قراءة سياسة الشرق الأوسط للصين في عام 2023
قبل أيام، انعقدت بنجاح الدورة الأولى للجنة الثلاثية المشتركة الصينية السعودية الإيرانية. منذ الحوار في بكين في ربيع العام الجاري، شهدت السعودية وإيران استئناف العلاقة الدبلوماسية وتبادل الزيارات واللقاءات بين وزيري الخارجية وصولا إلى أول اجتماع على مستوى نائب الوزير في نهاية العام، تقدمت عملية تحسن العلاقات السعودية الإيرانية بخطوات ثابتة وحققت نتائج إيجابية، وذلك لا يستغني عن مساهمة الصين.
استعراضا للعام المنصرم، شهدت منطقة الشرق الأوسط أحداث كثيرة وقضايا ساخنة متعاقبة. وكانت مساهمة الصين لا تقتصر على الدفع باستئناف العلاقة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بل عند عودة سورية إلى جامعة الدول العربية واندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحدوث الكوارث الطبيعية الخطيرة، تسعى دائما إلى إطلاق صوت العدالة وتقديم المساعدة وإحلال السلام وتعزيز التنمية، ولقيت الطاقة الصينية الإيجابية استحسانا واسعا من دول المنطقة والمجتمع الدولي. لماذا قوبلت الصين بالتصفيق في الشرق الأوسط؟ لأن رؤية الصين وممارساتها تتفق مع ما يتطلع إليه شعوب المنطقة.
حكمة الصين تساهم في كسر الجمود. على مدى السنين، يقوم بعض الدول بالتدخلات السافرة في شؤون الشرق الأوسط، مما أوقع الكثير من دول الشرق الأوسط في مستنقع الحرب، وقوّض الثقة المتبادلة بين الدول الكبيرة في المنطقة، وفاقم حالة الجمود وعجز السلم والأمن. في هذا السياق، تتطلع شعوب المنطقة إلى تعزيز التضامن والتقوية الذاتية وتقرير المصير بنفسها.
وظلت الصين تدعم دول الشرق الأوسط لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي، وتعارض تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتلعب دورا بناء في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. في مارس الماضي، نجحت الصين في تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران بشكل تاريخي، الأمر الذي نصب نموذجا لتسوية الخلافات عبر الحوار والتشاور، وأحدث “موجة المصالحة” في الشرق الأوسط. بعد شهرين فقط، بفضل دعم الصين وجهودها الحثيثة، عادت سورية إلى جامعة الدول العربية رسميا، وحضر الرئيس السوري القمة العربية مرة أخرى بعد غيابه لسنوات عديدة، الأمر الذي أطلق صوت التضامن والتقوية الذاتية بين الدول العربية. وضخت حكمة الصين ودورها الفريد ديناميكية جديدة لتعزيز الثقة المتبادلة والبيئة الأمنية في الشرق الأوسط.
موقف الصين يزيد من نور الأمل. تعد القضايا الساخنة في الشرق الأوسط معقدة ومتشابكة وممتدة للسنين، وتخضع لتأثيرات النزاعات الجيوسياسية والمصالح المتضاربة، فلم تحقق كافة الحلول القائمة النتائج المنشودة.
وتتطلع شعوب الشرق الأوسط إلى إيجاد حلول عادلة ودائمة وسلمية لهذه القضايا. في هذا السياق، ظلت الصين، بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي ودولة كبيرة مسؤولة، ترفع راية العدالة والإنصاف عاليا، وتقوم بالدور المطلوب في تسوية المشاكل والنزاعات في المنطقة.
منذ تصعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، أعلنت الصين عن موقفها الواضح، ولعبت دورها كالمعتاد وبصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي، داعية إلى العدالة والسلام. وألقى الرئيس شي جينبينغ كلمة مهمة بشأن القضية الفلسطينية في القمة الافتراضية الاستثنائية لمجموعة البريكس، وترأس الرفيق وانغ يي الاجتماع رفيع المستوى بشأن القضية الفلسطينية في مجلس الأمن، فإن الموقف الواضح الذي أدلت به الصين أكثر من مرة على مختلف المستويات وفي المناسبات الثنائية ومتعددة الأطراف يزيد العوامل الإيجابية لوقف إطلاق النار والحوار ومفاوضات السلام والحل السياسي.
المساعدات الصينية تدفئ قلوب الناس. رغم أن الصين تبعد عن الشرق الأوسط بآلاف أميال، غير أنهما تسجلان آيات مؤثرة حول اجتياز الصعوبات بالتضامن والتآزر، خلال مواجهتهما المشتركة للكوارث الطبيعية والأوبئة وغيرهما من حالات الطوارئ والتحديات المشتركة.
في العام المنصرم، عندما تعرّضت بعض دول الشرق الأوسط للكوارث الطارئة وغير المسبوقة، لم تغب مساعدات الصين أبدا. في هذا السياق، عندما ضرب الزلزال المدمر تركيا وسورية مطلع العام الجاري، أرسلت الصين فرق الإغاثة المتمكنة لتقديم المساعدة؛ عندما ضرب المغرب الزلزال واجتياح الإعصار ليبيا في منتصف العام، وصلت المساعدات الإنسانية العاجلة من الصين في اللحظة الأولى عابرة الجبال والبحار؛ عندما اندلع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الآونة الأخيرة وغرق سكان غزة في الصعوبات الكبرى، قدمت الصين المساعدات النقدية عبر قنوات مختلفة، ودخلت الأغذية والأدوية وغيرهما من المساعدات المادية الصينية إلى قطاع غزة على التوالي. وأثبتت الصين بخطواتها الملموسة القيمة العصرية لمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، المتمثلة في مشاركة السراء والضراء وعدم احتكار الفرص.
سرعة الصين تلبي تطلعات الشعوب. يعد السلام والتنمية الموضوع الرئيسي للعصر وكذلك التطلع الملح لشعوب الشرق الأوسط التي عانت كثيرا من ويلات الحروب والاضطرابات. منذ طرح الصين مبادرة “الحزام والطريق” قبل عشر سنوات، تجاوبت دول الشرق الأوسط معها بحماسة، وعملت على مواءمتها مع استراتيجياتها التنموية، وشاهدت تحول المبادرة من الخطوط العريضة إلى المشاريع على الأرض. في العام المنصرم، قطع التعاون في بناء “الحزام والطريق” بجودة عالية أشواطا بعيدة في الشرق الأوسط، إذ حقق الجانبان تقدمات إيجابية في تنفيذ مخرجات القمة الصينية العربية والقمة الصينية الخليجية، ووقعت الصين وثائق التعاون بشأن بناء “الحزام والطريق” مع جميع الدول العربية الـ22 وجامعة الدول العربية، وحقق التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط اختراقات في مجالات عديدة، بما فيها الطاقة والاستثمار والفضاء والمالية، حيث تم تشغيل محطات توليد الكهرباء والوحدات السكنية وغيرهما من المشاريع المعيشية، وتتقدم عمليات بناء مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري والمناطق الصناعية بخطوات مستمرة، وانطلقت مشاريع التعاون الكبيرة والجديدة واحدة تلوى أخرى. ولمست دول الشرق الأوسط سرعة الصين وإخلاصها من خلال التعاون القائم على التشاور والتنمية المشتركة.
(موقع منطقة الأعمال المركزية للعاصمة الإدارية الجديدة لمصر)
(تدشين مشروع نفق سيدي عيش لطريق السيار بين البجاية والجزائر العاصمة بمقاولة الشركة الصينية)
خلال عام 2023 الذي شارف على نهايته، شاهدت شعوب الشرق الأوسط وقبلت واستحسنت حكمة الصين وموقفها وحرارتها وسرعتها. في عام 2024، مهما تغيرت الأوضاع، ستعمل الصين كالمعتاد على تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وتحقيق التنمية والازدهار ودفع التضامن والتقوية الذاتية، وتدعم جهود شعوب المنطقة لاستكشاف الطرق التنموية بالإرادة المستقلة، وتدعم جهود دول المنطقة لحل القضايا الأمنية بالتضامن والتعاون، وتقدم المزيد من المساهمة في إحلال السلم والأمان في الشرق الأوسط.