أذربيجان حيث يروي التراث قصص العصور

عبد الحميد حميد الكبي
يُعد التراث الأذربيجاني كنزًا حضاريًا يعكس تاريخًا طويلًا من الإبداع والتنوع الثقافي. لقد حافظ الشعب الأذربيجاني على تراثه الغني عبر الأجيال، ليس فقط كرمز للهوية الوطنية، بل كجسر يربط الماضي بالحاضر، ويعبر عن قيم إنسانية وحضارية عميقة.
هذا التراث، الذي ازدهر عبر العصور، لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج فكر وخبرة توارثها الأذريون، مما جعلهم من الشعوب المميزة التي تحمل إرثًا ثقافيًا فريدًا. وتأكيدًا على هذه العراقة، أدرجت منظمة اليونسكو العديد من معالم أذربيجان الثقافية ضمن قائمة التراث العالمي، لتظل شاهدًا حيًا على إبداع هذا الشعب.
في قلب العاصمة باكو، تقع “إيجري شهر”، المدينة القديمة التي تُعد تحفة تاريخية تمتد على مساحة 22 هكتارًا. تُشبه هذه المدينة جوهرة محاطة بأسوار العصور الوسطى، حيث يعيش أكثر من 1300 أسرة، وتضم 18 فندقًا وأكثر من 100 مبنى تجاري وخدمي. تتزين “إيجري شهر” بمعالم ساحرة مثل قلعة العذراء التي تروي حكايات العصور القديمة، مسجد محمد، ومجمع قصر الشيروانشاهيين الذي يعكس روعة العمارة الإسلامية.
كما تبرز في المدينة حديقة الحفريات الأثرية ومتحف المُنمنمات الأول من نوعه عالميًا، الذي يضم 4530 كتابًا من 62 دولة، إلى جانب حمام آغا ميكائيل الذي يعكس فن العمارة التقليدية.
حيث تتميز المدينة بتنوعها الثقافي، حيث يوجد في كل حارة مسجد تاريخي، ليصل عددها إلى 21 مسجدًا، مما يجعلها مركزًا دينيًا وثقافيًا نابضًا بالحياة. هذه المعالم، إلى جانب المئات من الآثار والمتاحف، جعلت “إيجري شهر” وجهة سياحية عالمية، حيث يتوافد الزوار من كل أنحاء العالم لاستكشاف تاريخها الذي أدرجته اليونسكو ضمن التراث العالمي.
وتحرص الحكومة الأذربيجانية على حماية هذا الإرث الثقافي من خلال تعاون وثيق مع منظمة اليونسكو. تُولي الدولة أهمية كبيرة لصيانة المعالم التاريخية وتطويرها، لضمان بقائها كجزء من الهوية الوطنية ومصدر إلهام للأجيال القادمة. من خلال المشاريع الثقافية والسياحية، تسعى أذربيجان إلى إبراز تراثها للعالم، سواء من خلال المهرجانات الثقافية، مثل مهرجان الموسيقى التقليدية “المقام”، أو من خلال المتاحف التي تحكي قصص الفنون والحرف التقليدية مثل صناعة السجاد الأذربيجاني، الذي يُعد رمزًا عالميًا للإبداع.
ويتميز الشعب الأذربيجاني بتنوعه الثقافي الذي يتجلى في العادات والتقاليد، من الرقصات الشعبية مثل “ياللي” إلى المطبخ الأذربيجاني الغني بأطباق مثل “الدولما” و”الباكلافا”. هذا التنوع يعكس التعايش الإنساني الذي جمع بين مختلف الثقافات على أرض أذربيجان عبر التاريخ. سواء في الأدب، الشعر، أو الموسيقى، يظل التراث الأذربيجاني مرآة تعكس روح شعب يحتفي بتاريخه ويستلهم منه لصناعة مستقبله.
لذلك التراث الأذربيجاني ليس مجرد معالم وآثار، بل هو قصة شعب عاش وأبدع على مر العصور. من شوارع “إيجري شهر” إلى أنغام الموسيقى التقليدية، تدعو أذربيجان العالم لاستكشاف تراثها الفريد الذي يجمع بين الأصالة والحداثة. فهل أنت مستعد لخوض هذه الرحلة عبر الزمن.