الزواج النوبي في كينيا.. غنى بالتقاليد والألوان
في حي “كيبيرا” بقلب العاصمة الكينية نيروبي، تستعد السيدة إيستار حسن وأقاربها ليوم الزفاف الذي يعد في ثقافة النوبيين اليوم الأهم في حياة الفتاة.
يستنفر الشباب والفتيات مبكرا لإعداد كل ما يلزم لتنظيم حفل يجسّد عمق العادات الموروثة.
وللزواج النوبي طقوس ثابتة لا يجوز التغاضي عنها لأي سبب، فمهما كانت الظروف المادية والمعيشية متواضعة، يتمسك النوبيون بتلك العادات ويبتكرون طرقا ووسائل أخرى للحفاظ عليها من الاندثار.
لجان لتنظيم الزواج
والسيدة إيستار من الجيل الخامس من النوبيين، وعمرها لا يتجاوز 26 عاما، ومع ذلك تدرك جيدا أن ليلة زفافها ستأخذ أهميتها من أنها ليلة “زواج نوبي بامتياز”، وشاركت بنفسها في ترتيبات الأسرة للتحضير لها على مدى شهرين تقريبا. وتقول: “أعلم أنها ليلة مهمة لي ولأسرتي، ولذلك يتطلب الأمر التحضير الدقيق والتخطيط لكل شيء”.
النساء النوبيات لديهن أزياء خاصة في أيام العرس، مثل الذي يسمى “القربابة”، ويكون بألوان مختلفة لكل ليلة من ليالي الزواج، حيث تبدأ الاحتفالات بيوم الحناء، وهو يوم تقضي فيه الفتيات ساعات في رسم الحناء، وغالبا ما يكون ذلك في صالونات خاصة.
تقول هانم عبد العزيز -إحدى قريبات العروس- إن كل نساء العائلة ملزمات بتحمل تكاليف الملابس والحناء، إضافة إلى مساهمتهن ماديا في إعداد مستلزمات العروس من ملابس وحناء وماكياج.
ويحضر الرجال والنساء من عائلة العروس اجتماعات تُعقَد خصيصا لترتيبات الزواج، وفيها يتم تشكيل لجان مختلفة، لكل لجنة مسؤولية محددة، وتُعد بذلك تقريرا مفصلا كل أسبوع.
ويقول علي مانا، أحد المسؤولين عن التحضير لزواج إيستار، “لكي نحافظ على هذه العادات يلزمنا أن ندفع لذلك، وأن نتحمل تكاليف الأمر كعائلة”.
ويضيف جمعة خميس (67 عاما) “نحن هنا في كينيا منذ وقت طويل، ونتمسك بهذه العادات حتى لا تندثر مع الزمن، ونحمد الله أننا استطعنا طوال هذه السنين أن نجعل أحفادنا فخورين بعاداتهم وتقاليدهم”.
ويظهر هذا الاهتمام واضحا في التحضير لهذا الزواج، ففي آخر اجتماع قبل ليلة الزفاف بيوم واحد النساء أكملن إعداد الملابس الخاصة، ملابس بلون واحد لوالدة العروس وأخواتها وقريباتها المقربات، ولون آخر للفتيات في سن العروس من أخواتها وقريباتها وصديقاتها المقربات.
أما الرجال، فكل واحد منهم يظهر بما يمثل التزامه بالعادات والتقاليد في ليلة الزواج أو “حفل الدلوكة” كما يسمى، لكنهم ملزمون بالحضور بالزي التقليدي في المسجد يوم عقد النكاح، وهو زي الجلابية والطاقية أو العمامة أو الطربوش، في حين تنحصر ليلة الحناء على الزوج وأصدقائه وأهل العروسين.
احتفال بالعروسين
وفي المدرسة المجاورة، نُصبت الخيام وتوافد الرجال والنساء والأطفال والشباب، كل مجموعة من النساء ترتدي لونا مختلفا، فشكّل ذلك لوحة فنية بديعة؛ أهل العريس من النساء بزي ألوانه مختلفة، وصديقات العروس وقريباتها بلون، ووالدة العروس وشقيقاتها وصديقاتها بلون آخر.
وفي وسط الساحة، جلست فرقة من 5 من عازفي الطبول، هي ما يسمونها “الدلوكة” مع فرقة راقصة من 4 نساء و3 رجال، وشكّل الجميع دائرة للرقص على أنغام “الدلوكة”.
في مكان بعيد عن ساحة الرقص كانت العروس مع صديقاتها، تظهر بزي يسمى عند النوبيين “القرقابة”، ويتضمن زينة و”إكسسوارات” وألوانا خاصة بالعروس في ليلة زفافها.
وبينما تنتظر إيستار زوجها ليأخذها إلى ساحة الرقص، تقضي ساعات في أخذ الصور التذكارية مع الصديقات والأقارب. كل شيء يتحول في الساحة إلى طاقة من الرقص، ويزداد إيقاع الطبول بمجرد دخول العروسين إلى الساحة.
وللزواج النوبي معالم مهمة؛ أولها إظهار الالتزام بالإسلام والتمسك بالعادات، وعبر 5 أجيال من النوبيين الذين يعيشون في كينيا، ظلوا متمسكين بهوية ثقافية يفتخرون بها.
وبحكم التعايش مع المجتمع الكيني، تزوّج النوبيون من قبائل كينية يتشاركون معها الأرض، ما أدى إلى التلاقح الثقافي، فحسن ميانزا متزوج من قبيلة الكيكيو في كينيا، ويقول إنه تزوج وفقا للعادات النوبية، وأقام حفلا آخر وفق عادات الكيكيو.
ويقول حسن “أنا ملتزم بكل الهويات التي تشكلني وتشكل عائلتي؛ فأبي من قبيلة اللو وأمي من النوبة، والآن لدي ابنة نصفها من الكيكيو ونصفها الآخر يجمع بين النوبة واللو”.