بقلم: طارق يوسف الشميمري
توفي أمير العفو والتواضع سمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الذي وافته المنية يوم السبت 16 ديسمبر الماضي وحضر سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وأعضاء بارزين من عائلة الصباح مراسم الدفن ، وفي وقت سابق أدى سمو الأمير صلاة الجنازة على الأمير الراحل في مسجد بلال بن رباح في منطقة الصديق.
كما أدى الصلاة على الفقيد رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون وكبار الشيوخ ورؤساء الوزراء السابقين أصحاب السمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح والشيخ جابر مبارك الحمد الصباح والشيخ صباح خالد الحمد الصباح وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح وكبار المسؤولين والمواطنين.
نعت جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية برئاسة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، يوم السبت الماضي وفاة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح . كما نادى مجلس الوزراء بسمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أميرا جديدا للكويت. وكان الأمير الراحل قد دخل المستشفى في نوفمبر الماضي بسبب وعكة صحية طارئة الاسبوعين الماضيين وبالتحديثات الرسمية اليومية خلال تلك الفتره باستقرار حاله سمو الأمير الصحيه من قبل وزير الديوان الاميري،
وأعرب مجلس الوزراء عن تعازيه وأشاد بإنجازات الأمير الراحل.
وذكر سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف الأحمد الجابر الصباح: لقد رحل والدنا قائد مسيرتنا صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح بعد رحلة من الإخلاص والوفاء لوطنه وشعبه.
وأضاف أن مجلس الوزراء استذكر التضحيات العديدة التي قدمها الأمير الراحل خلال حياته في سبيل تنمية الوطن في كافة المجالات وخدمة شعبه.
وإضافة إلى المشاعر الجليلة التي أعرب عنها مجلس الوزراء، قدم نائب رئيس مجلس الأمة النائب محمد المطير، نيابة عن مجلس الأمة وبالأصالة عن نفسه، تعازيه إلى أسرة صاحب السمو الأمير الراحل وإلى كافة أبناء الشعب. الكويت.
وأشار إلى أن وفاة الأمير الراحل كانت خسارة كبيرة ليس للكويت فحسب، بل للعالم العربي والإسلامي برمته. سائلاً المولى عز وجل أن يرحم الفقيد وأن يسكنه فسيح جنانه .
كان الأمير الراحل مدافعاً قوياً عن الدستور ودوره في توجيه الديمقراطية في الكويت، وكان معروفاً أنه يكن للدستور وأحكامه أعلى درجات التقدير. عند أدائه اليمين الدستورية كأمير سادس عشر للكويت قبل ثلاث سنوات، أشار الأمير الراحل إلى أن الدستور يضمن “الانتقال السلس” للقيادة ويضمن “الاستقرار والاستدامة” للأمة.
وأضاف أنه سيبذل قصارى جهده لتنفيذ “المسؤوليات التي أوكلها إليّ الشعب، وفقا للدستور ومبادئ الديمقراطية”.
ولد الشيخ نواف الأحمد في 25 يونيو 1937، وهو ابن الحاكم العاشر للكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، وأخ غير شقيق لسلفه المباشر الشيخ صباح الأحمد.
نشأ الشيخ نواف في قصر دسمان، وأكمل تعليمه الثانوي في الكويت، قبل أن يغادر البلاد للالتحاق بالجامعة في المملكة المتحدة.
ولدى عودته إلى الكويت، دخل الشيخ نواف البالغ من العمر 25 عاما على الفور في خدمة وطنه بقبول تعيينه محافظا لمحافظة حولي عام 1962. منذ تعيينه الأول في الخدمة العامة حتى وفاته المحزنة يوم السبت الماضي فقد كرس الأمير الراحل أكثر من ستة عقود من حياته لخدمة وطنه الحبيب وشعبه الكريم.
يعد الشيخ نواف أحد أطول أفراد عائلة الصباح خدمة في الخدمة العامة للبلاد ، وقد شغل قائمة بالمناصب العليا في الحكومة. وبعد أن قضى 16 عاما في منصب محافظ حولي في عام 1978، تم تعيينه لأول مرة في مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح ليكون وزيرا للداخلية في البلاد.
واستمر في شغل هذا المنصب عبر عدة وزارات متتالية حتى عام 1988. وخلال فترة ولايته التي دامت عشر سنوات على رأس وزارة الداخلية، أجرى العديد من الإصلاحات المهمة التي تهدف إلى تحويل قوة الشرطة الكويتية إلى جهاز أمني فعال وحديث.
وفي يناير 1988 تم تعيينه وزيراً للدفاع واستمر في هذا المنصب حتى الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990. وبعد تحرير الكويت في فبراير 1991، تم تعيين الشيخ نواف وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية بالوكالة وذلك قبل تعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني الكويتي بتوجيهات من رئيس الحرس الوطني الشيخ سالم العلي الصباح.
بصفته نائباً لرئيس الحرس الوطني، أحدث الشيخ نواف تغييرات كبيرة في شكل وعمل الحرس الوطني
عرف الأمير الراحل بقربه من المواطنين طوال حياته، حيث شاركهم آلامهم وأفراحهم، واهتم باحتياجاتهم وتطلعاتهم، وعمل بلا كلل من أجل السلام والرخاء للشعب.
لقد كان ذلك القائد النادر الذي أحب شعبه بصدق، وكان بدوره محبوبًا ومحترمًا من قبل جميع الناس. إن إنجازاته ومساهماته ومبادراته العديدة على مدى العقود الستة الماضية من الحياة المكرسة للأمة وشعبها، ستحفر اسمه بعمق في الوعي الوطني وفي الذاكرة الجماعية للأمة.
ونسأل الله عز وجل أن يتغمد روح الأمير الراحل ويسكنه فسيح جناته.
بصفته نائبًا لرئيس الحرس الوطني، أحدث الشيخ نواف تغييرات كبيرة في شكل وأداء القوة شبه العسكرية المستقلة في الكويت والتي يبلغ قوامها 26 ألف فرد.وتولى هذا المنصب الاستراتيجي على مدى السنوات التسع قبل تعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية في مجلس الوزراء برئاسة الشيخ صباح الأحمد الصباح في عام 2003.
وبعد ثلاث سنوات، في عام 2006، عندما تولى الشيخ صباح الأحمد القيادة أميرا للكويت، صدر مرسوم أميري في 7 فبراير بتعيين الشيخ نواف رسميا وليا لعهد الكويت.
وفي يوليو من عام 2020، عندما غادر الشيخ صباح الأحمد لتلقي الرعاية الطبية بعد الجراحة في الولايات المتحدة، تم تعيين الشيخ نواف نائبًا للأمير ومنحه مؤقتًا بعض واجبات الأمير الدستورية.
وبعد وفاة الشيخ صباح الأحمد الصباح في 29 سبتمبر2020 تم تعيين سمو الشيخ نواف أميرا جديدا للكويت. وبعد ذلك بيوم كان هناك جلسة خاصة لمجلس الأمة لأداء الشيخ نواف الصباح البالغ من العمر 83 عاما اليمين الدستورية بصفته الأمير السادس عشر لدولة الكويت.
وطوال حياته المهنية، كان الأمير الراحل بمثابة ركيزة موثوقة في دعم الأمن الداخلي والخارجي ولعب دورا حيويا في دعم البرامج التي تعزز الوحدة الوطنية. وفي تعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي الست والعالم العربي الأوسع.
كان الأمير الراحل ذو الكلام الهادئ يتمتع بشعبية كبيرة بسبب أسلوبه الهادئ في العمل، حيث كان ينجز الكثير دون الحديث عنه.
وأعرب القادة الإقليميون والعرب عن تقديرهم لهذه الحنكة السياسية والدبلوماسية البارزة التي عززت السلام والتضامن في المنطقة. كما كان للأمير الراحل مكانة كبيرة لدى المواطنين لكرمه وعفوه وصدقه ومبادئه الإنسانية النبيلة.
وقد انعكس هذا الولع الحقيقي بين الناس بالأمير الراحل في التدفق الصادق للحزن عند سماع الإعلان الرسمي عن وفاته يوم السبت.
وأعرب المواطنون من جميع مناحي الحياة عن حزنهم العميق لوفاة الأمير الراحل، وأثنوا عليه باعتباره نموذجًا للتواضع والاتزان والكرم والإحسان. ووصفوا أميرهم الراحل بأنه متدين ومثال للتسامح وحسن الخلق والتواضع.
وقد اتسم الأمير الراحل بالحكمة والاعتدال والبصيرة في دفع المصالحة الاجتماعية والسياسية والإصلاحات الاقتصادية في الكويت. خلال السنوات الثلاث القصيرة نسبياً التي قضاها كأمير للكويت، ترك بصمة لا تمحى من خلال حنكته السياسية في بناء جسور الصداقة في البلاد وفي جميع أنحاء المنطقة.
وقد تم تكريمه لدعمه القوي لتعزيز العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، وكذلك لتعزيز السلام والتضامن في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي الأوسع.
كان الإرث الرئيسي للأمير الراحل في البلاد، وهو زعيم يؤمن إيماناً راسخاً بالتسامح والمصالحة، هو سياسة إعادة المعايرة السياسية التي لعبها والتي لعبت دوراً مؤثراً في توحيد المواطنين تحت مظلة مشتركة لشعب واحد وأمة واحدة.
واعترافا منه بقوة الحوار في تسوية الخلافات وبناء الوحدة بين الناس، وأهمية الاستقرار السياسي لضمان التنمية المستدامة للبلاد، شرع في خياطة نسيج سياسي واجتماعي متماسك في الكويت.
وقد ولّد الأمير الراحل، كمثال يحتذى به، قدراً هائلاً من حسن النية والثقة بين الفصائل المتعارضة من خلال إطلاق سلسلة من عمليات العفو الأميري على مدى السنوات الثلاث الماضية.
أدى العفو الاميري إلى إطلاق سراح العديد من أعضاء المعارضة الذين حُكم عليهم بسبب معتقداتهم وأفعالهم، وأعاد المنتقدين السياسيين الذين كانوا في المنفى الاختياري في الخارج.
وواصل ضبطه السياسي بتأكيد التزامه بالدستور وتمسكه بمبادئ الديمقراطية، من خلال الوعد بعدم التدخل في العملية الانتخابية. وكانت نتيجة هذه السياسة أن الانتخابات الأخيرة التي جرت في الكويت كانت من أكثر الانتخابات حرية في الذاكرة الحديثة، وأسفرت عن انتخاب رئيس مجلس الأمة ومختلف أعضاء اللجان البرلمانية دون تدخل الحكومة.
وبعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي والخلاف البرلماني، ساعدت العودة السياسية التي بدأها الأمير الراحل في تحقيق مصالحة وطنية وروح الصداقة الحميمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في البرلمان.
إن عبء مواصلة الإرث السياسي الذي خلفه الأمير الراحل سيكون الآن على عاتق القيادة القادمة. لم تكن إدامة الاستقرار السياسي أكثر أهمية بالنسبة للكويت من الآن، خاصة في ظل عدم الاستقرار الجيوسياسي الذي يعصف بالمنطقة.