مقالات

التحول الرقمي في منظمة شنغهاي للتعاون: بين الطموحات الاستراتيجية والواقع الهيكلي

بقلم: أوزود تانباييف – زميل باحث في المعهد الدولي لآسيا الوسطى

دخلت منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) مرحلة حاسمة في مسار تحولها الرقمي، حيث باتت الرقمنة خلال السنوات الخمس الماضية جزءاً أساسياً من مختلف أنشطة المنظمة، بدءاً من الحوكمة الإلكترونية والتجارة العابرة للحدود، مروراً بالأمن السيبراني وتطوير البنية التحتية، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي. غير أن الانتقال من مرحلة البيانات والبيانات الختامية إلى التنفيذ العملي يضع المنظمة أمام مشهد معقد، تحكمه فجوات تكنولوجية، وتباينات سيادية، وضغوط جيوسياسية خارجية.

السياق الاستراتيجي: الرقمنة كأولوية جيوسياسية

وضعت القيادات السياسية للدول الأعضاء التحول الرقمي في صدارة الأولويات الاستراتيجية، حيث أدرجت المنظمة الرقمنة ضمن خططها طويلة المدى وأطرها المؤسسية.

ويظهر ذلك جلياً في وثائق رئيسية مثل: بيان 2020 لمجلس رؤساء الدول حول الاقتصاد الرقمي، وبيان 2023 حول التحول الرقمي، وخطة العمل المعلنة في يونيو 2025.

وتنظم خطة العمل الأخيرة التعاون في سبعة مسارات أساسية تشمل: البنية التحتية الرقمية والاتصال، الأمن السيبراني وحماية البيانات، التجارة الإلكترونية واللوجستيات الذكية، الذكاء الاصطناعي والروبوتات، تطوير المهارات الرقمية والقوى العاملة، مواءمة الأطر التنظيمية، والتعاون في مجال السلع الرقمية العامة.

محركات الرقمنة: من التجارة الإلكترونية إلى معايير الأمن السيبراني

التجارة الإلكترونية عبر الحدود تشهد نمواً ملحوظاً؛ إذ ارتفع حجم التجارة الرقمية بين الصين ودول المنظمة الأخرى بنسبة 14% في 2024 ليصل إلى 12.8 مليار دولار.

الأمن السيبراني أصبح مجالاً محورياً للتعاون، حيث طرحت موسكو مبادرة لوضع إطار مشترك للسيادة السيبرانية، بينما أبدت الصين ودول آسيا الوسطى استعداداً لتقديم خبراتها.

التنسيق التنظيمي يشهد تجارب تجريبية بين الصين وكازاخستان وأوزبكستان في مجالات الجمارك الرقمية واللوجستيات، بما يمهّد لبناء “طريق حرير رقمي” في إطار المنظمة.

التحديات الهيكلية: فجوات وتباينات

رغم التقدم، تواجه المنظمة أربعة تحديات كبرى:

فجوة رقمية واسعة بين الصين المتقدمة وبقية الأعضاء الذين يفتقرون إلى بنى تحتية رقمية متطورة.

اختلاف الأطر القانونية والتنظيمية الخاصة بالبيانات والأمن السيبراني والتجارة الرقمية.

تشظي التعاون عبر ترتيبات ثنائية أو شبه إقليمية تتجاوز آليات المنظمة الجماعية.

مخاوف الثقة السياسية وحوكمة البيانات، خصوصاً تجاه هيمنة المنصات الصينية والأجندة الروسية في الأمن السيبراني.

مستقبل التحول الرقمي في المنظمة

يتوقف نجاح المنظمة على قدرتها في التوفيق بين التكامل والسيادة الرقمية. ولتحقيق ذلك، يُقترح اعتماد هيكل رقمي مرن يتيح التعاون “المعياري”، بحيث تمضي الدول الراغبة قدماً في مسارات محددة مثل التجارة الإلكترونية أو التعليم الرقمي، دون الحاجة إلى توافق كامل.

كما يمكن إنشاء صندوق تنمية رقمية مشترك لدعم الدول الأقل تقدماً، إلى جانب تأسيس مركز رقمي لمنظمة شنغهاي لتنسيق المشاريع والمعايير وتسهيل التكامل التكنولوجي.

التحول الرقمي للمنظمة طموح وضروري في عالم يشهد إعادة تشكيل لنظام التكنولوجيا العالمي. لكنه يظل مهدداً ما لم تُعالَج الفجوات البنيوية وتُعزز الثقة بين الدول الأعضاء.

وفي السنوات الخمس المقبلة، سيتحدد ما إذا كانت منظمة شنغهاي ستبقى مجرد منتدى لسيادات متباعدة، أم ستتحول إلى كتلة رقمية متكاملة قادرة على صياغة ملامح النظام الرقمي الإقليمي.

زر الذهاب إلى الأعلى