أذربيجان

الرئيس إلهام علييف في حوار العربية أذربيجان تقود السلام وتربط القارات

عبد الحميد حميد الكبي

من قلب العاصمة الأذربيجانية باكو، أجرى الرئيس إلهام علييف حوارًا حصريًا مع قناة العربية في 26 أغسطس 2025، تناول فيه قضايا تاريخية وإقليمية ودولية ذات أهمية كبرى. جاء هذا الحوار عقب توقيع اتفاق تاريخي بين أذربيجان وأرمينيا بوساطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معلنًا نهاية نزاع استمر عقودًا.

حيث تكمن أهمية هذه المقابلة في توقيتها الحساس بعد توقيع اتفاق واشنطن في 8 أغسطس 2025، الذي ينهي صراعًا دام أكثر من ثلاثين عامًا بين أذربيجان وأرمينيا. الحوار يكشف تفاصيل هذا الاتفاق التاريخي، ويبرز دور أذربيجان كفاعل رئيسي في تحقيق السلام وإعادة الإعمار في جنوب القوقاز.

كما يعكس طموحات أذربيجان لتعزيز مكانتها كجسر بين آسيا وأوروبا من خلال مشاريع استراتيجية مثل ممر زانجيزور، ووساطتها في قضايا إقليمية معقدة كالعلاقات بين سوريا وإسرائيل. رسائل الرئيس علييف تعكس سياسة خارجية متوازنة، تجمع بين الحفاظ على المصالح الوطنية وتعزيز التعاون الدولي.

من باكو، المدينة التي تجمع بين سحر التاريخ وطموح الحداثة، تحدث الرئيس إلهام علييف إلى العالم عبر قناة العربية، في حوار حمل إعلانًا عن نهاية حرب استمرت عقودًا، ورؤية مستقبلية لأذربيجان كقوة إقليمية صاعدة.

يروي الرئيس إلهام علييف قصة انتصار بلاده في استعادة أراضيها، وجهودها لإعادة الإعمار، ودورها في ربط القارات عبر ممرات النقل، مع التأكيد على التزامها بالسلام والتعاون الدولي. هذا الحوار ليس مجرد مقابلة، بل إعلان عن مرحلة جديدة في تاريخ أذربيجان والمنطقة.

تطرق الرئيس إلهام علييف إلى الاتفاق التاريخي مع أرمينيا، مؤكدًا أن “ما حدث في واشنطن في الثامن من أغسطس هو في الواقع نهاية المواجهة ونهاية الجمود هذه هي نهاية الصراع، نهاية الحرب”.

وأشار إلى أن الاتفاق يستند إلى رؤية أذربيجانية للسلام، معبرًا عن تفاؤله بأن التعديل الدستوري الأرمني سيمهد لاتفاقية سلام رسمية، مما يعزز الاستقرار في جنوب القوقاز.

وحول مخاطر التغييرات السياسية في أرمينيا، شدد الرئيس علييف على أن “إذا أقدمت أي حكومة أرمينية مستقبلية على التشكيك في الاتفاق المبرم في واشنطن، فستواجه أرمينيا تعقيدات خطيرة، لأن ميزان القوى في المنطقة في صالحنا تمامًا.” وأكد أن أي تراجع سيواجه معارضة دولية، مشيرًا إلى أن السلام يعتمد على احترام السيادة المتبادلة.

وفي سياق إعادة الإعمار ومصير النازحين، أوضح الرئيس أن أذربيجان “وطنت بالفعل أكثر من 50 ألف شخص في الأراضي المحررة… وحل مجموعة مينسك كان أحد الشروط التي طرحتها أذربيجان، لأن وجودها أصبح عبثيًا بعد الاعتراف بكاراباخ كجزء من أذربيجان”.

وأكد التزام بلاده بإعادة توطين النازحين رغم تحديات الألغام والدمار الشامل.
بخصوص ممر زانجيزور، أبرز علييف أهميته الاستراتيجية، قائلاً: “ممر زانجيزور، أو ما يُعرف بـ ‘TRIPP’، سيوفر طريقًا بديلًا سيصبح أرمينيا دولة عبور، وهذا يعود بالنفع عليها.” وأشار إلى أن الممر سيربط آسيا بأوروبا، مع ضمانات أمنية دولية، مؤكدًا اكتمال البنية التحتية على الأراضي الأذربيجانية.

في الحديث عن العلاقات مع إيران، أكد الرئيس أن “موقف الرئيس الإيراني منطقي وإيجابي للغاية نتجاهل تمامًا الروايات الكاذبة التي يروّج لها من يسمون أنفسهم مستشارين.” وأوضح أن التعاون مع إيران يشمل مشاريع مثل ممر أراز، مع نفي أي نية لتهديد الحدود الإيرانية الأرمينية.

وعن العلاقات مع روسيا، عبر علييف عن إحباطه من إسقاط طائرة مدنية أذربيجانية، قائلاً: “لن نتسامح أبدًا مع أي إشارة أو مظهر من مظاهر العدوان أو عدم الاحترام تجاهنا.” وأكد أن رد فعل روسيا أثار خيبة أمل، مشددًا على ضرورة التحقيق العادل دون تفاقم الأزمة.

فيما يتعلق بالوساطة بين سوريا وإسرائيل، أكد علييف أن “كل ما نريده هو السلام لهذا البلد إن كنا قد قدمنا قليلاً من المساعدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وسوريا، فنحن راضون عن ذلك.” وأشار إلى دعم أذربيجان لتزويد سوريا بالغاز، مؤكدًا التزام بلاده بالاستقرار الإقليمي.

حول الوساطة بين تركيا وإسرائيل، أوضح الرئيس أن “إذا طُلب منا التدخل، فسنفعل نحن نُدرك تمامًا قيمة الأمن”. وأكد استعداد أذربيجان لتقديم الدعم بناءً على خبرتها في تحقيق السلام، دون فرض نفسها على الأطراف.

في سياق العلاقات مع الدول العربية، أبرز الرئيس إلهام علييف أن “لدينا شراكة قوية مع دول مجلس التعاون الخليجي… مستثمرونا الرئيسيون في الطاقة المتجددة هم من الإمارات والسعودية”.

وأشار إلى خطط أذربيجان لزيادة تصدير الغاز إلى الشرق الأوسط، مع تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والسياحة والزراعة.

بشأن وحدة المسلمين، شدد الرئيس على أن “أكبر تهديد للعالم الإسلامي هو الانقسام الطائفي في أذربيجان، يصلي الشيعة والسنة في نفس المسجد، وهذا ما يُمكن تطبيقه في أماكن أخرى.” وأكد أن التجربة الأذربيجانية نموذج للتعايش يمكن تعميمه عالميًا.

وعن دور ترامب، أعرب علييف عن إعجابه به، قائلاً: “رشّحنا الرئيس ترامب لجائزة نوبل للسلام إنه يستحقها بجدارة، فقد صنع معجزة في أفريقيا وآسيا وجنوب القوقاز.” وأشاد بشجاعته وكرمه، مؤكدًا أن ترامب سيجعل أمريكا رمزًا للازدهار مجددًا.

في الحديث عن العالم التركي، أكد الرئيس أن “منظمة الدول التركية لديها إمكانيات هائلة… رؤيتنا هي تحويلها إلى جهة فاعلة عالمية تُتيح فرصًا للجيران”.

وأشار إلى أن الوحدة العرقية والمشاريع المشتركة ستجعل المنظمة قوة استقرار عالمية.
لذلك يبرز الرئيس علييف كقائد يمتلك رؤية استراتيجية واضحة، حيث نجح في قيادة أذربيجان من الصراع إلى السلام وإعادة الإعمار.

جهوده في تحرير الأراضي خلال حرب كاراباخ الثانية عام 2020، ومبادرته لصياغة اتفاقية السلام، تؤكد دوره كصانع سلام. سياساته الإقليمية تجمع بين الحزم في الدفاع عن المصالح الوطنية والمرونة في بناء التعاون، كما يتضح من مشروع ممر زانجيزور. دوليًا، تبرز أذربيجان كوسيط موثوق في قضايا معقدة، مع تعزيز علاقاتها مع دول الخليج، مما يعكس نهجًا دبلوماسيًا يقوم على المنفعة المتبادلة.

وجه علييف رسائل قوية، مؤكدًا أن السلام مع أرمينيا يعتمد على احترام السيادة، وحذر من عواقب أي تراجع أرميني.

وأكد التزام أذربيجان بالاستقرار الإقليمي، مشددًا على أن ممر زانجيزور سيخدم الجميع. دوليًا، دعا إلى وحدة المسلمين ونبذ الطائفية، مستندًا إلى التجربة الأذربيجانية. وأشاد بترامب كوسيط، معبرًا عن إعجابه بشجاعته، ومؤكدًا أن أذربيجان تسعى لتكون قوة استقرار في العالم التركي والمنطقة.

تُعد هذه المقابلة محطة بارزة تكشف عن طموحات أذربيجان ودورها المتنامي عالميًا. من خلال هذا الحوار، يبرز الرئيس علييف كقائد يجمع بين الحزم والمرونة، حيث نجحت أذربيجان في التحول من دولة تتعافى من الصراع إلى قوة إقليمية تسهم في تشكيل مستقبل المنطقة. الاتفاق مع أرمينيا، وممر زانجيزور، وجهود الوساطة، تؤكد أن أذربيجان ليست فقط صانعة سلام، بل شريك استراتيجي في بناء عالم أكثر استقرارًا.

زر الذهاب إلى الأعلى