للمرة الأولى منذ 20 عاماً، هبط سعر اليورو إلى أقل من دولار واحد، أمس، وسط أزمات الطاقة التي تدفع أوروبا إلى الركود، وزيادة الطلب على العملة الخضراء كملاذ آمن، إذ سجلت العملة الأوروبية الموحدة 0.999 مقابل الدولار خلال التعاملات، في أدنى مستوى لها منذ عام 2002.
هذا التراجع، يطرح تساؤلات مستحقة، حول المستفيدين والخاسرين من الانخفاض الكبير لسعر اليورو، في ظل ما تعانيه أوروبا من أزمات في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية التي ساهمت في ارتفاع أسعار النفط والغاز والأغذية، إضافة إلى تأخر البنك المركزي الأوروبي في رفع أسعار الفائدة رغم معدلات التضخم الأعلى منذ نحو 40 عاماً، مقابل تلقي الدولار دعماً من توقعات برفع «الفيديرالي» أسعار الفائدة بوتيرة أسرع وأقوى من أقرانه من البنوك المركزية.
وفي هذا الإطار، بلغ سعر صرف اليورو مقابل الدينار وفقاً لآخر نشرة لبنك الكويت المركزي نهاية الأسبوع الماضي 313.507 فلس، منخفضاً بنحو 9.4 في المئة مقارنة بأعلى مستوى وصله هذا العام، وفي 6 فبراير الماضي تحديداً، عندما بلغ 345.989 فلس.
وهذا التراجع يعني أن الكويت، ستستفيد بانخفاض قيمة وارداتها باليورو من دول الاتحاد الأوروبي، ما يعني توفير مبالغ كبيرة، لا سيما إذا ما علمنا أن قيمة إجمالي واردات الكويت من الاتحاد الأوروبي بلغت نحو 7 مليارات دولار في عام 2019.
ومن جانب آخر، أكد خبير عقاري أن انخفاض قيمة اليورو سيؤدي إلى تراجع تقييمات الأصول التي تمتلكها الشركات العقارية في مدن أوروبية، ومنها شركات كويتية، ما سيؤثر حتماً في أدائها خلال الفترة المقبلة، إذا ما استمر اليورو في مستوياته المنخفضة الحالية مقابل الدولار.
وذكر أن الشركات الكويتية المستثمرة في دول أوروبية مطلوب منها بيان تفاصيل التقييمات العقارية الجديدة وفقاً للأسعار الجديدة للعملة، ما سينعكس سلباً على أرباحها وتوزيعاتها للمساهمين، مبيناً أنها ستواجه مشكلة أكبر في حال واصل اليورو الهبوط في الفترة المقبلة، لاسيما وأن التوقعات تدفع بهذا الاتجاه، ومشدداً على ضرور إدارة المخاطر والتحوط مقابل انخفاض قيمة اليورو، خصوصاً أن الأزمة الأوكرانية مازالت مستمرة وهي العامل الأكبر لما يحدث في القارة العجوز.
وبالنسبة للمستثمرين الأفراد، لفت عقاريون إلى أن ارتفاع الفائدة وانخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار يساعدان في هبوط أسعار العقارات، ما يمنح فرصة للمستثمرين الجدد لدخول السوق على أن يختار دولة أوروبية تتمتع بمميزات استثمارية.
وأفادوا بأن المستثمرين القدامى خاسرون في حال أقدموا على البيع خلال الوقت الحالي بسبب فرق العملة، ناصحين إياهم بعدم اتخاذ تلك الخطوة، لأن ذلك سيحوّل الخسارة من دفترية إلى فعلية.
السائح سيستفيد… ولكن
يعتبر انخفاض اليورو، فرصة للسياح الكويتيين مع الانخفاض الكبير في العملة الموحدة الأوروبية، لاسيما وأن الوقت يعتبر ذروة السفر بالنسبة للمواطنين.
وعلى الرغم من أن السائح الكويتي سيشعر بفارق لمصلحته عند تحويل الدينار لـ«يورو» إلا أن التضخم الكبير في الدول الأوروبية سيأكل الجانب الأكبر من ذلك الفارق، إذ إن ارتفاعات المواد الغذائية والاستهلاكية ينعكس كذلك على السائح، وإن بنسب أقل مما يؤثر بها على السكان المحليين.
لماذا تغرق العملة الأوروبية؟
أوروبا هي الأكثر معاناة من الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أشعلت فتيل أزمة طاقة تكوي القارة الأوروبية، ويمكن أن تؤدي إلى ركود طويل وعميق، بحسب تقرير تحليلي من «بلومبرغ».
ويضع ذلك البنك المركزي الأوروبي في موقف صعب، في محاولة للحد من التضخم وتخفيف الاقتصاد المتباطئ، حيث يهدف إلى زيادة تكاليف الاقتراض للمرة الأولى منذ عام 2011.
وفي الوقت نفسه، يقوم الاحتياطي الفيديرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة بشكل أسرع من منطقة اليورو التي تضم 19 دولة، وهذا يجعل العوائد على سندات الخزانة الأميركية أعلى من عوائد ديون أوروبا، ما يدفع المستثمرين إلى الدولار والابتعاد عن اليورو.
علاوة على ذلك، يستفيد الدولار من وضعه كملاذ آمن، ما يعني أنه مع استمرار الحرب وتفاقم التداعيات، يستمر اليورو في الانزلاق.
وعلى مدار سنوات مضت، كان صانعو السياسة الأوروبية يرحبون بضعف العملة كوسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، لأنه يجعل صادرات الكتلة أكثر قدرة على المنافسة، لكن الآن، مع ارتفاع التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوياته منذ بدء مثل هذه الأرقام القياسية، فإن ضعف العملة لم يعد مرغوباً فيه لأنه يعزز ارتفاعات الأسعار بجعل الواردات أكثر تكلفة.
وفي يونيو الماضي، قفزت أسعار المستهلكين في منطقة اليورو 8.6 في المئة عن العام السابق. وسلط بعض صانعي السياسة النقدية الضوء على ضعف اليورو باعتباره خطراً على هدف البنك المركزي لإعادة التضخم إلى 2 في المئة على المدى المتوسط.
ماذا يعني (1:1)؟
هي عتبة نفسية مهمة للسوق. كانت المرة الأولى التي انخفض فيها اليورو إلى مستوى التكافؤ مع الدولار في ديسمبر 1999، قبل أن يمرّ عام على إنشائه، وهو ما كان يعتبر ضربة لفخر الأوروبيين، الذين رأوا العملة الموحدة مشروعاً سياسياً مهماً ومنافساً للدولار المهيمن.
واليوم، يعتبر اليورو أحد العملات الرئيسية في العالم للمعاملات والاحتياطيات، وعلى الرغم من أن تحقيق التكافؤ لا يزال رمزياً. بالنسبة للأسواق المالية، يتوقع متداولو العملات حدوث اضطراب حول مستوى 1: 1 بالنظر إلى أن رهانات الخيارات بمليارات اليورو مرتبطة بهذا الخط الكبير في الرمال.
ولا يزال من الصعب تحديد القاع الذي من الممكن أن يصل إليه اليورو أمام الدولار، لكن هناك محللون توقعوا أن العملة الموحدة قد تنخفض إلى 90 سنتاً أميركياً إذا صعّدت روسيا الأزمة من خلال حجب المزيد من إمدادات الغاز عن أوروبا. ومنذ بداية شهر يوليو، كان متداولو الخيارات يضعون المزيد من الرهانات حول المستوى 0.95 دولار، مع احتمال أن يكون 0.985 دولار بمثابة قاع قصير الأجل.
ويرى الخبراء الإستراتيجيون في «دويتشه بنك»، أن الانزلاق إلى 0.95 – 0.97 دولار سيتطابق مع الحدود القصوى التي شوهدت في أسعار الصرف منذ نهاية العام 1971 وفق ما يسمى بنظام «بريتون وودز»، والذي ربط قيمة العديد من العملات بالدولار الأميركي. وقالوا إنه لا يزال من الممكن الوصول إلى هذه المستويات في حال حدوث ركود.
متى يرتفع اليورو؟
ينعقد الأمل في ارتفاع سعر صرف اليورو على تضييق فارق أسعار الفائدة مع أسواق السندات العالمية الأخرى. إذ إنه في الوقت الذي رفع فيه بنك الاحتياطي الفيديرالي أسعار الفائدة 150 نقطة أساس في ثلاثة أشهر فقط، لم يكن البنك المركزي الأوروبي قد تحرك بعد، مع الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي سلبياً.
ويتجه المركزي الأوروبي لرفع الفائدة في يوليو الجاري، لكن هناك شكوك حول المدة التي يمكنهم تحملها مع أسعار فائدة مرتفعة، حيث إن رفع أسعار الفائدة أصعب بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي من البنوك المركزية الأخرى، وذلك لأن تكاليف الاقتراض لدول منطقة اليورو المثقلة بالديون تخاطر بالخروج عن نطاق السيطرة إذا بدأ المستثمرون في التشكيك في قدرتهم على تحمل أعباء الديون.
فبمجرد تلميح صانعي السياسة إلى أنهم كانوا يخططون لتشديد السياسة بشكل أسرع مما توقعه البعض في يونيو أدى ذلك إلى ارتفاع عائد السندات الإيطالية لمدة 10 سنوات إلى ما يزيد على 4 في المئة للمرة الأولى منذ عام 2014.
وعلى الرغم من هذه الضغوط على اليورو فإنها لا تمثل أزمة وجودية لعملة منطقة اليورو، التي واجهت تحديات قبل ذلك مثل أزمة الديون السيادية في عام 2012، حيث بدأ المستثمرون في تجنب أصول البلدان المثقلة بالديون مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا.