
تواجه إمدادات الأرز والقمح الآن نقصاً مثيراً للقلق. ومن شأن احتمال حدوث أزمة غذاء عالمية أخرى، أن تنافس تلك التي حدثت في الأعوام 2007-2008، و1972-1974، و1966-1968.
وفي تقرير نشرته صحيفة “آزيا تايمز” التي تصدر باللغة الانكليزية وتتخذ من هونكونغ مقرّاً لها، فقد تعرّض الاقتصاد الغذائي العالمي في السنوات الثلاث الماضية، لضغوط شديدة بسبب انقطاع الإمدادات بسبب فيروس “كورونا”، والطقس السيئ، وتصعيد روسيا ضد منشآت شحن وتخزين الحبوب في أوكرانيا، والظهور السريع لظاهرة النينيو المسببة للجفاف.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصراعات الإقليمية في أفريقيا، التي أدت إلى قطع الإمدادات الغذائية عن السكان الضعفاء، أصبحت أمراً ثابتاً.
والمفارقة الكبرى في الأمن الغذائي هي أن الحكومات وحدها هي القادرة على ضمانه، ولكن الأسواق يجب أن “تتحمل العبء الثقيل”، وأثبت تعلم كيفية إدارة هذه العلاقة التكافلية أنه يمثل تحديًا بالنسبة لمعظم البلدان.
فقد أظهرت إندونيسيا الدروس التي تعلّمتها عندما قادت قمة مجموعة العشرين لعام 2022 في بالي إلى إعلان مثير بدأ بكتاب تمهيدي حول الأمن الغذائي. ومن غير المؤكد ما إذا كانت الهند، التي تتولى الرئاسة الحالية لمجموعة العشرين، قادرة على توفير قيادة مماثلة فيما يتصل بتهدئة الاقتصاد الغذائي العالمي المضطرب على نحو متزايد.
وبحسب “آزيا تايمز”، فانه يجب أن يُفهم الحظر الذي فرضته الهند على تصدير الأرز في 21 يوليو في هذا السياق. فالأمن الغذائي يبدأ في الداخل، والانتخابات العامة المقرر إجراؤها في ربيع 2024 تركّز أعين الساسة على تثبيت أسعار المواد الغذائية الأساسية.
وستظل الهند تحاول إدارة الحظر على تصدير الأرز بعناية لتقليل تأثيره على العملاء المنتظمين. إن إعفاء الأرز المسلوق يحمي بنغلاديش وعدد قليل من الأسواق الأفريقية. ومن المرجح أن يتم احترام العقود الحالية للتحميلات المادية.
وباعتبارها رئيسًا لمجموعة العشرين لعام 2023، ومع بقاء قمة مجموعة العشرين الناجحة في إندونيسيا لعام 2022 حاضرة في الأذهان، تسعى الهند إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات المحلية وموثوقية التصدير.
وتضيف الصحيفة، انه مع تكشف الصدمة الهندية لسوق الأرز العالمية، أصبحت ثلاثة بلدان في دائرة الضوء.
أولاً، يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت إندونيسيا ستحصل على المليون طن الكامل من الأرز الذي تعاقدت عليه من الهند. وإذا حدث ذلك، فسوف يؤدي ذلك إلى تهدئة سوق الأرز العالمية بأكملها.
ثانياً، يشكل وضع مخزون الأرز في الفلبين أهمية بالغة. ومن المحتمل أن يكون عدد من التكنوقراط ذوي الخبرة في مجلس الوزراء الفلبيني قد خططوا لهذه الحالة الطارئة.
ثالثا، تتطلب أنماط التصدير في فيتنام التدقيق. فرغم أن توقعات محاصيلها تبدو جيدة، إلا أن الخطر قائم دائما يتمثل في احتمال قيام الحكومة الفيتنامية بتقييد الصادرات استجابة للاكتناز المحلي. وستكون إدارة توقعات الأسعار في فيتنام أمرًا بالغ الأهمية.
وفي حالات الطوارئ المتعلقة بالأرز، تتجه كل الأنظار حتماً نحو الصين. وقد عانى إنتاج الأرز بشكل كبير من الحرارة والفيضانات. ويعتبر المستوى الدقيق لمخزونات الأرز هو سر من أسرار الدولة، لكنها إلى حد بعيد هي الأكبر في العالم، ومع ذلك، فهي منتشرة جغرافيًا، مما يحد إلى حد ما من وصول الحكومة المركزية وسيطرتها.
وترى الصحيفة أن الأمن الغذائي في الصين يشكل أولوية قصوى، ومع ارتفاع أسعار القمح والأرز، فمن الصعب أن نجزم بما قد تكون عليه الاستجابة الصينية. وأي جهد لشراء المزيد من الواردات بشكل استباقي سوف يخيف السوق.
وفي حالة ذعر حقيقي من الأرز، فقد تلعب اليابان دوراً مماثلاً كما حدث في عام 2007. آنذاك، كان مجرد إعلان رئيس وزراء اليابان عن اعتزام اليابان البدء في المفاوضات مع الفلبين لبيع بعض فائضها من “أرز منظمة التجارة العالمية” كافياً لإثارة المضاربة.
وأدى هذا إلى انخفاض أسعار الأرز العالمية. ومخزونات الأرز اليابانية أقل الآن مما كانت عليه في عام 2007، ولكن حتى عرض نصف مليون طن للمشترين الأكثر احتياجا في المنطقة يمكن أن يهدئ أي شراء بدافع الذعر.
ويشعر خبراء الأرز في وزارة الزراعة الأميركية بتفاؤل معقول بشأن قدرة العالم على التغلب على النقص المتوقع في الأرز. ففي إصدار أغسطس 2023 لتقديرات العرض والطلب الزراعي العالمي، وتوقّعت “آزيا تايمز” أن يزيد إنتاج الأرز العالمي للسنة التسويقية 2023-2024 بمقدار 8.1 مليون طن عما كان عليه في 2022-2023، وأن ينخفض الاستهلاك العالمي بمقدار مليون طن بسبب انخفاض الواردات من قبل العديد من البلدان في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ومما لا شك فيه، تضيف الصحيفة، أنه سيكون هناك بعض الجوع المحلي نتيجة لانخفاض الاستهلاك، لكن النقص الواسع النطاق في الأرز ليس ضمن توقعات وزارة الزراعة الأميركية.
في المقابل، تعتبر “آزيا تايمز”، إن التوقعات الآسيوية مطمئنة بشكل مدهش بالنظر إلى ظاهرة النينيو والحظر الجزئي لتصدير الأرز في الهند. ومن المفترض أن يكون للانخفاض المتوقع في واردات الصين من الأرز في الفترة 2022-2023 والانخفاض الكبير اللاحق في مخزونات الأرز المحلية تأثير إيجابي. وتتوقع وزارة الزراعة الأميركية أيضًا أن تتغلب إندونيسيا والفلبين على النقص العالمي في الأرز بمخزونات وفيرة.
لقد أصبح الأرز سلعة أكثر قيمة مما كان عليه قبل بداية ظاهرة النينيو والحرب الأوكرانية. ومن المرجح أن ترتفع أسعار الأرز خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة، وربما بمقدار 100 دولار أخرى للطن المتري للأرز التايلاندي أو الفيتنامي.
واختتمت الصحيفة تقريها بالقول: “لكن السؤال الكبير هو ما إذا كان ارتفاع الأسعار سيكون تدريجيًا – مما يمنح المستهلكين الوقت للتكيف دون ذعر – أو ما إذا كان سيكون هناك ارتفاع سريع. وحقيقة أن حالة الذعر التي سادت البلاد منذ إعلان الهند في شهر يوليو كانت قليلة، تعطي الأمل في أن تكون الزيادة في أسعار الأرز تدريجية وقابلة للاحتواء”.