Featuredمنوعات

ثلاثة ملايين كلب شارد في شوارع المغرب

أعاد مصرع طبيبة فرنسية أخصائية في التخدير والإنعاش بسبب عضة أحد الكلاب الشاردة في ضواحي مدينة الداخلة جنوب المغرب إلى الواجهة جدل محاربة هذه الكلاب التي باتت تشكل تهديداً خطيراً على صحة الأشخاص وسلامتهم في شوارع البلاد.

وتحولت رحلة استجمام صيفية للطبيبة الفرنسية إلى مأساة بعد أن تعرضت على حين غرة لهجوم كلاب ضالة أثناء تجوالها سيراً على الأقدام بعيداً من الفندق الذي يؤويها، لتلقى حتفها بعد أيام قليلة.
وتفيد أرقام نشطاء مهتمين بحقوق الكلاب بأن عدد الكلاب الضالة أو كلاب الشوارع يتجاوز ثلاثة ملايين كلب، بينما كشف تقرير رسمي سابق عام 2019 أن أكثر من 140 ألف كلب متشرد يتم جمعهم من قبل المصالح والسلطات الصحية المعنية.
واحتدم السجال مجدداً حول سبل محاربة الكلاب الضالة والشاردة في شوارع مختلف المدن في المغرب، خصوصاً بعد منع وزارة الداخلية قتل هذه الحيوانات بالرصاص الحي أو المواد السامة، حيث دعت المسؤولين المعنيين إلى الاستعانة بطرق بديلة للحد من تناسل الكلاب الضالة.

قتلى ومعطوبون

الطبيبة الفرنسية صوفيا حمادة ليست سوى واحدة من سلسلة طويلة وممتدة لضحايا هجوم الكلاب الضالة في المغرب، التي إما تتسبب في وفاة الشخص جراء تداعيات العضات القوية والخطيرة، أو أنها تخلف أعطاباً وإعاقات مدى الحياة.
في هذا السياق، لقي قبل بضعة أسابيع طفل حتفه في مدينة الدار البيضاء جراء نهش كلب ضال جسمه الصغير، كما توفي طفل آخر في مدينة برشيد قبل ثلاثة أشهر للسبب ذاته، وفي مدينة مراكش سقط رجل في عقده الستيني من فوق دراجته بسبب هجوم مباغت للكلاب الضالة عليه، ليرتطم رأسه بالرصيف فتوفي على الفور.
يقول بوعزة كرواتي، والد طفل قتل بسبب هجوم كلب ضال عليه في ضواحي مدينة سلا، إن الكلب باغت ابنه الذي كان يلعب في ساحة قرب البيت، مضيفاً أنه لم يعرف بالخبر إلا بعد صراخ وعويل بعض النساء اللواتي كن في المكان.
ويوضح الأب أنه بمجرد ما وصل وجد ابنه في حال يرثى لها بعد أن افترس الكلب الضال يده وعضوه الذكري.
أحداث وفيات وإصابات خطيرة وإعاقات تسببت فيها ولا تزال هذه الكلاب الضالة لعديد من الأشخاص، كما أنها تدخل الفزع والرعب في نفوس آخرين، لعل أحدهم الممثلة المغربية فاطمة هراندي الشهيرة بلقب “راوية” التي كشفت في تدوينة على “فيسبوك” تعرضها أخيراً لعضة كلب خطير.
وأوردت الممثلة أن عضة الكلب الذي ينتسب (وفقها) إلى صنف الكلاب الخطيرة تركت جروحاً في عضدها، موردة أنها “نجت بأعجوبة من هذا الكلب الذي كان يتجول بحرية في الحي الذي تقطنه في العاصمة الرباط، والذي شهد أحداثاً مشابهة لما وقع لها” بحسب الفنانة.
البرلمان يدخل على الخط

توالي هذه الأحداث التي تقف وراءها الكلاب المتشردة دفعت عدداً من نواب البرلمان في المغرب إلى طرح أسئلة كثيرة على الحكومة، في شخص وزارة الداخلية، من بينهم البرلماني محمد الركاني الذي حذر من خطورة هذه الكلاب، كونها “تقتات من النفايات المنزلية والمجازر والأسواق الأسبوعية، ما يجعلها سبباً في انتشار أمراض خطيرة، مثل داء السعار الذي يعد من بين الأمراض الفتاكة التي تهدد صحة وسلامة الناس”.

من جانبه تساءل البرلماني عبد الكريم الزمزامي عن مقاربة وزارة الداخلية حيال ظاهرة انتشار الكلاب الضالة وما تشكله من أخطار محدقة بحياة وسلامة المواطنين، داعياً إلى الوقوف عند الجوانب والانعكاسات السلبية لهذه الإشكالية وإيجاد حلول معقولة، بالنظر إلى أن هذه الكلاب الضالة يمنع قتلها بتوصية من جمعية الرفق بالحيوان”.

بدوره طالب النائب سعيد نميلي وزير الداخلية بالتحرك للحد من ظاهرة انتشار الكلاب الضالة في شوارع ومدن المملكة، التي تتجول في غالب الأحيان جنباً الى جنب مع المواطنين، لافتاً أن معظمها يعاني من أمراض جلدية خطيرة وأخرى مصابة بأمراض مختلفة، وهو ما يهدد سلامة المواطنين”.
أما البرلماني الأمين البقالي الطاهري فقد طرح ما وصفه باكتساح الكلاب الضالة لأحياء مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، مبرزاً أن هذه المدينة تحديداً تعرف انتشاراً مهولاً للكلاب المتشردة في الشوارع، لتصبح تهديداً حقيقياً يومياً للسكان” على حد تعبيره.
تحذيرات ومطالب نواب البرلمان رد عليها وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت بالتأكيد على أن وزارته خصصت حوالى سبعة ملايين دولار لمواجهة ظاهرة الكلاب الضالة، من خلال شراء سيارات وأجهزة ومعدات، كما أن الوزارة وقعت قبل ثلاث سنوات اتفاقات تعاون مع الهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، تروم محاربة انتشار الكلاب الضالة من خلال تقنية الإخصاء.
الرمي بالرصاص

وحيال ظاهرة تناسل وانتشار الكلاب الضالة في شوارع المغرب، التي يكاد يكون شبه إجماع على خطورتها على سلامة المواطنين، توزعت مواقف نشطاء وسياسيين بين من يدعو إلى تلقيح هذه الكلاب ضد داء “الكلب”، ومن ينادي بإيواء هذه الحيوانات في ملاجئ خاصة، ومن يقترح تصفية الكلاب الضالة بشكل مباشر.
وكانت المصالح المسؤولة عن حفظ الصحة العامة تعمد في سنوات سابقة إلى قتل الكلاب الضالة رمياً بالرصاص، ما أثار في عديد من الأحيان حفيظة واحتجاج نشطاء الجمعيات المدافعة عن حقوق الحيوانات التي تقترح من جهتها بدائل عن القتل أو التسميم.
وفي السياق ذاته، أوردت شبكة “راباد المغرب” لجمعيات حماية الحيوان والتنمية المستدامة دليلاً لكيفية إدارة مجموعة كلاب الشوارع بطرق إنسانية وفعالة، مبرزة أن “وسائل تحديد النسل الكيماوية أحد الحلول والاختيارات التي درست، تقوم على تحصين إناث الكلاب ضد أحد هرمونات التناسل لمدة تصل إلى ثلاث سنوات”.
ووفق تقرير “راباد”، هذه وسيلة أقل تكلفة من العمليات الجراحية ولا تتطلب موظفين بكفاءات عالية”، مضيفة بأنه “منذ عشرات السنين يقوم المغرب بحملات إبادة وقتل لم تأت بنتائج إيجابية، كما أنها وسيلة مكلفة مادياً جداً، وغير مستحبة من المنظمة العالمية لصحة الحيوان ومنظمة الصحة العالمية، ومنبوذة في العرف والمجتمع”.

لا للحلول الترقيعية

ويعلق أحمد التازي، عضو جمعية “أدان” للدفاع عن الحيوانات والطبيعة وعضو في شبكة “راباد المغرب”، بأن مقولة محاربة الكلاب الضالة غير صائبة تماماً، لأن الهدف هو مواجهة الأمراض التي تسببها حيوانات الشارع من كلاب وقطط، التي قد تكون مميتة مثل الكلب أو “الجهل” بالدارجة المغربية.
وأبرز الناشط في مجال حماية الحيوانات، بأن المغرب يعتمد بعض الحلول الترقيعية والسهلة غير المجدية، مثل حملات القتل والإبادة بالرصاص والسم والكهرباء والتجويع في المحاجز، وهي أماكن تجمع وتحجز فيها الحيوانات.
ويرى التازي ذاته أن الحل يكمن في تنزيل الاتفاقية التي وقعت عام 2019 بين وزارتي الصحة والداخلية ومكتب “السلامة الصحية” التابع لوزارة الفلاحة، وهيئة الأباطرة، بموجبها يتم الإمساك بهذه الحيوانات بطريقة إنسانية ويعقمها الطبيب البيطري المتخصص ويعالجها من الطفيليات، فيتم التخلص بشكل كبير من المخاطر الصحية لهذه الكلاب، ومن ثم تلقيحها ضد السعار، وإعادتها إلى أماكنها معقمة وملقحة.
ويوضح بأن “هذا مشروع مندمج يشمل التحسيس وإرساء القوانين وتجريم الاعتداء على الحيوانات”، مردفاً أنه “بعد إعادة الكلاب إلى أماكنها تقوم هي بالدفاع عن منطقتها، ولا يمكن لأي حيوان مصاب بالسعار أن يدخل إلى تلك المنطقة، وهذا أحسن حل دائم وفعال وإنساني للتعامل مع ظاهرة الكلاب الضالة”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى