Featuredالسفر

الخليجيون يشعلون حمى السياحة في اليونان

تشهد اليونان تحولاً جذرياً في مشهدها السياحي، مع تدفق متزايد من الزوّار القادمين من الكويت والبحرين وعُمان وقطر والسعودية، والذين يُعدّون من أصحاب الإنفاق المرتفع. ويأتي ذلك بالتزامن مع تدفقات جماعية متصاعدة من الصين والهند، ما يحوّل البلاد إلى وجهة سياحية على مدار العام ويقضي على ما كان يُعرف سابقاً بـ«المواسم الهادئة».

الزوار من دول الخليج، بإنفاقهم الكبير، رفعوا معدلات إشغال الفنادق الفاخرة ودعموا أسواق التجزئة الراقية، كما ساهموا في إنعاش الأشهر التي كانت تعتبر خارج الموسم، في حين أضاف الزوار من الصين والهند عنصر الاستمرارية إلى تقويم السياحة في اليونان، مما أعاد تشكيل أنماط الطلب، ووسّع مواسم التشغيل، ورفع عائدات السياحة إلى مستويات غير مسبوقة، وفق تقرير لموقع «ترافل آند تورز وورلد».

تحول الأشهر الهادئة إلى ذروة جديدة

منذ سنوات، كانت الأشهر الممتدة من سبتمبر حتى مايو تُعرف بأنها «منطقة موت سياحي»، لكنها اليوم تشهد نشاطاً متزايداً بفضل إستراتيجية يونانية تستهدف استقطاب الزوّار من الهند، الصين، ودول الخليج.

هؤلاء الزوار لا يجلبون فقط الحيوية للأسواق خلال هذه الفترات، بل يقدّمون دعماً اقتصادياً فعّالاً، خصوصاً في ظل تزايد عدد الرحلات المباشرة وتنوع العروض السياحية خارج موسم الصيف التقليدي.

الهند تقود الطلب في موسم جديد

وبرزت الهند كمحرّك رئيسي لارتفاع عدد الزوّار الدوليين إلى اليونان، حيث ارتفع الاهتمام الهندي بالسفر إلى البلاد بنسبة تجاوزت %18، مقارنةً بنمو طفيف في دول أوروبية أخرى. المميز في السائح الهندي هو توزيع فترات السفر على مدار العام: خلال عطلات المدارس في مايو ويونيو، ثم العودة في أواخر الصيف، والسفر مجدداً خلال الشتاء، ما يساعد في ملء الفنادق والمعالم السياحية في غير مواسم الذروة.

الاهتمام الهندي نابع من رغبة في استكشاف التاريخ والثقافة والطقس المعتدل والمناظر الساحلية، وهي عناصر توفرها اليونان دون الزحام الموجود في وجهات أخرى. ويبدو أن هذا الزخم دفع الناقل الوطني اليوناني للاستعداد لإطلاق رحلات مباشرة إلى الهند، في خطوة قد تساهم في تحويل المواسم الهادئة إلى فترات ربحية.

عودة السياح الصينيين تعيد تشكيل الموسم

السياح الصينيون عادوا إلى اليونان بقوة، وبلغ عدد الزوار في عام 2024 حوالي 138.6 ألفا، بزيادة %30 مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة. الرحلات المباشرة من بكين وشنغهاي وتشينغدو إلى أثينا باتت أكثر تواتراً، بمعدل 12 إلى 13 رحلة أسبوعياً.

المسافر الصيني لم يعد يقتصر على أشهر الصيف، بل بات يزور البلاد على مدار العام، ما يعزز الإيرادات في الأشهر التي كانت راكدة سابقاً. استجابة لذلك، تعمل المطارات والفنادق على تحسين الخدمات وتوفير الدعم اللغوي وتوسعة المرافق لاستيعاب هذا التدفق الجديد.

دول الخليج تعزز الفخامة خارج موسم الصيف

ورغم أن الهند والصين توفران كميات كبيرة من الزوار، فإن دول الخليج تقدم قيمة مرتفعة. السعوديون والقطريون والإماراتيون باتوا من أبرز الوافدين، وارتفع عدد المقاعد الجوية القادمة من السعودية بنسبة تقارب %40 ليصل إلى أكثر من 65 ألف مقعد، بينما زادت قطر رحلاتها بنسبة %3.

السياح الخليجيون يفضّلون الوجهات الفاخرة مثل ميكونوس وسانتوريني، وقد ارتفعت الرحلات المباشرة إلى هذه الجزر بشكل ملحوظ، حيث قفزت الرحلات إلى سانتوريني وحدها بنسبة %37. هذه الجزر التي كانت تتوقف عن العمل في الخريف باتت اليوم تعمل حتى أكتوبر، في ظل تمديد موسم التشغيل للفنادق والمطاعم وشركات السياحة.

إجمالاً، تجاوزت مقاعد الرحلات الجوية القادمة من دول الخليج إلى اليونان 387 ألف مقعد سنوياً، بزيادة %5.2 عن العام السابق، في دلالة على تحول كبير في مصادر وتوقيت حركة السياحة الوافدة.

سانتوريني وميكونوس تتبنيان نموذج الفصول الأربعة

التحول لم يكن بالأرقام فقط، بل في أسلوب التشغيل. جزر مثل سانتوريني وميكونوس بدأت تعتمد نموذج السياحة على مدار السنة، عبر استثمارات في البنية التحتية وتمديد ساعات العمل. النتيجة: فرص عمل أكثر، واستقرار اقتصادي محلي، وتقليل الضغط خلال الصيف.

من الاعتماد الموسمي إلى الفرصة العالمية

لم تعد اليونان رهينة لموسم الصيف. عبر جذب أسواق ذات أنماط سفر مختلفة، تبني البلاد نموذجاً سياحياً مرناً ومستقراً. شركات الطيران توسّع شبكاتها، والفنادق تطيل فترات عملها، والمواقع الثقافية تبقى مفتوحة لفترات أطول.

هذا التحول الإستراتيجي يفتح الباب أمام مكاسب طويلة الأمد، ويقلل من مخاطر الاعتماد الموسمي، ويعزز موقع اليونان كوجهة تنافسية عالميًا.

عصر جديد للسياحة في اليونان

لم تعد اليونان تنتظر الصيف لتتألق. الزوّار من آسيا والشرق الأوسط يملأون المقاهي والمتاحف والشواطئ على مدار العام. ومع ارتفاع حركة الطيران وزيادة الاهتمام من الأسواق الجديدة، تستعد البلاد لموسم سياحي يدوم 12 شهراً من دون توقف.

في زمن تتغير فيه قواعد السياحة، تثبت اليونان أنها وجهة لا تنطفئ، و«الموسم السياحي» بات مصطلحاً من الماضي.

القبس

زر الذهاب إلى الأعلى