مقالات

بين الأصالة والعبقرية…الجيل الجديد يقود حوار الأديان نحو آفاق غبر مسبوقة

بقلم: د. رابعة توليباي

مقالة عن منتدى القادة الدينيين الشباب

خلال العقود القليلة الماضية، بدأ الباحثون وصُناع السياسات يدركون بشكل متزايد الدور المحوري الذي يمكن أن يؤديه القادة الدينيون في بناء السلام، خصوصاً من خلال الحوار بين الأديان

.. فالسلام المستدام في العالم لا يتطلب إرادة سياسية فحسب، بل يحتاج أيضاً عملاً جماعياً من جانب المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، والأهم من ذلك من جانب القادة الدينيين، إذ إن قِيَم الرحمة والتسامح والسلام -وهي قيم تشترك فيها الديانات السماوية- يمكن أن تشكل أساساً قوياً لجهود المصالحة والوحدة.

وعندما تتوفر لهؤلاء القادة منصات منظمة لمبادرات السلام تستطيع المنطقة الاستفادة من نفوذهم وسلطتهم المعنوية ذات التأثير العميق في مجتمعاتهم.

لاشك أن الدين، بما في ذلك أبعاده الثقافية والروحية، يؤدي دوراً مهماً في تشكيل المجتمعات وتعزيز الشعور بالانتماء بين أتباعه.

ومن منظور الأنثروبولوجيا الثقافية، لا يعكس الدين المعتقدات الفردية فحسب، بل يعكس أيضاً الهويات الجماعية والثقافية والقواعد الأخلاقية، وكل هذه الأشياء توجه السلوك والمواقف في المجتمعات.

في كثير من الأحيان، نتبين أن السبب في حشر الدين في الصراعات لا يعود إلى دوافع دينية حقيقية، بل يحدث ذلك نتيجة للتلاعب بالسرديات الدينية لأهداف غير دينية، وغالباً ما تكون هذه الأهداف سياسية، حيث يمكن استغلال الدين لتوفير غطاء لأجندات محددة، تفضي إلى تصعيد العنف والكراهية بدلاً من تعزيز التفاهم والوحدة، علماً أن الدين يوفر أسساً قوية لبناء السلام من خلال مبادئ الرحمة والعدالة التي تحث عليها الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية.

وتمثل المبادئ الأخلاقية التي تدعو إليها هذه الديانات أدوات محتملة للوحدة، حيث يؤكد كل من القرآن والإنجيل والتوراة على الرحمة والعفو وعدم إيذاء الآخرين. فعلى سبيل المثال يشكل مفهوم العفو، الذي يرد مراراً في كل من الإنجيل والقرآن، جسراً بين الإيمان والدبلوماسية، ويسمح باتباع نهج جديد كلياً في حل النزاعات. كما أن موضوعات العدل والرحمة ترد في جميع الكتب السماوية، وذلك ما يؤكد التوافق بين الأخلاق الدينية وأهداف بناء السلام.

ومن ثَمّ، فليس الهدف من الدبلوماسية الدينية دعوة الأفراد لاعتناق دين جديد أو تغيير الأفكار العلمانية، بل وضع إطار لحوار يفضي لنتائج إيجابية في المجتمعات التي تعاني من الصراعات. وهذا النهج يؤكد دور الدين في الدبلوماسية، ويضمن وضع مبادرات السلام في سياق المفاهيم الدينية والأخلاقية المعروفة.

ومن خلال جعل الجهود الدبلوماسية متوافقة مع قيم السكان المحليين، يمكن للقادة الدينيين رسم مسار تعاوني نحو السلام، يعزز الهويات الثقافية والروحية بدلاً من تهميشها.

للقادة الدينيين دور كبير في تعزيز السلام والمصالحة في الشرق الأوسط. فمن خلال تبني القيم الأساسية المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، المتمثلة في التعاطف والتسامح والاحترام، يقدم هؤلاء القادة منظوراً فريداً.

قمة المستقبل واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تقدمان فرصاً بالغة الأهمية للمنظمات الشبابية لمعالجة التحديات العالمية الملحة مثل الفقر وتغير المناخ والتفاوت الاقتصادي.

الدور الحاسم للحوار بين الأديان في تعزيز التنمية والسلام، مسلطاً الضوء على الحاجة الملحة لإشراك الشباب والمنظمات الدينية لمكافحة العنف الديني العالمي وتعزيز عالم مسالم.

وبما أن قمة القادة الدينيين الشباب تهدف إلى معالجة القضايا التي ستؤثر على الأجيال القادمة، بما فيها التحديات البيئية والاجتماعية، ونبين أهمية دمج القيم الأخلاقية والروحية في التقدم الشبابي، لأن القادة الشباب يجب أن تعزز ازدهار المجتمع بدلاً من أن تفاقم التفاوتات.

لابد من زيادة إمكانية الوصول والإدماج في مناقشات التكنولوجيا، والحاجة إلى التدريب من أجل محو الأمية الرقمية داخل المجتمعات الدينية لضمان سماع الأصوات المهمشة في صنع السياسات. لذا لقادة الأديان دور حاسم في سد هذه الفجوات لأنه “لا مستقبل بدون سلام وتعايش بين الأديان”.

ومن منظور الأديان المختلفة، نسلط الضوء على الحاجة إلى الاعتراف بتكامل البشرية، بما في ذلك الأصول الروحية والفضائل مثل الحب والرحمة والشفقة. مؤكدين إلى أهمية هذه الصفات من أجل تعزيز رفاهية الأفراد وتعزيز الازدهار المشترك.

الثقة بالنفس من العوامل النفسية الهامة التي تلعب دورًا كبيراً في إصلاح الفرد، عامة والشباب خاصة، لنفسه، وتساعده في توظيف طاقاته وإمكانياته والاستفادة منها.. من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى قوله لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إنك غلام معلّم) رواه أحمد.

وقوله لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود) رواه البخاري. وقوله لأشجّ عبد القيس رضي الله عنه: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة) رواه أبو داود.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن توظيف طاقات الشباب، ويزرع في نفوسهم الثقة بالنفس، والهمة العالية، مما جعلهم يقومون بأدوار كبيرة، كان لها الفضل الكبير في رفع راية الإسلام في بقاع الأرض.

هنا يأتي السؤال: لماذا على الشباب أن يتولوا أمر القيادة؟

من الأهمية بمكان أن يتولى الشباب القيادة، وذلك لعدة أسباب، منها:

1- في القرن الواحد والعشرين، القرن المليء بالمعلومات، المليء بالحركات العجيبة والملفتة للنظر، يتعين علينا فهم الأوضاع فيه، ويمكن لشباب زماننا أن يفهموها لأنهم يعيشون فيه، أما لشخص في السبعين من عمره يحتاج إلى وقت أكثر لفهمه، لذا فالشباب يفهمونه بسهولة أكثر، لأنهم في عصر تطور التكنولوجيا ويفهمون لغة التكنولوجيا، فسيكون من الأسهل عليهم أن يتمكنوا من قيادة قرن الواحد والعشرين.

2- قدرات الشباب أكثر، يملك قدرة ذهنية سريعة، وقوة جسدية جيدة، وفي نفس الوقت لديه ما يحتاجه من المعلومات والمعرفة التي يمكنه الحصول عليها بسهولة، وكذلك الحصول على التجربة أيضاً، وهذا من خلال الاستفادة من المؤسسات العالمية الموجودة في مختلف مجالات القيادة.

3 – نحتاج إلى القادة الشباب، لأننا لسنا راضين عن حياتنا ونريد أن نغير حياتنا إلى الأفضل، ونطور بلدنا، فالقيادة ليست أن تجلس وتأمر، فهذا لا يليق بالقائد الناجح، فالقائد الناجح مخلص لمحيطه أينما كان، مخلص للرسالة التي يريد إيصالها، وكذلك للمكان والمجموعة الموجودة معه، القائد لا يقول:(لمَن أفعله؟!)، بل يقول :(يجب أن أفعله لأنه مسؤوليتي!).

4- حتى لا نتأخر عن ركب التقدم العالمي الزاحف، هذه الحملة الضخمة الموجودة في العالم، والتي هي (تكنولوجيا المعلومات، الذكاء الاصطناعي، science neuro..إلخ.

تلعب فئة الشباب دوراً محورياً في نهضة الأمم وتقدمها، فهم عماد الأمة وحاملوا لواء مستقبلها، إذ يمتلكون الطاقة والحيوية والإبداع اللازم لتحقيق التطور والابتكار، وإذا ما أحسن استثمار طاقاتهم وتوجيهها بشكل صحيح، يمكن للشباب أن يقودوا الأمة نحو آفاق جديدة من التقدم والتنمية.

فالشباب يمتلكون طاقة متجددة تمكنهم من العمل الدؤوب والسعي لتحقيق الأهداف، هذه الطاقة تجعلهم قادرين على مواجهة التحديات، وتحقيق الإنجازات التي تعود بالنفع على المجتمع.

ويتميز الشباب بالتفكير الخلاق والقدرة على تقديم حلول مبتكرة للمشاكل القائمة، مما يساهم في تطوير المجتمع والنهوض به، وهم أكثر الفئات إستعدادا للتغيير ومواجهة العادات السلبية والتقاليد البالية، ودورها في المطالبة بالإصلاحات الاجتماعية والسياسية يجعلهم قوة لا يمكن تجاهلها في أي مجتمع.

وختاماً أقول، إن الشباب هم القوة الدافعة وراء التغيير والتنمية في أي أمة، يمكنهم تحقيق المستحيل إذا ما أحسن توجيههم، وتمكينهم من القيادة والإبداع لتحقيق مستقبل مشرق للأمة.

زر الذهاب إلى الأعلى