في شمال تنزانيا ، هناك في عمق الغابة و بالتحديد حول بحيرة إياسي في الوادي المتصدع العظيم تعيش قبيلةٌ موغلةٌ في القِدَم ، عندما تراهم تحسبهم قادمين من العصور القديمة البدائية ، عصور الصَّيد و جمع الثمار من الغابات ، إنهم قبيلة الهادزابي (الهادزا) أهم و أقدم القبائل الإفريقية و أكثرها بدائية من حيث طريقة الحياة و العيش حتى يومنا هذا.
إنهم من أندر وأقدم القبائل ليس فقط في إفريقيا و لكن على مستوى العالم، قبيلة لم تعرف أي طابع للحداثة و تعيش حياة البدائية بكل تفاصيلها و معانيها من حيث المسكن و الملبس و طريقة جمع الطعام بالقنص و باستخدام أبسط الأدوات كالسهام و الرماح.
هذه القبيلة لا تعرف شيئاً عن حداثة اليوم أو مستلزماتها البسيطة من الماء والكهرباء والسكن البسيط و ما شابه.
و يبلغ عدد سكانها بين 1200 إلى 1500 نسمة ، عدد كبير منهم يعيشون حصراً على نمط الحياة التقليدي على خطى أجدادهم منذ آلاف السنين.
تعيش هذه القبيلة ضمن جماعات (مخيمات) ، و تتمركز في شمال وسط تنزانيا، حول بحيرة إياسي وسط الوادي المتصدع العظيم وفي هضبة سيرينغيتي المجاورة بمنطقة نغورونغورو و على امتداد 400 كيلومتر مربع من الأراضي العشبية و السافانا والغابات .
و أما عن الهيكل الاجتماعي والتنظيمي فهم يعيشون ضمن مخيمات تضم من عشرين إلى أربعين شخصاً، و يتسم شعب الهادزاب بالمساواة، إذ لا يوجد ترتيب قبلي أو غيره من التسلسل الهرمي بخصوص نظام الحكم، وكل القرارات تقريبًا تتخذ من خلال التوصل إلى اتفاق عبر النقاش.
يتم تقاسم العمل و الغذاء بين أعضاء المخيم الأقارب و غير الأقارب . و تتمتع نساء القبيلة بقدر كبير من الاستقلالية و المشاركة على قدم المساواة مع الرجل.
و للأسرة أهمية كبيرة في حياة الهادزاب حيث يحظى الأطفال برعاية خاصة ، و تتم تربيتهم في كوخ العائلة مع الأم و الأب و أحياناً مع الأجداد و الأعمام ، وعندما يصل الطفل سن البلوغ ينتقل للعيش في كوخ مع أقرانه في نفس السن.
بيوت الهادزاب هي عبارة عن خيم بدائية أو أكواخ بسيطة مؤلفة من أغصان و أوراق الأشجار و تتغير بحثاً عن المؤن و الصيد من أجل الطعام، ويستخدمون أدواتاً جداً بدائية كالسهام و الرماح ثم ينطلقون في رحلات الصيد التي لا تخلو من أخطار مواجهة الحيوانات المفترسة.
يعتمد شعب الهادزاب بشكل كامل على الطبيعة و ما تجود به الأرض من خيرات يتغذون عليها و طبعاً على الصيد و القنص في مواسم معينة. ثمار شجرة الباوباب هي الغذاء الأهم لديهم فهي أشجار تنتج ثمار غنية بالمواد المغذية و يعتمدون أيضاً على اللحوم من الحيوانات البرية كالقرود و الغزلان الأسماك ، و يأكلون العسل الطازج يومياً كما أنهم يدخنون التبغ.
وراثياً ليس للهادزاب ارتباط وثيق بأي شعوب أخرى ، ولكن يُعتبر شعب الهادزاب من سكان تنزانيا الأصليين الذين كانوا من جماعة ما قبل البانتو المعتمدين على الصيد وجمع الثمار، فربما أنهم شغلوا منطقتهم الحالية منذ آلاف السنين، مع تعديلات قليلة نسبيًا على أسلوب حياتهم الأساسي حتى المائة عام الماضية .
واللغة التي يتحدثون بها أيضا، لغة معزولة ولا تربطها أي علاقة مع أي لغة أخرى، خاصة أنها لغة شفوية تماماً أي أنها لا تُكتب و تسمى لغة الهادزان ، في السنوات الأخيرة، تعلم الكثيرون من شعب هادزا اللغة السواحلية، التي هي اللغة الوطنية في تنزانيا، كلغة ثانية .
ميزات شعب الهادزاب
“كما علمنا فإن شعب الهادزاب يعيشون حياة قاسية ، و لكن هناك ما يميزهم بمزايا كبيرة ،
أولها أن شعب الهادزاب يعيشون قرب موقع بعض أقدم بقايا البشر التي عثر عليها تاريخياً، فهم من أقدم و أعرق الشعوب على وجه الأرض.
و ثانياً فهم يتمتعون بقدرٍ عالٍ من المساواة بين أفراد القبيلة ،سواء كانوا رجالاً أم نساءً لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات ، و هم أيضاً كما وصفتهم صحيفة (ديلي ميل) البريطانية بأنهم مجتمع الحرية المطلقة التي يغيب فيها كل أشكال الصراع والنزاع و التي يحلم فيها الكثيرين بعيداً عن الحداثة و أدواتها .
و ثالثاً أن أفرادها، يتمتعون بمستوى صحة عالٍ جدا، على مستوى العالم، حيث سمحت لهم نظمهم الغذائية بنمو مجموعة متنوعة من البكتيريا المفيدة، في الجهاز الهضمي .
ففي العام الماضي، زار أستاذ بكلية “كينغز” في لندن، القبيلة وأوضح الدكتور الجامعي أن أعضاء القبيلة لديهم أكثر من 40%، من أنواع بكتيريا الأمعاء، أكثر من المتوسط الغربي، التي تسهم في مساعدتهم على محاربة أمراض مثل: السكري والربو، كما أن نشاطهم البدني اليومي يجعل أفراد القبيلة لا يواجههون أي مشكلات صحية .
و أخيراً فإن الهادزاب لديهم ثقافة الفرح اليومي ، فهم يحتفلون يومياً عند حلول الظلام و تبدأ لديهم طقوس السمر و الرقص حول نار المخيم و تحت ضوء القمر ، حيث يرددون الأغاني الخاصة بهم و يؤدون الرقصات المشتركة و يتسامرون بالأحاديث الليلية التي لا تنتهي .
حاولت السلطات البريطانية سابقاً ، ولاحقا الحكومة التنزانية، توطين الـ”هادزاب” وتغيير نمط حياتهم القائم على الصيد، و تشجيعهم على تبني الزراعة، لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل، فهم شعب فطري متمسك بأصالته و لايرغب في التغيير ، إلا أنهم بدؤوا بالاتصال بالمزارعين و الرعاة من حولهم و لكن لا تزال النسبة الكبيرة منهم يتبعون نفس طريقة الحياة التي اتبعها أسلافهم الأوائل.
و الجدير بالذكر أن عدداً قليلاً من أفراد هذه القبيلة قد تعلموا اللغة السواحلية من أجل التواصل و يعملون كمرشدين للسياح الراغبين بزيارة هذه القبيلة .
و في الأخير ، تمثل قبيلة الهادزابي جزءً مهماً من الثقافة الإنسانية لتبقى رمزاً حياً يجسد البدائية الهادئة التي يفتقدها عالمنا الحالي.