الصين والعرب: معرفة الآخر بمنظار الذات
ترجع العلاقات الصينية – العربية إلى تاريخ موغل في القدم. وحفلت المخطوطات العربية والصينية القديمة بكتابات غنية عن بعضهما بعضاً. ولكن معظم هذه الكتابات، العربية والصينية على حد السواء، ليست أكثر من أوصاف سطحية للعادات والتقاليد والمظاهر الخارجية للطبيعة والمجتمع، وقلّما تناولت الجوانب الروحية والفكرية للناس. ونتيجة لذلك؛ لم يتمخّض عن التبادل الثقافي البعيد الجذور بين الشعبين الصيني والعربي التعارفُ العميق بينهما.
وبقيت صورة العربي والصيني في نظر بعضهما بعضاً غامضة وسطحية، واستمرت الحال من دون تغير كبير حتى في العصر الحديث، عندما دخل «الآخر» الغربي إلى عوالم الصينيين والعرب بقوة، بصفته العدوّ الغازي أحياناً، والقدوة المعلّم أحياناً أخرى؛ وذلك بسبب المعاناة المتشابهة للشعبين الصيني والعربي من قِبل الغرب الاستعماري الإمبريالي، الذي حلّ أيضاً كمرآة تعكس مدى الجمود والتخلف للشرق في العصور الماضية.
هكذا، كانت كلمة «الآخر»، تعني حصرياً «الآخر الغربي» سواء في الصين أم في العالم العربي. بينما غاب «الآخر» العربي أو الصيني، عن اهتمامات بعضهما بعضاً لفترات طويلة في العصر الحديث.
ولكن الحال تغيرت في العقود الأخيرة. فقد ازداد الاهتمام المتبادل بين الصين والعالم العربي بشكل مطّرد، بخاصة في العقدين الأخيرين. ومن ناحية، يولي العرب اهتماماً متزايداً للصين نتيجة للصعود الصيني وارتفاع مكانتها السياسية والاقتصادية في العالم، وزيادة تفاعلها مع الدول الأخرى، وتعقّد علاقاتها مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.
ومن ناحية أخرى، زادت اهتمامات الصينيين بالشؤون العربية بعد أن شكّل العرب بؤرة أنظار الجميع في سلسلة من الأحداث الكبيرة التي هزّت كل أنحاء العالم، منها الحرب العراقية، وحادثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وأحداث «الربيع العربي» وغيرها. وساهمت التطورات السريعة في العلاقات الصينية – العربية في المجالات كافة في السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد إنشاء منتدى التعاون الصيني – العربي عام 2004، في زيادة حرص الجانبين على المعرفة المتبادلة بشكل أعمق وأشمل.
أما مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تلتقي مع المشروعات التنموية الكبيرة في الكثير من الدول العربية، ومنها «رؤية 2030» التي طرحتها القيادة السعودية، فقد أعطت لهذه العلاقات وللحرص المعرفي المتبادل زخمة جديدة.
ومع ذلك، يجد المراقب المهتمّ بالعلاقات الصينية – العربية مشكلات في المعرفة المتبادلة بين الجانبين على الرغم من زيادة الرغبة في التعارف وكثرة طرق المعرفة.
وقد تكون أبرز هذه المشاكل متمثلة في السؤال التالي: كيف ينظر العرب والصينيون إلى بعضهما بعضاً، بعين الذات، أم بعين الغير؟
نطرح هذا السؤال لأن المعرفة المتبادلة بين الجانبين لا تزال يلفّها الكثير من الغموض وسوء التفاهم.
ففي نظر بعض الصينيين، ما زال الآخر العربي يقترن بصورة المتخلف الشديد الفقر، أو المتعصب الفاحش الغِنى، أو صاحب الزي الغريب والعقلية الجامدة؛ أما دول الخليج، فتقترن في مخيلات بعض الصينيين بصورة أرض الأغنياء الغارقين في حياة الترف والتبذير والإسراف؛ وأما السعودية، فترتبط في مخيلات بعضهم بالوهابية التي أصبحت مترادفاً للتطرف والإرهاب في تصورات بعض الصينيين.
أما في نظر بعض العرب، فيقترن الإنسان الصيني بصورة الشخص الغريب الأطوار، آكل الأطعمة غير المألوفة، المتفاني في العمل من دون أن يعرف متعة الحياة… ذلك إضافة إلى علامات سلبية أخرى نلصقها على بعضنا بعضاً أحياناً.
وتأثرت معظم هذه الصور المشوّهة أو العلامات النمطية عن العرب والصينيين بالوسائل الإعلامية والخطابات السياسية الغربية وبأفلام هوليوود أيضاً.
هكذا، تكونت معرفتنا عن الآخر من خلال نظر الغير، وبالتحديد الغرب، الذي تعوّد أن «يمثل الشرق نيابة عنه» كما قال إدوارد سعيد.
لذا؛ أصبح لزاماً على الصينيين والعرب اكتساب المعرفة عن بعضهما بعضاً عبر منظار الذات، بدلاً من منظار الغير.
فنحن في أمسّ الحاجة إلى معرفة الاستكشاف الفكري في المجالات كافة للصين والعالم العربي، قيادة ونخباً وشعباً، وجهودهم الدؤوبة لتحقيق السعادة والرفاهية، وأحلامهم الجماعية أو الفردية، وخبرات نجاحهم أو دروس إخفاقهم، والحكايات الكثيرة الجذابة عن الإنسان الصيني أو العربي في هذا العصر، بالإضافة إلى فرص ومجالات التعاون على أساس المنفعة المتبادلة بين الشعبين.
وهنا، تبرز أهمية نشر الكتب في زيادة المعرفة المتبادلة المباشرة بين الشعبين الصيني والعربي، وتقوية أواصر صداقتهما الضاربة في عمق التاريخ، والمنفتحة نحو مستقبل مشترك. وهو بالذات، الهدف الذي من أجله نجتمع معاً تحت سقف هذه الصالة الجميلة.
د.شوي تشينغ قوه (بسام)
* بروفسور وباحث في الشؤون العربية في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين