية وتطوير التقنيات بدون نموذج مهيمن”.

لن تتحقق

في تصريحات لافتة أدلى بها الجمعة، حذر ماكرون من أن اتفاقية أستراليا لبناء غواصات نووية مع كل من أمريكا وبريطانيا، “لن تتحقق”، وذلك بعد يوم واحد من قوله إن عرض السفن فرنسية الصنع لا يزال “مطروحا على الطاولة”.

وفي حديثه مع وكالة بلومبرج، قال ماكرون، على هامش اجتماعات قمة “أبيك”، إن صفقة الغواصات النووية المعروفة باسم (أوكوس)، كانت “إشارة حزن كبيرة بالنسبة لنا”.

وأضاف “ما قررناه في 2015 كان العمل على كيفية بناء غواصات للشعب الأسترالي، يتم تصنيعها في أستراليا، من أجل الصناعة الأسترالية ودعم السيادة الأسترالية، من أجل الحصول على غواصات غير نووية يمكن ترميمها وإصلاحها واستخدامها”.

وقبل عام، أعلنت واشنطن عن تحالف أمني جديد باسم “أوكوس”، وهي الحروف الأولى باللغة الإنجليزية من أسماء الدول الثلاث أعضاء التحالف: الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.

وبمقتضى التحالف، تحصل كانبيرا على 12 غواصة تدار بالطاقة النووية، وأدى إبرام هذا التحالف إلى قيام أستراليا عام 2021 بإلغاء عقد ضخم لشراء 12 غواصة فرنسية تقليدية كان من المقرر بناؤها على أراضيها.

حديقة حيوانات!

في تصريحاته ببانكوك، رأى مراقبون أن ماكرون بعث برسائل بين السطور، عبر حديث استهدف بشكل أساسي إنعاش طموحات فرنسا الاستراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مستفيدا من كونه أول رئيس أوروبي يشارك بهذه القمة.

وقال ماكرون: “نحن لا نؤمن بالهيمنة والمواجهة. نؤمن بالاستقرار ونؤمن بالابتكار”.

ورأى ماكرون أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي تشهد منافسة متصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، يجب أن تعتمد على القوى الإقليمية، بما فيها فرنسا، لضمان هذا التوازن.

وتابع: “نحن في الغابة ولدينا فيلان كبيران في حالة توتر متزايد. وإذا زادت حدة توترهما، فسيبدآن بمحاربة بعضهما وهذا سيكون مشكلة كبيرة لبقية الغابة”.

وأضاف وسط ضحك الحضور “سنحتاج إلى تعاون العديد من الحيوانات الأخرى.. النمور ، القرود.. إلخ”، دون توضيح قصده بالجزئية الأخيرة.

ويقع الجزء الأكبر من المنطقة الاقتصادية الخالصة لفرنسا وهي الثانية في العالم، في هذا القطاع، حول سبعة أراض تمتد من ريونيون إلى كاليدونيا الجديدة وتاهيتي.

 

 





زر الذهاب إلى الأعلى