الإمام بخاري – أمير المؤمنين فى الحديث
بقلم الإعلامي أحمد الشرقاوي
ولد الإمام البخاري في 20 يوليو 810 في بخارى. اسمه محمد ، ولقبه أبو عبد الله. وقد اشتهر بنسبة البخاري لأنه ولد في بخارى. فقد أطلق عليه الألقاب العالية بسبب مساهمته التي لا تضاهى في تطوير علم الحديث مثل “أمير المؤمنين في الحديث”، الإمام المحدّثين”، “سيد الفقهاء”،” إمام الدنيا”، “شيخ الإسلام”.
كان والد الإمام البخاري إسماعيل بن إبراهيم من أتقياء بخارى الذين اشتهروا في علم الحديث في عصره. لذلك البخارى أتقن علم الحديث و سافر إلى عدة بلدان وأما والد محمد مات عند طفولته، و أما والدته كانت امرأة صالحة وفاضلة.
نشأ الإمام البخاري تحت رعاية والدته. وذات يوم أصاب عين ابنه وأصبح أعمى. بدأت عيون محمد تبصر مرة أخرى بسبب دعوات والدته المتواصلة والتوصل إلى الله. لذلك تذكروالدته في المصادر باسم “إمرأة مستجابة الدعاء”.
كانت الأم الصالحة تدرك أن منبع التربية الصالحة يبدأ من الكُتاب الذي يُعلم القرآن ويُدرس الحديث، وجهت الأم ابنها محمد الي الكتاب، فارتبط منذ نعومة أظافره بالقرآن والحديث، وقد ساعد الكتاب على اكتشاف مواهب ومهارات الطفل والتي أظهرت نبوغاً منقطع النظير في سرعة الحفظ والفهم وحضور الذهن.
كانت الصفة الفريدة عنه أنه بالكاد كتب الأحاديث التي تلقاها. امتلاك ذاكرة قوية وعقل قوي بنفس القدر ، كان دائمًا يحفظها في ذاكرته وكان قادرًا على تكرارها بشكل صحيح بعد أسابيع من الاستماع إليها.
حتى ناقش باستاذه الداخلى نبهه لما كان عند احد عشر سنة وهذا مثال فى قوي الذاكرته
روى الخطيب أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق في”السند”له وقال:”قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري:”كيف كان بدء طلب الحديث؟” قال لي: ألهمت حفظ الحديث في المدرسة. ابن كم كنت آنذاك ؟ قال: ابن عشر سنين أو أقل . خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره.
فقال يوما فيما يقرأ على الناس : سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم. قلت له: “يا أبا فلان! إن أبا الزبير لم يرو عن براهيم .”
فانتهرني. فقلت له: ارجع الأصل. فدخل ثم خرج فقال لي:كيف يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم. فأخذ القلم مني وأصلحه وقال: صدقت. فقال بعض أصحابه: ابن كم كنت لما اعترضت على كلام الداخلي؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة.
قال سالم ابن مجاهد: اذا كنت عند محمد ابن سلام وهو قال لى :”لو أتيت قبل قليل لرأيت شابا الذى حفظ سبعين الف حديثا”. و أنا بحثت عنه من ورائه ووجدته و قلت له: أأنت الذى قلت أنك حفظت سبعين الف حديثا؟ قال نعم! بل أكثر من هذا. لو حدثت لك حديثا من الصحابة و التابعين، اعرف ميلادهم و وفاتهم و مسكن أكثرهم. لو اروى حديثا من الصحابة و التابعين، طبعا أكون حافظا اصله من كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بدأ الإمام البخاري تعليمه المبكر في مسقط رأسه بخارى. كان معلمه الأول والديه. علمته والدته القراءة والكتابة منذ الصغر وحتى حفظ أحاديث من كتاب الإمام مالك “موطأ”.
كرس الإمام البخاري حياته كلها لجمع أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم. في سن 9-10 ، بدأ في الاستماع إلى الحديث من كبار العلماء في عصره.
حسب ما يتذكره ، قبل الذهاب في رحلة علمية ، تعلم من المحدثين مثل محمد بن عبد الله بن جعفر بن يمان الجوفي ومحمد بن سلام بويكندي ، العلماء الناضجين في مجال الحديث في بخارى ، وأتقنوا علمهم تمامًا. – حفظ كتابي ابن مبارك و الوكيع و كلام أهل الرأى حفظا تامّا.
عندما كان عنده ست عشرة سنة لم يبق فى بخارى علماء يدرسه حول علم الحديث وسافربمرافقة والدته وأخيه أحمد إلى مكة بحثًا لقصد الحج و طلب العلم. بعد انتهاء الموسم الحج رجع والدته وأخوه وهو تخلف في طلب الحديث.
قضى الإمام البخاري حياته كلها في دراسة علم الحديث وجمعه إلى المستوى العالي . أينما كان ، لم يترك دائمًا هذه المهمة الشريفة. ويجمع الأحاديث ويسجلها في الليل ولم يكن يثق في أي شخص لديه مثل هذا العمل المسؤول.
خلال حياته سافر إلى جميع البلدان الإسلامية تقريبًا وبعضها عدة مرات لطلب العلم. كان يستفيد بعلم العلماء هناك. وبحسب ما قال أبو عبد الله حاكم: فإن البخاري سافر إلى دول كثيرة لطلب العلم فقط وعاش في تلك الأماكن لفترة طويلة وتعلم من أساتذته.
على سبيل المثال: “ذكرت فقط بعض أشهر المعلمين الذين درسوا الإمام البخاري. وبهذا هدفت إلى إظهار المستوى العالي لرواة في جمع الأحاديث. رحلته التي لمرة واحدة لطلب العلم كانت 13900 كيلومتر.
أتاحت للإمام البخاري رحلاته الكثيرة وتطوافه الواسع في الأقاليم لقاء عدد كبير من الشيوخ والعلماء ولذلك لم يكن غريبًا أن يزيد عدد شيوخه عن ألف شيخ من الثقات الأعلام، وكما يؤكد محمد بن أبي حاتم الوراق أن البخاري يعبر عن ذلك بقوله: “كتبت عن ألف ثقة من العلماء وزيادة، وليس عندي حديث لا أذكر إسناده”.
ويحدد عدد شيوخه فى “تاريخ بغداد” فيقول: “كتبت عن ألف وثمانين نفسًا ليس فيهم إلا صاحب حديث”.ولم يكن البخاري يروي كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ، بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ، ومن شيوخه المعروفين الذين روى عنهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو حاتم الرازي و شيوخه في بخارى: محمد بن سلام بايكندي ، محمد بن يوسف البخاري ، عبد الله بن محمد المسندي ، هارون بن أشعس البخاري وغيرهم.
كان للإمام البخاري عدد لا يحصى من الطلاب في شبابه. وكان علماء البصرة يتبعونه في شبابه. حتى أنهم أوقفوه على الطريق وطلبوا منه حديثًا.
كما فى المصادر أن عدد من سمع منه كتابه الصحيح بلغ تسعين ألفاً فمنهم كثير من المحدثين المشهورين كمسلم بن حجاج ، والإمام الترمذي ، والإمام النسائي ، وابن خزيمة ، والإمام أبو داود ، ومحمد بن يوسف فربري ، وإبراهيم بن معقل النسفي.
اعتاد آلاف الأشخاص على التجمع في الاجتماعات العلمية. كان معظمهم من العلماء البارزين ، لكن الإمام البخاري كان صبيًا صغيرًا.
كان طلاب الإمام البخاري علماء مشهورين في العالم الإسلامي. لقد قدموا مساهمة كبيرة في تطوير علم الحديث مع العديد من الأعمال القيمة. وصل طلاب الإمام البخاري إلى مستوى العلماء الأكثر موثوقية.
على وجه الخصوص ،تعلم منه مؤلفي الصحاح الستة ورواه مثل الإمام مسلم والإمام الترمذي والإمام النسائي والإمام أبو داود. كان عشرون ألف طالب يتجمعون في مجلس الإمام البخاري لسماع الحديث.
مال البخاري إلى طلب العلم وحفظ أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم و جمعه وتحقيقها وكان حريصاً على تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ومعرفة علل الأحاديث وسبر أحوال الرواة من عدالة وضبط ومعرفة تراجمهم وإتقان كلّ ما يتعلّق بعلوم الحديث عموماً.
إن من أبرز ما تميّز به الإمام البخاري هو ذكاؤه الوقّاد وقوة حفظه الاستثنائية، فكان جمع ستمائة ألف حديث ويحفظ من بينها مائة ألف حديث صحيح، ومئتي ألف حديث غير صحيح.
تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا.
قال الإمام القسطلاني: وصلت مؤلفات الإمام البخاري إلى الأماكن التى طلع عليه الشمس. استولى على كل الأرض في العالم .هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبةً”.
ولا يوجد كتاب لدى المسلمين، نال الحظوة والسمعة والشهرة عند جمهور الفقهاء والشيوخ كصحيح البخاري، ونال بنفس القدر والقسط من التبجيل والتكريم والتعظيم، فهو أصح كتاب بعد القرآن (فيما يخص نصوص الشرع)، وقد انعقد إجماع الأمة على أن التراجم التي وضعها البخاري تدل عن فهم عميق ونظر دقيق في معاني النصوص، فهو محل اتفاق بين عامة العلماء عبر القرون بعد أن أصبح البخاري محل قَبول منهم على كثرة دراسته والكتابة عنه أو عن جانب منه.
بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: “كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع (الجامع الصحيح)”.
اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.
وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين. وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.
ذات مساء رأى “البخاري” رؤيا عجيبة كان لها أثرًا عظيمًا جدًّا في حياته كلها.
يقول: “رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة (هوّاية يد من خُوص النخيل) أذبّ عنه، فسألتُ بعض المُعبّرين، فقالوا لي: أنت تذبّ عنه الكذب؛ وإنك إن شاء الله سوف تدفع الكذب والافتراء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
قال هو عنه: “ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين”، وقال أيضًا: “صنفت الصحيح في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.”
ساهم المحدث العظيم مساهمة كبيرة في تطوير علم الحديث مع مؤلفاته. ولذلك جديربا لذكر دائما اسم وتراث علمي لمواطننا ، الإمام البخاري.
المعلومات المذكورة أعلاه حول المحدث هي قطرة من البحر. قدم العالم مساهمة كبيرة في تطوير الحديث والتفسير والفقه وغيرها بجهوده وأبحاثه طويلة المدى في مسار المعرفة.
أمضى الإمام البخاري أربعين عاما في الخارج للدراسة. عاش في معاناة لا مثيل لها. ما كتب أي حرف ولا كلمة إلا بعد ما يصلي ركعتين بالغسل والطهارة، نظم “صحيح البخاري” بالتقوى والزهد لمدة ستة عشر عاما. ولا شك فيه أن السر الحقيقي للقيمة العالية “صحيح البخاري” كان في هذا العمل الصالح.
إن ذكرى هذا الرجل العظيم وتراثه العلمي محترمة ومقدرة في بلادنا. يعتبر ضريح الإمام البخاري من أكثر الأماكن المباركة في العالم الإسلامي.
في عام 2017 ، بمبادرة من رئيس جمهورية أوزبكستان تم إنشاء مركز الإمام البخاري الدولي للبحوث العلمية لدى مجلس الوزراء.
من خلال دراسة الحياة والتراث العلمي والروحي للإمام البخاري – أمير المؤمنين فى الحديث ، نحن على يقين أن نظرته الدنيا ، وسيرته الحليمة ، بجوانبها الرائعة للغاية ستكون ذات أهمية كبيرة لشعبنا ، وخاصة لشبابنا.