خطاب الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة

على مدى سنوات طويلة، تناولت من هذا المنبر مآسي العدوان والاحتلال والظلم الذي لحق بأذربيجان. أما اليوم، فسأتحدث عن طريقنا الطويل نحو النصر والسلام، وعن مرحلة جديدة في تاريخ أذربيجان، وعن كيفية إنهاء الاحتلال عبر الحرب الوطنية، وعن ضمان السلام بالوسائل السياسية.
لقد بقي نحو عشرين بالمئة من الأراضي السيادية لأذربيجان تحت الاحتلال العسكري الأرميني لما يقارب الثلاثين عامًا. وبسبب سياسة التطهير العرقي وجرائم الحرب التي ارتكبتها أرمينيا، تم تهجير نحو مليون أذربيجاني قسرا من ديارهم وانتهكت حقوقهم الإنسانية الأساسية بشكل صارخ. وقد طالبت قرارات مجلس الأمن الأربع الصادرة عام 1993 بانسحاب فوری و کامل وغير مشروط للقوات المسلحة الأرمينية من الأراضي المحتلة. للأسف، لم تنفذ هذه القرارات مطلقًا، وتجاهلتها أرمينيا بشكل استعراضي نظرًا لعدم فرض المجتمع الدولي أي عقوبات عليها.
أما مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي أنشئت عام 1992 لحل النزاع، فقد أخفقت في أداء مهمتها. فبدلا من تطبيق مبادئ وقواعد القانون الدولي، سعوا إلى الحفاظ على الوضع الراهن وتجمد النزاع.
بعد قرابة ثلاثين عامًا من المفاوضات غير المثمرة، اضطرت أذربيجان عام 2020، وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لممارسة حقها في الدفاع عن النفس. وخلال الحرب، أطلقت أرمينيا صواريخ باليستية على مدننا وقرانا، واستخدمت القنابل العنقودية، وأسفرت أعمالها عن مقتل أكثر من مئة مدني بريء بالمقابل، خاضت أذربيجان الحرب ملتزمة تماما بالقانون الإنساني الدولي، ضامنة حماية المدنيين ومتجنبة استهداف البنية التحتية غير العسكرية. وخلال الحرب الوطنية التي استمرت 44 يوما، حررت قواتنا المسلحة الأراضي المحتلة وأعادت وحدة أراضي أذربيجان بما يتوافق مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
في 10 نوفمبر 2020 ، سجل التاريخ استسلام أرمينيا واستعادة وحدة أراضي أذربيجان بعد احتلال استمر نحو ثلاثين عامًا.
وبعد حرب النصر مباشرةً، أعلنت أذربيجان استعدادها لفتحصفحة جديدة في العلاقات مع أرمينيا على أساس الاعتراف المتبادل بوحدة الأراضي والسيادة. قدمنا خمسة مبادئ أساسية مستندة إلى القانون الدولي، وعرضنا مشروع اتفاقية السلام. ومن أكتوبر 2022 حتى صيف 2025 ، انطلقت مفاوضات حول نص المشروع بمبادرتنا، وأسفرت عن نتائج إيجابية نظرًا لكونها ثنائية بالكامل وخالية من أي تدخل خارجي.
في 8 أغسطس من هذا العام، وبمشاركة قادة الولايات المتحدة وأذربيجان وأرمينيا في البيت الأبيض بواشنطن قام وزيرا خارجية أذربيجان وأرمينيا بالتأشير على نص اتفاقية السلام. وفي اليوم نفسه، وقع رئيس أذربيجان ورئيس وزراء أرمينيا بيانا مشتركًا، وشهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التوقيع علاوة على ذلك، قدمت أذربيجان وأرمينيا طلبًا مشتركًا لإغلاق مجموعة مينسك والهياكل التابعة لها كآلية قديمة لم تعد مرتبطة بعملية السلام، وقد اعتمدت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في 1 سبتمبر قرارًا بإغلاق هذه الهياكل نهائيًا.
تشكل الروابط الإقليمية أساس رؤيتنا لتحقيق سلام دائم. ومن أهم نتائج قمة واشنطن ممر” ترامب من أجل السلام والازدهار الدولي” (TRIPP) ، الذي يضمن المرور غير المقيد عبر ممر زنغزور ويعزز الروابط الإقليمية.
كما أشارت القمة إلى بداية مرحلة جديدة في العلاقات الأذربيجانية – الأمريكية. فقد وقعنا مع الرئيس دونالد ترامب مذكرة تفاهم لإنشاء مجموعة عمل استراتيجية لإعداد “ميثاق الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأذربيجان”، ما يفتح آفاقا جديدة للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والطاقة والروابط الإقليمية والدفاع والأمن وغيرها.
وفي الوقت نفسه، يُعد قرار الرئيس ترامب بوقف تنفيذ العقوبات المفروضة على أذربيجان بموجب التعديل 907 لقانون دعم الحرية لعام 1992 خطوة تاريخية، إذ ينهي إرث المعايير المزدوجة ويعزز الثقة والتعاون في فترة تساهم فيها أذربيجان في الأمن والاستقرار العالميين.
التفاهمات التي توصلت إليها زيارتي للولايات المتحدة في أغسطس تمثل أهمية تاريخية، وأعرب عن شكري للرئيس دونالد ترامب على فتح صفحة جديدة في العلاقات وتعزيز الشراكة الاستراتيجية ودعمه لعملية السلام بين أذربيجان وأرمينيا.
بعد النصر في حرب الوطن عام 2020، أطلقت أذربيجان برنامج إعادة إعمار واسع النطاق في الأراضي المحررة. فقد دمرت أرمينيا مئات المدن والقرى وهدمت عمدًا 65 مسجدًا خلال الاحتلال، أما نحن فنعيد بناء ما دمرته الحرب ضمن برنامج “العودة الكبرى”، حيث يعيش ويعمل ويدرس أكثر من خمسين ألف شخص في الأراضي المحررة.
من أبرز التحديات الإنسانية في مرحلة ما بعد النزاع، خطر الألغام التي زرعتها أرمينيا ، إذ قتل أو جرح أكثر من 400 مدني وجندي منذ نوفمبر 2020 حتى اليوم، ما يعيق عودة النازحين وتنفيذ مشاريع الإعمار. كما يتطلب مصير قرابة أربعة آلاف أذربيجاني فقدوا خلال الاحتلال اهتمامًا عاجلا.
على الصعيد العالمي، نؤمن بأن الاستجابات يجب أن تكون شاملة وعادلة وعالمية. وقد أظهرت أذربيجان التزاما واضحًا بتعزيز الحلول المستدامة عبر العديد من المبادرات.
نفخر باستضافة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29) الذي أحرز نتائج مهمة في العمل المناخي والانتقال الأخضر والتمويل العادل، وقد ضمننا سماع أصوات جميع الأطراف وخاصة الدول النامية. وتم اعتماد الهدف الكمي الجماعي الجديد” NCQG ، المعروف أيضًا باسم “الهدف المالي لباكو”، كمرحلة تاريخية في التمويل المناخي، مع التزام الدول المتقدمة بزيادة التمويل الموجه للدول النامية من 100 مليار دولار سنويًا إلى 300 مليار دولار بحلول 2035. كما أتممنا التشغيل الكامل لاتفاق باريس بعد تسع سنوات من اعتماده، ووقعنا اتفاقيات لضمان عمل صندوق الاستجابة للخسائر والأضرار” لدعم المجتمعات المتأثرة بتغير المناخ.
وعلى الرغم من التزامنا الجاد بالانتقال الأخضر، يجب ألا نضع أهدافا غير واقعية، فالعالم اليوم وفي المستقبل القريب لا يمكنه الاستغناء عن الوقود الأحفوري.
أمن الطاقة يرتبط بالسلام والروابط الإقليمية والتنمية الاقتصادية.
تواصل أذربيجان لعب دور نشط عالميا، وتثبت نفسها شريكا موثوقا في ضمان أمن الطاقة للعديد من الدول، وتلعب دورًا استراتيجيًا في ربط منطقة بحر قزوين بالأسواق الدولية عبر خطوط أنابيب متنوعة.
نصدر الغاز الطبيعي حاليًا إلى 14 دولة، ما يجعل أذربيجان الأولى عالميًا بين دول المزودين عبر الأنابيب، ويعكس دورنا الاستراتيجي في أمن الطاقة في أوروبا وخارجها وتنويع طرق الإمداد. كما عززت أذربيجان وسوريا شراكتهما مؤخرًا عبر التركيز على إمدادات الطاقة وتطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار، إذ بدأنا منذ أغسطس توريد الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر الأراضي التركية، مما قلص نقص الكهرباء بشكل كبير.
تستثمر أذربيجان أيضًا في الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح والطاقة الكهرومائية، وسيصل إنتاج الطاقة من مصادر متجددة إلى نحو 40% بحلول 2030.
تمر مشاريع الربط الكبرى عبر بلادنا، مثل الممر الشرقي الغربي والممر الشمالي الجنوبي، حيث شهدت حركة البضائع عبر الممر الأوسط زيادة تقارب 90% منذ 2022، مع تقليص أوقات العبور. كما أن امتلاكنا أكبر أسطول تجاري في بحر قزوين، وميناء ألات الدولي بطاقة مستقبلية 25 مليون طن سنويًا، وسكة حديد باكو تبليسي قارص، وتسعة مطارات دولية، وأكبر شركة شحن جوي في المنطقة، يجعل من أذربيجان مركزا عالميًا للنقل.
هناك أيضًا إمكانات كبيرة للتعاون الرقمي، عبر مشروع “طريق الحرير الرقمي”، الذي يشمل إنشاء شبكة ألياف بصرية تحت بحر قزوين لتحويل أذربيجان إلى مركز رقمي إقليمي رئيسي.
علاوة على قطاع الطاقة، حققت أذربيجان نموا اقتصاديًا ملحوظًا عبر تنويع الاقتصاد، وتطوير القطاع غير النفطي وتحسين بيئة الاستثمار من خلال الإصلاحات والشفافية. وقد خفضت معدلات الفقر والبطالة إلى الحد الأدنى التاريخي البالغ 5%.
كما رفعت وكالات التصنيف الائتماني الدولية (“موديز” وفيتش”) تصنيف أذربيجان ومنحتها درجة استثمارية مواتية، مشيرة إلى القوة الاقتصادية والميزان الخارجي القوي، وانخفاض الدين العام، والأصول الكبيرة للصندوق السيادي، حيث لا يتجاوز الدين الخارجي 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تفوق احتياطيات العملة الصعبة الدين الخارجي بـ 16 مرة.
وفي قمة رؤساء دول بحر قزوين عام 2022، أثرت قضية تدهور البيئة في بحر قزوين. واليوم الوضع أكثر خطورة. فالسبب الرئيسي ليس تغير المناخ، بل السياسات البيئية غير المستدامة. ولوقف هذه الكارثة البيئية، من الضروري جهود مشتركة لدول حوض بحر قزوين، كما أن أذربيجان مستعدة للتعاون الوثيق مع الأمم المتحدة.
تفخر أذربيجان بجهودها الإنسانية على الصعيد العالمي. فنحن نقدم المساعدة للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية والنزاعات والأزمات الصحية. وخلال مكافحة جائحة كوفيد – 19، تبرعت أذربيجان وقدمت التمويل لأكثر من 80 دولة عبر معدات وقائية، وأجهزة طبية، ولقاحات.
تفخر أذربيجان بجهودها الإنسانية على الصعيد العالمي. فنحن نقدم المساعدة للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية والنزاعات والأزمات الصحية. وخلال مكافحة جائحة كوفيد – 19 ، تبرعت أذربيجان وقدمت التمويل لأكثر من 80 دولة عبر معدات وقائية، وأجهزة طبية، ولقاحات.
لقد دخلت أذربيجان مرحلة جديدة. فقد انتصرنا الحرب وكسبنا السلام. أنهينا الاحتلال، وبدأنا إعادة الإعمار. انتصر العدل، وتعززت السيادة، وتحقق السلام بحكم الأمر الواقع. ونحن مستعدون لمشاركة هذه التجربة الإيجابية.
إن إنجازاتنا في السنوات الأخيرة ليست فقط انتصارًا ونجاحًا لأذربيجان، بل هي أيضًا دليل على أن سيادة القانون الدولي ستسود في النهاية حتمًا.
رؤيتنا واضحة: السلام والتنمية على أساس القانون الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والاحترام المتبادل، والتعاون.
فلنبن معًا عالما تختفي فيه المعايير المزدوجة، ولا يكون العدل انتقائيا، ويُحترم فيه حكم القانون، ويُضمن فيه السلام ليس بالكلمات فقط بل بالأفعال العملية.
شكرا لكم.