
لم تمر في تاريخ سوق الانتقالات الصيفية مثلما جرى وفعله الانكليز من انفاق مهول، حطم به كل الأرقام القياسية السابقة، بل قزم ما انفقته بقية الدوريات الأخرى.
وأنفقت أندية البريميرليغ خلال نحو 3 شهور أكثر من ملياري جنيه استرليني، قدرها البعض بأقل قليلاً، أي بنحو 1.9 مليار جنيه، أو أكثر بنحو 2.2 مليار، لكن أياً كان الرقم فانه حطم الرقم القياسي السابق المسجل في صيف 2017 والمقدر بـ1.4 مليار جنيه، بل أنفقت الأندية في نافذة واحدة أكثر مما أنفق في ذلك الموسم القياسي 2017-2018 بنافذتيه الصيفية والشتوية (1.8 مليار)، بل حتى ان أندية البريميرليغ أنفقت أكثر مما أنفقته كل الدوريات الأربعة الكبرى الاخرى (الاسباني والايطالي والفرنسي والألماني) مجتمعة، وأكثر بنحو أربعة أضعاف من الدوري الثاني الأكثر انفاقاً في هذه النافذة، وهو الايطالي الذي أنفق نحو 646 مليون جنيه استرليني.
وفي ظل أزمة تضخم غير مسبوقة، ومعاناة آلاف العائلات من الفقر ودعوات ترشيد الاستهلاك مع ارتفاع أسعار الطاقة في بريطانيا، فان تسعة أندية من العشرين في البريميرليغ أنفقت أكثر من 100 مليون جنيه استرليني في هذه النافذة، وثمانية أندية حطمت أرقامها الشخصية في مجموع ما أنفقته في نافذة واحدة، بل حتى ان اليوم الاخير في الانتقالات (الخميس الماضي) والمعروف باسم الـ»ديدلاين داي»، شهد انفاقاً غير مسبوق بصرف نحو 220 مليوناً في يوم واحد، أبرزها اعلان مانشستر يونايتد عن ضم مهاجم أياكس أنتوني بـ95 مليون يورو، ترتفع الى 100 مليون يورو (85 مليون جنيه استرليني)، وايضاً ضم تشلسي لقلب دفاع ليستر فوفانا بـ75 مليوناً.
ورغم أن صرف تشلسي حقق رقما عالمياً قياسياً عندما أنفق أكثر من 280 مليون جنيه أسترليني في نافذة واحدة، تخطى فيها الرقم القياسي السابق عندما صرف العملاق الاسباني ريال مدريد 272 مليون جنيه في صيف 2017، ورغم ان العملاق مانشستر يونايتد صرف أكثر من 220 مليون جنيه استرليني، الا انه كانت هناك 3 أندية حققت أرباحاً في هذه السوق، على رأسها بطل الدوري مانشستر سيتي والذي رغم ضمه أبرز الهدافين في عالم كرة القدم الوحش النرويجي ايرلنغ هالاند (51 مليوناً)، الا انه جنى ربحاً صافياً بنحو 20 مليوناً بعد بيع مواهب مثل ستيرلنغ وجيزوس وزينتشينكو، فيما حقق برايتون المتألق في مطلع الموسم، أرباحاً بقيمة 60 مليون جنيه بعد بيع كوكوريا (60 مليوناً الى تشلسي) وبيسوما (35 مليوناً الى توتنهام) وموباي (15 مليوناً الى ايفرتون)، والنادي الثالث هو ليستر الذي حقق فائق أرباح يقدر بـ60 مليون جنيه استرليني بعد بيع مدافعه فوفانا بـ75 مليون جنيه الى تشلسي.
لكن بطل سوق الانتقالات بلا منازع كان الصاعد الجديد نوتنغهام فوريست، الذي خطف كل الأنظار، ليس بسبب حجم الانفاق الذي بلغ 145 مليون جنيه، وهو مبلغ ضخم لصاعد جديد لم يحظ بعد بمكافآت وجوائز البريميرليغ، بل بسبب عدد اللاعبين الذين ضمهم، وبلغ 21 لاعباً في هذه النافذة فقط، أي أنه لم يحصل على فريق جديد فحسب بل على فرقة كاملة باحتياطيها، وهو رقم قياسي حطم به الرقم السابق الذي كان في حوزة كريستال بالاس الذي ضم 17 لاعباً في 2013. لكن فوريست بكل تأكيد معذور لأن الفريق الذي قاده الى الصعود الموسم الماضي عبر الملحق، كان نصفه من المعارين، وعدد انتهت عقودهم ورحلوا، وآخرون بيعوا الى أندية أخرى، أي ان ما مجموعه 14 لاعباً رحلوا في فترة قصيرة، فتوجب ضم هذا العدد الكبير. وبعد الشراء والبيع فان صافي ما أنفقته الأندية العشرون كان أكثر من مليار جنيه استرليني بقليل، وهو أيضاً رقم قياسي، وآخر هو ضم 169 لاعباً في هذا النافذة مقارنة مع 148 لاعباً في 2021 و132 في 2020.
طبعاً عشاق الكرة الاسبانية والايطالية امتعضوا من هذا الانفاق، وقال بعضهم انه «لهذا السبب نريد الدوري السوبر» وان ما يجري غير عادل، علماً ان ليفربول أنفق أقل مما أنفقه ريال مدريد وبرشلونة، بل في الواقع أنفق ليفربول وتوتنهام وأرسنال ومانشستر سيتي أقل مما صرفه برشلونة، أي أن القوة تكمن في كل الدوري وفي كل أنديته العشرين كون المكافآت توزع عليهم بعدالة، ولا تحتكر فقط من الكبار، ولهذا يحظى دائماً بالاستثمار الضخم، خصوصا انه جدد لتوه عقدا لست سنوات مع مالكي حقوق البث الخارجي، والتي من أبرزها عقد مع «أن بي سي» الأمريكية، يعكس ثقة هؤلاء بهذا الدوري القوي، بل أيضاً يشجع كل أثرياء العالم على الاستثمار في أنديته بهدف الحصول على قطعة من الكعكة.
صحيح أن الانكليز حرقوا سوق الانتقالات بمبالغ هائلة، لكن علينا تذكر ان البائعين الاوروبيين يبالغون في قيمة بدل الانتقالات عندما يكون المهتم ناد انكليزي، وكان هذا جلياً في هذه السوق، وهو ما ساهم في هذا التضخم.