نجحت الصين في تخطّي الدول الكبرى العالمية المنتِجة للطاقة النووية ببناء القدرات الجديدة من تلك الطاقة الهائلة؛ إذ تلامس سعة الـ21 مفاعلاً نوويًا قيد الإنشاء في الصين أكثر من 21 غيغاواط، وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويزيد عدد المفاعلات قيد الإنشاء في الصين بواقع مرتين ونصف عن نظيره في أيّ دولة أخرى في العالم.
وفي المرتبة الثانية بقائمة أكبر الدول المنتجة للطاقة النووية في العالم، تأتي الهند، بواقع 8 مفاعلات قيد الإنشاء، وتستطيع توليد كهرباء بسعة تزيد على 6 غيغاواط.
ثم تحلّ تركيا في المركز الثالث، بعدد 4 مفاعلات نووية قيد الإنشاء، وسعة مفترضة لا تتجاوز 4.5 غيغاواط.
وفي المركز الرابع تظهر الولايات المتحدة الأميركية، بواقع مفاعل واحد قيد الإنشاء في محطة فوغتل النووية بولاية جورجيا جنوب شرق البلاد، والذي تتجاوز سعته الإجمالية في توليد الكهرباء 1 غيغاواط.
وقال أستاذ العلوم والهندسة النووية في معهد ماساتشوسيتس للعلوم والتكنولوجيا جاكوبو بونغيورنو: “تتبوأ الصين موقع الريادة عالميًا في التكنولوجيا النووية في الوقت الحالي”.
وأضاف الرئيس والمؤسس لمنظمة “الشراكة من أجل الأمن العالمي” النووية غير الهادفة للربح كينيث لونغو: “الصين رائدة عالمياً في طموحات الطاقة النووية –الآن”.
أميركا.. هيمنة مفقودة
يُعدّ أسطول المفاعلات النووية المملوك للولايات المتحدة الأميركية بمثابة شهادة لهيمنتها السابقة في بناء القدرات النووية.
وتمتلك واشنطن 93 مفاعلًا نوويًا عاملًا، بسعة تكفي لتوليد كهرباء بأكثر من 95 غيغاواط، بزيادة عن أيّ دولة أخرى في العالم حتى الآن، بحسب أرقام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وينبغي أن يظل العديد من المفاعلات النووية الأميركية في الخدمة لبعض الأوقات المقبلة؛ إذ يمكن ترخيص المفاعلات النووية للعمل مدة 60 سنة، وفي بعض الأحيان لمدة 80 سنة، بحسب تقديرات الجمعية النووية العالمية، ومقرّها لندن.
ثم تحلّ فرنسا في المرتبة الثانية بقائمة أكبر الدول امتلاكًا للمفاعلات النووية العاملة، بواقع 56 مفاعلًا نوويًا، وبسعة توليد كهرباء تزيد على 61 غيغاواط، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي المركز الثالث تأتي الصين، بواقع 55 مفاعلًا نوويًا عاملًا، وبسعة تتجاوز 53 غيغاواط.
وفي هذا السياق، قال الرئيس والمؤسس لمنظمة “الشراكة من أجل الأمن العالمي” النووية غير الهادفة للربح كينيث لونغو: “هناك اتفاق في الرأي على أن الولايات المتحدة الأميركية قد فقدت هيمنتها العالمية في صناعة الطاقة النووية، وقد بدأ هذا التوجه في أواسط عقد الثمانينيات من القرن الماضي”، في تصريحات أدلى بها لشبكة سي إن بي سي.
وأضاف لونغو: “الصين بدأت في بناء أول مفاعلاتها النووية في عام 1985، في حين بدأت السعة النووية في أميركا تتراجع”.
سعة مُستهدفة
من المتوقع أن تلامس السعة المركّبة للطاقة النووية في الصين 70 غيغاواط، بحسب مسودة مخطط الخطة الخمسية الـ14 (2021-2025) للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، والأهداف بعيدة المدى حتى عام 2035، وفقًا لوكالة أنباء شينخوا.
وكانت الصين -ثالث أكبر منتج للطاقة النووية- تطمح في الأصل لتعزيز إجمالي سعتها النووية المركبة إلى 58 غيغاواط بحلول عام 2020، غير أنها أخفقت في تحقيق الهدف بعد تعليق طويل للمشروعات الجديدة، بالإضافة إلى التأخير في محطات الجيل الثالث الجديدة.
وبينما يتركز أكثر من 70% من السعة النووية الحالية في البلدان الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يوجد قرابة 75% من المفاعلات النووية قيد الإنشاء في الدول غير الأعضاء في المنظمة، وتستضيف الصين نصف هذا العدد، بحسب تقرير الجمعية النووية العالمية.
فرضت الطاقة النووية في الصين هيمنتها على القطاع العالمي في الوقت الراهن، بعد أن نجحت في تخطّي كل نظرائها الذين ظلوا متصدرين –لعقود طويلة- لتلك الصناعة، من حيث عدد المفاعلات النووية قيد الإنشاء.
ولا تقود عمليات توليد الكهرباء من الطاقة النووية إلى إطلاق أيّ غازات دفيئة، المسبّب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري، مما دفع بكين للتحول إلى الطاقة النووية وسيلةً لإنتاج كميات كبيرة من الكهرباء النظيفة بسرعة، وفق تقارير رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتكتسب الطاقة النووية في الصين زخمًا غير مسبوق نتيجة رغبة بكين في الوفاء بأهدافها المناخية؛ إذ تعهدت برفع انبعاثات الكربون إلى الذروة قبل عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
مفاعلات جديدة
من المرجّح أن تشهد الطاقة النووية في الصين رواجًا كبيرًا، مع توقّع بكين منح الضوء الأخضر لبناء ما يتراوح من 6-8 مفاعلات جديدة سنويًا، في المستقبل القريب، حسبما أعلن مسؤول في جمعية الطاقة النووية الصينية “إس إن إي إيه”، ونشرته وكالة رويترز نقلًا عن وكالة شينخوا الرسمية الصينية، اليوم الأربعاء 27 سبتمبر/أيلول (2023).
وينتظر قطاع الطاقة النووية في الصين خطوات تطويرية كبيرة في إطار مساعٍ أوسع من قبل بكين لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز أمن الطاقة.
ومن المتوقع أن تسهم الطاقة النووية بنحو 10% من توليد الكهرباء في ثاني أكبر بلد تعدادًا للسكان في العالم –خلف الهند- بحلول أواسط العقد المقبل (2035)، وبنسبة 18% بحلول عام 2060.
ويُتوقع–أيضًا- أن يصل إجمالي سعة توليد الكهرباء في الصين إلى 400 غيغاواط بحلول عام 2060، بحسب أرقام “إس إن إي إيه”.
ومع ذلك، فإنه وبينما تشهد الصين نموًا سريعًا في سعة الموارد المتجددة مثل الرياح والشمس، فإنها تكافح من أجل تحقيق مستهدفاتها الخاصة بالطاقة النووية.
وكانت الصين قد حددت مستهدفًا في سعة الطاقة النووية المركبة يلامس 85 غيغاواط بحلول عام 2020، لكن وبدءًا من سبتمبر/أيلول (2023)، لم تحقق بكين من هذا المستهدف سوى سعة مركبة إجمالية قدرها 57 غيغاواط، إلى جانب 24 مفاعلًا نوويًا قيد الإنشاء بسعة مركبة إجمالية تبلغ 27.8 غيغاواط، حسب التقديرات ذاتها.
بصمة كربونية صغيرة
لا يقترن توليد الطاقة النووية سوى ببصمة كربونية صغيرة، مقارنةً بمحطات الكهرباء المولدة بالوقود الاحفوري، ويمكن للطاقة النووية -أيضًا- توليد الكهرباء بصفة مستمرة وبموثوقية أكبر، مقارنة بموارد الطاقة المتجددة التي تعتمد في المقام الأول على ظروف الطقس المتقلبة مثل الشمس والرياح.
وفي أغسطس/آب (2023)، أقرّت السلطات في البلد الآسيوي بناء 6 مفاعلات نووية إضافية، بعد أن وافقت على إقامة 10 مشروعات طاقة نووية في العام الماضي (2022)، وفق تقارير سابقة أوردتها صحيفة بيبر Paper الصينية الحكومية.
ولم تستأثر الطاقة النووية في الصين سوى بنحو 2.2% من إجمالي سعة توليد الكهرباء المركبة في نهاية عام 2022، وفق تقديرات مكتب الإحصاءات الوطني في الصين.
وقال المسؤول في جمعية الطاقة النووية الصينية وانغ بينغ هوا، إن بلاده تمتلك فعليًا 55 مفاعلًا نوويًا قيد التشغيل لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، بسعة مركبة مجتمعة تلامس 57 غيغاواط، إلى جانب 24 وحدة قيد الإنشاء بسعة مركبة إجمالية تلامس 27.5 غيغاواط، خلال تصريحات في اجتماع عُقد مؤخرًا في شنغن بمقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين.
وأشار هوا إلى أن البر الرئيس الصيني وافق على إنشاء 21 مفاعلاً نوويًا جديدًا لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية منذ العام قبل الماضي (2021).