الواسطة… سرطان ينخر في جسد التعليم

خلصت دراسة لفريق بحثي كويتي، تناولت تأثير الواسطة والتدخلات الخارجية على النظام التعليمي في الكويت، إلى المطالبة بحماية القياديين في وزارة التربية من الضغوط الخارجية والتدخلات، لأن هذه الثقافة تؤدي إلى اختلالات في الإدارة وتولد الإحباط داخل مجموعة الموظفين، بل هي «سرطان ينخر في التعليم»، وفق وصف أحد القياديين.
واحتوت عينة الدراسة قيادات سابقة وحالية في وزارة التربية، ووزراء ووكلاء ووكلاء مساعدين ومديري عموم مناطق ومديري شؤون تعليمية ومراقبي ومديري مدارس وموجهين فنيين، حيث اعتمد الفريق البحثي توصيف التدخلات والضغوط الممارسة على القيادات من أصحاب السلطة السياسية أو الاجتماعية، كشكل من أشكال الفساد في النظام التعليمي. ويقصد بمصطلح الواسطة في الدراسة البحثية «إساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة».
وصفت الدراسة ثقافة الواسطة، بأن لها جذوراً عميقة في المجتمع الكويتي. أما أصحاب السلطة الخارجية، فهم أشخاص أو مجموعات لديهم القدرة على التأثير في القرارات التي تُتخذ عادة داخل النظام أو المؤسسة، ولديهم دوافع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، للتحكم في صنع القرار لمصلحتهم الخاصة.
محورا الدراسة
تناولت الدراسة محورين رئيسيين، هما:
1 – التدخلات الخارجية واستخدام الواسطة وأثرها السلبي على النظام التعليمي في الكويت.
2 – الحلول التي اقترحها المشاركون لتحسين الأنظمة داخل وزارة التربية، للحد من هذه التدخلات ولحماية القياديين، والمسؤولين التربويين.
آثار سلبية
بينت الدراسة أن الواسطة أثرت سلباً على النظام التعليمي في الكويت من الناحيتين الإدارية والمالية، بإضعاف جهازيهما، وبالتي دورها الأكبر في ضعف النظام التعليمي، حيث هناك تدخلات خارجية تتمثل بضغوطات على القياديين، والتي وصفها أحد القياديين بـ«السرطان الذي ينخر في المجتمع بشكل عام، ويستخدمها أصحاب النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية على حساب جودة التعليم ومصلحة العمل».
وأوردت الدراسة أن أثر الواسطة يمتد إلى التعيينات والترشيح للترقيات، حيث يتم اختيارالمرشحين بناء على الواسطة وليس الكفاءة، فيما يعتبر ضمان المعاملة العادلة في التوظيف والترقية أمراً ضرورياً داخل بيئات العمل، لافتة إلى أن «الظلم يمتد إلى كثير من الإجراءات، حيث يتم اتخاذ بعض القرارات لغرض المجاملات».
وضربت بعض الأمثلة لتفشي الواسطة في وزارة التربية، ومنها التوسط لنقل عدد من المعلمين بين المدارس، وهو ما يتسبب بإحداث خلل بتوزيع الموارد البشرية، وخلل في الأنصبة بين الهيئات التعليمية.تهديد القياديين
تحدث بعض المشاركين في الدراسة عن تعرضهم لنوع آخر من الضغوطات من بعض الأفراد، مثل الابتزاز الذي يمارس ضدهم من قبل بعض أولياء الأمور، والاستخدام السلبي للسوشيال ميديا، لتشويه سمعة الأفراد دون دليل أو وجه حق، إضافة إلى بعض التهديدات المباشرة مثل الرسائل والملاحقة.
حلول واقتراحات
اقترحت الدراسة بعض الحلول لمشكلة الواسطة والآثار المترتبة عليها، من خلال، تطوير سياسات وإجراءات ومعايير حوكمة الأعمال داخل الوزارة، لضمان عدالة الإجراءات والقرارات، وضع أنظمة تحمي القياديين من الابتزاز والتهديدات والضغوطات، بناء قدرات القيادات التعليمية ممن لديهم رؤية تطويرية، على أن تتم إعادة هيكلة المنظومة التعليمية، بحيث يكون العمل فيها مؤسساتياً ووفق أطر منظمة.
ربط المشاريع بأشخاص
أشارت الدراسة إلى نوع آخر من الفساد الإداري، وهو هدر الأموال على المشاريع التربوية وعدم استكمالها، وربط هذه المشاريع بأشخاص معنيين ينتهي معهم المشروع فور خروجهم من الوزارة، مثل تغير الوزراء وتغير الخطط بصورة غير منطقية، ومن أمثلة ذلك ما حصل أثناء «كوفيد- 19»، حيث لم توجد رؤية واضحة ولا خطة استراتيجية تضمن العمل المؤسسي داخل الوزارة في الظروف الطارئة والاستثنائية.
أثر الواسطة في النظام التعليمي
1 – إضعاف الجهازين الإداري والمالي
2 – اختلال في الموارد البشرية
3 – تفاوت بأنصبة المعلمين
4 – استبعاد معايير الكفاءة في التعيين
5 – اتخاذ قرارات لغرض المجاملات
أشكال من الضغوط
– ابتزاز من بعض أولياء الأمور
– الاستخدام السلبي للسوشيال ميديا
– تهديدات مباشرة مثل الرسائل والملاحقة
أبرز الحلول
1 – تطوير سياسات الحوكمة
2 – حماية القياديين
3 – قيادات تعليمية من ذوي الرؤية
4 – إعادة هيكلة المنظومةالتعليمية
الشريكة : التدخلات والضغوط تحد من التطلعات التطويرية
قال أحد أعضاء الفريق البحثي الخبير التربوي الدكتور محمد الشريكة، إن الدراسة أكدت بشكل علمي ما هو قائم في كثير من مؤسسات الدولة، حيث تعاني القيادات التنفيذية من تدخلات سياسية وضغوط اجتماعية، تحول دون أدائها لمهامها الوظيفية، وتحد من تطلعاتها التطويرية.
وأضاف الشريكة لـ«الراي»، أن مثل هذه الظواهر تحتاج إلى إجراءات ومعالجات لتحد من تأثيرها السلبي، حتى تعمل القيادات التنفيذية في مؤسسات الدولة بأريحية كاملة.
وبارك الجهود الحثيثة التي تبذلها القيادة السياسية حالياً للحد من التدخلات النيابية في عمل السلطة التنفيذية، مؤكداً الحاجة إلى تطوير تشريعات تؤمن القيادات العاملة من أي ضغوطات سلبية وتدعمها، وإجراءات تضبط الأداء ومعايير حاكمة للعلاقات داخل المؤسسات التعليمية.
كما حذر من خطورة استمرار نهج اختيار القيادات التنفيذية التي غالباً ما تتم بأسلوب بعيد عن المهنية، مما أسهم، وسيسهم في حال استمراره، في انتشار التذمر وزيادة نسبة الاحتراق النفسي لدى الموظفين، موضحاً أن المنظومة التعليمية تحتاج إلى جهود كبيرة لتطويرها وتحسين جودة الأداء فيها، وان استمرار ذات الأسلوب والطريقة في المعالجات التطويرية، فلن يقدما للدولة وديمومة اقتصادها أي شيء مجد، بل سيزيدان من هدر الموارد، وسيفوتان فرص الإصلاح، وسيدفعان باتجاه الأداء غير الجيد.
جريدة الراي