Featuredأخبار بيئية

الكويت والبصرة: حرارة أكثر خطورة عام 2100

قد يصبح الصيف بحلول عام 2050 في كثير من دول العالم شبيهاً بذلك التي تقاسيه الكويت والبصرة، وفق دراسات أجراها باحثون من جامعتَي هارفارد وواشنطن، لافتين إلى أن ما يقرب من نصف سكان العالم قد يعيشون في مستويات خطيرة من الحرارة لمدة شهر في السنة، على الأقل، بما في ذلك ميامي ولاغوس وشنغهاي.

ومن المرجح أن تشهد الكويت والبصرة، والعديد من المدن الأخرى، المزيد من الأيام الحارة، بشكل خطير، بحلول نهاية القرن، والأمر يعتمد كثيراً على ما سيفعله البشر من الآن حتى ذلك الحين. وتبعاً لتوقعات الباحثين في جامعة هارفارد، فإنه حتى لو قلل البشر بشكل كبير من انبعاثات الكربون، ستشهد الكويت والبصرة بحلول عام 2100 شهوراً من الحرارة والرطوبة العاليتين جداً.

لتوثيق ما قد تواجهه البشرية نتيجة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، زارت صحيفة نيويورك تايمز الكويت والبصرة، اللتَين شهدتا تحوّلاً بسبب بسبب تغيُّر المناخ.

كانت الساعة 5:30 صباحاً في مدينة الكويت عندما التقت الصحيفة عبدالله حسين (36 عاماً) وهو يغادر منزله، قائلاً إن عليه ممارسة رياضة الجري مبكراً لأن كل شيء بعد شروق الشمس يصبح حاراً للغاية.

كانت الشمس بالكاد قد أشرقت، لكن كانت الحرارة شديدة بالفعل، وكانت الرطوبة عالية، لدرجة أن ملابسه التصقت بجلده.

يقول عبدالله، الأستاذ المساعد بجامعة الكويت إن «الناس يتذمّرون من ارتفاع الحرارة، لكن ذلك لا يدفعهم إلى تغيير في سلوكهم. فهم يذهبون إلى الشاطئ، ولكن إذا كان الجو حاراً جداً، فإنهم يمكثون في منازلهم تحت مكيفات الهواء»، لافتاً إلى أن معظم الكويتيين لا يفكرون في العلاقة بين حرق الوقود الأحفوري والحرارة.

وعدم خروج الكويتيين أكثر من المسافة اللازمة من مكان العمل والمنزل وإلى السيارة نهاراً، وبقاؤهم في أماكن مكيَّفة يؤثر في صحتهم، اذ يعاني كثير من الكويتيين من نقص فيتامين «د» ومن زيادة الوزن.

أضرار كبيرة

في شارع خالٍ من الأشجار تحت أشعة الشمس الحارقة، يعمل الحداد عباس عبدالكريم، على مقعد معدني في إحدى المناطق الصناعية في البصرة، ويصر – رغم الحرارة الشديدة – على العمل في ساعات النهار.

إن العمل في الفضاء المفتوح في درجات حرارة الصيف الحارقة جنوبي العراق ليس شاقاً فحسب، بل يمكن أن يسبب ضرراً طويل المدى للجسم، فدرجة الحرارة قد تصل إلى 52 ما يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بضربات الشمس، ويمكن أن يؤدي التعرّق الشديد إلى الإصابة بالجفاف، ما يزيد خطر الإصابة بحصوات الكلى، ويجعل القلب يعمل بجهد أكبر. حياة عباس في البصرة تختلف عن حياة عبدالله في الكويت، لكن أيام كلا الرجلين تتشكل بفعل درجة حرارة شديدة.

من جهتهما، يعمل كاظم فاضل عناد وشقيقه رضا في البناء، كعمال باليومية، في الصيف الحار جنوبي العراق، ويعني ذلك التسابق لإنهاء أكبر قدر ممكن من العمل قبل شروق الشمس، والدخول في أقسى درجات حرارة اليوم.

بحلول الساعة 7:22 صباحاً، كان الجو حاراً جداً، بحيث لم يعد يمكنهما الاستمرار في الصعود على السطح، لذلك تناولا وجبة الإفطار في الظل، ثم انتقلا إلى المهام الداخلية. وفي الساعة 9 صباحاً، أوقفا العمل.

وحتى لو تمكنا من تعديل جدولهما الزمني وبدءا عملهما منتصف الليل، فالجو يظل حاراً لدرجة أن الإرهاق يقطع يوم العمل، ويقلل الإنتاجية.

عاد كاظم إلى منزله الساعة 9 صباحاً مرهقاً ومتلهفاً للراحة في غرفة المعيشة المكيفة لعائلته. طهت والدته زينب قدراً ضخماً من الدجاج والأرز. لم تكن الغرفة مزودة بمكيف هواء. شعلة الغاز والبخار من القدر حولت المطبخ إلى ساونا.

تطبخ زينب في درجات حرارة شديدة الخطورة – مؤشر حرارة فوق 52 درجة – لأكثر من ساعة. كان خطر إصابتها بضربة شمس شديداً، لكنها شعرت بأنها مضطرة لمواصلة الطهي: «أخبرت عائلتي أنني لا أريد الطبخ. لكنهم أصروا».

البصرة والكويت

تقع البصرة ومدينة الكويت على بعد 80 ميلاً فقط، والطقس فيهما متشابه، مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف لأسابيع طويلة.

لقد ارتفعت درجة الحرارة في دول الخليج بمعدل ضعف سرعة المتوسط العالمي، وأكثر مما حدث في مناطق العالم الأخرى. أعلى مؤشر للحرارة تم تسجيله الصيف الماضي كان أعلى بنحو 2.8 درجة مئوية من درجة الذروة بين 1979 و1998. والآن، أصبحت شهور الصيف بالكاد، صالحة للعيش. ولأن انبعاثات الغلاف الجوي لا تحترم الحدود، فستستمر درجات الحرارة في الكويت والبصرة في الارتفاع، ما لم تغير الدول التي تعتبر المصادر الرئيسية للانبعاث، مسارها.

ما مدى سوء الوضع؟

يعتمد مدى سوء الوضع على مدى قدرة البشرية على كبح جماح التغيرات المناخية، لكن بعض الآثار بعيدة المدى للحرارة الشديدة لا مفر منها بالفعل، وستلقي بظلالها الاقتصادية والصحية وطريقة حياة المجتمعات.

إن الحرارة الشديدة تعيق الحياة اليومية ليس فقط في دول الخليج، بل في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك باكستان والهند وتونس والمكسيك والصين وأماكن أخرى، فهي تؤدي إلى خسائر بمئات المليارات من الدولارات من العمل المفقود كل عام.

ولقد كشف البحث عن فجوة هائلة بين أولئك الذين لديهم الوسائل لحماية أنفسهم وأولئك الذين ليس لديهم، كما كشف حقيقة أكثر إثارة للقلق: لن يستطيع أحدٌ الهروب تماماً من الحرارة المنهكة.

التقديرات في المستقبل غير دقيقة، لكن العلماء يتفقون على أن الوضع سيزداد سوءاً، وقد يكون كارثياً إذا لم يتم كبح جماح الانبعاث الحراري.

قابلية العيش في هذه الأماكن

قبل أن يولد عباس عام 1983، كانت البصرة مدينة أكثر خضرة وبرودة، فقد خففت البساتين الشاسعة من النخيل من درجة الحرارة، وأعطتها القنوات التي كانت تروي حدائق البصرة لقب «فينيسيا الشرق».

لكن تم قطع الكثير من هذه البساتين عندما كان عباس طفلاً.

وبعد عمليات التصحّر، أصبحت البصرة مدينة كئيبة من الخرسانة والأسفلت، تمتص أشعة الشمس وتشع الحرارة لفترة طويلة بعد غروب الشمس.

تتنبأ الدراسة أن يهاجر الكثير من الناس حول العالم هرباً من الحر، ولكن على الأرجح سيفتقر الكثيرون إلى الموارد اللازمة للوصول إلى بلد أكثر خضرة. ومن المحتمل أن تزيد البلدان الغنية التي شددت حدودها بالفعل الهجرة أكثر صعوبة مع زيادة الضغوط المناخية.

يحلم كل من عباس وكاظم بالعيش في مكان آخر. عباس يريد مكاناً ما «أكثر خضرة»، وكاظم في مكان ما «أكثر برودة».

المخاطر بدأت

في حين أن المستقبل غير مؤكد، يتفق علماء المناخ على نطاق واسع على أنه حتى في أفضل السيناريوهات، حيث يتخذ البشر إجراءات دراماتيكية لخفض انبعاثات الكربون، من المرجح جدًا أن تزيد الأيام ذات المستويات الخطرة من الحرارة والرطوبة، في معظم أنحاء العالم. وبدأ ذلك بالفعل في كثير من الأماكن حول العالم.

مخاطر عام 2100
◄ تشهد الكويت حالياً قرابة 80 يوماً شديد الحرارة في السنة، وبحلول عام 2100 ستشهد ما يقرب من ستة أشهر من الحرارة الخطيرة.

◄ تشهد البصرة حالياً نحو 60 يوماً شديد الحرارة في السنة، وبحلول عام 2100، ستشهد ما يقرب من ستة أشهر من الحرارة الخطيرة.

◄ قد تتعرض ميامي الأميركية لحرارة خطيرة لمدة نصف عام تقريباً.

◄ التقديرات في المستقبل غير دقيقة، لكن العلماء يتفقون على أن الوضع سيزداد سوءاً، وقد يكون كارثياً إذا لم يتم كبح جماح الانبعاثات.

تكاليف خاصة للحماية من الحرارة في الكويت

وفق تقرير «نيويورك تايمز» تسمح الثروة النفطية للكويت بحماية الناس من الحرارة، لكن لهذه الحماية تكاليفها الخاصة، فهي:

● تعيق الثقافة ونمط الحياة على حد سواء، لذلك انتقلت الحياة إلى الداخل.

● لا يتسوق الناس في مراكز التسوق فحسب بل يتجولون فيها للرياضة.

● تعيش حيوانات حديقة الحيوانات في أقفاص مكيفة.

● يلعب الأطفال في الداخل، ونادراً ما يستمتعون بالطبيعة ويلمسون العشب.

● على الرغم من كثرة أشعة الشمس يعاني كثير من الكويتيين نقص فيتامين د.

الحرارة عامَي 2050 و2100

تنبؤات الإجهاد الحراري الموضحة في هذه الدراسة كتبها لوكاس آر. فارغاس زيبتيللو وإم موردوك من جامعة هارفارد وأدريان إي رافتري وديفيد س. باتيستي من جامعة واشنطن.

تم عرض ثلاثة سيناريوهات تمثل تقديرات منخفضة ومتوسطة وعالية لمستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بحلول عام 2100. تتوافق هذه السيناريوهات مع الزيادات في متوسط درجة الحرارة العالمية البالغة 2.1 درجة مئوية (3.8 درجات فهرنهايت)، 3.0 درجات مئوية (5.4 درجات فهرنهايت) و4.3 درجات مئوية (7.7 درجات فهرنهايت)، على التوالي.

تستند التوقعات الخاصة بعدد الأيام الخطرة التي ستواجه كل مدينة في عام 2050 إلى ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.8 درجة مئوية (3.2 درجات فهرنهايت) بحلول عام 2050.

القبس

زر الذهاب إلى الأعلى