تتجه أنظار المجتمع التجاري العالمي إلى العاصمة أبوظبي التي تستعد لاستضافة المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية في 26 فبراير الجاري، بمشاركة وفود 164 دولة عضواً في المنظمة، وسط آمال كبيرة بأن يدشن أكبر حوار عالمي للمفاوضات التجارية، نقطة انطلاق جديدة لإعادة تشكيل مستقبل النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف.
ويحظى المؤتمر الذي يُقام في مركز أبوظبي للمعارض، ويمتد حتى 29 فبراير الجاري، باهتمام عالمي واسع بالنظر إلى ما تتضمنه أجندته من ملفات وقضايا ذات أهمية كبيرة للاقتصاد العالمي، والتي يمكن أن يشكل إحراز أي تقدم في أحدها إنجازاً نوعياً في مسيرة التجارة العالمية، لاسيما محادثات أجندة إصلاح المنظمة ونظام تسوية المنازعات واتفاقية دعم مصائد الأسماك ومحادثات الزراعة وتسهيل الاستثمار ودعم التجارة والبيئة، بالإضافة إلى تبني تقنيات جديدة لتحسين كفاءة سلاسل التوريد واستدامتها.
ويأتي انعقاد المؤتمر، والذي يرأسه الدكتور ثاني الزيودي، وزير دولة الإمارات للتجارة الخارجية، في وقت تشهد فيه حركة التجارة الدولية العديد من التحديات التي يسعى المؤتمر للتغلب عليها.
إذ أن موجة الانتخابات المتوقعة والركود الذي يخيم على أغلب اقتصادات العالم وحربي أوكرانيا وغزة من المحتمل أن يهدد في التوصل إلى اتفاقات، بحسب ما حذرت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية.
وقالت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو-إيويلا للصحفيين في جنيف “سيكون الأمر عسيرا بعض الشيء لأن المؤتمر ينعقد في ظرف صعب”، واصفة المواقف التفاوضية بأنها متباعدة. “نواجه الكثير من الرياح المعاكسة، رياحا اقتصادية وسياسية معاكسة. ستدركون أن الأمر لن يكون سهلا”.
ورغم ذلك، أكدت المديرة أنها تعتقد أن بعض الاتفاقات لا تزال ممكنة، مشيرة إلى الجزء الثاني من اتفاق خفض دعم صيد الأسماك الذي يتسبب في تفريغ المحيطات، وكذلك خريطة طريق لمحادثات بشأن الزراعة.
لكن يبدو أن الاتفاقيات المحتملة الأخرى عالقة، وسط تصاعد القلق بشأن تأثير التوترات الجيوسياسية الراهنة.
وأضافت أن أحد التحديات يتمثل في إجراء عدة انتخابات هذا العام، من أبرزها الانتخابات الأميركية في نوفمبر التي تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم الرئيس السابق دونالد ترامب.
وقالت “كما تعلمون، تؤثر الانتخابات على أسلوب التفاوض”.
دور الإمارات في التجارة العالمية
انضمت الإمارات إلى منظمة التجارة العالمية في عام 1996، وذلك بعد عام واحد من تأسيس المنظمة في يناير 1995؛ بهدف ضمان انسياب التجارة بين الدول بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية.
وترتب على انضمام دولة الإمارات إلى المنظمة في رحلة تقترب من عقدها الثالث، تمتعها بالعديد من المزايا، أهمها التعريفات الجمركية المنخفضة على الصادرات الإماراتية، وحماية الأسواق المحلية من الإغراق، في حين تعين عليها الالتزام بعدد من الشروط منها ضرورة تحديث التشريعات والقوانين المحلية في محاور عديدة، مثل الملكية الفكرية والتجارة والخدمات، وأن تتطابق منتجاتها مع المواصفات الدولية بهدف إزالة التحديات أمام تنمية وتنويع الصادرات الوطنية كي تتمكن الشركات الوطنية من أخذ دور رئيسي في التجارة الدولية.
ويقع مكتب تمثيل دولة الإمارات لدى منظمة التجارة العالمية في مدينة جنيف، ويقوم المكتب بخدمة الدبلوماسية الاقتصادية للدولة.
تجسد استضافة أبوظبي المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية، مكانة دولة الإمارات كداعم رئيسي لحرية تدفق التجارة والاستثمار بين مختلف دول العالم، ودورها المحوري في مشهد التجارة العالمية، وقدرتها على المساهمة بدور بارز في إعادة تنشيط نظام التجارة العالمي، ودعم مواكبته للمتطلبات المستقبلية للقرن الحادي والعشرين.
وشكّلت التجارة الخارجية للإمارات، على مدى سنوات طويلة، واحدة من أهم قصص النجاح في مسيرة إنجازات دولة الإمارات، حيث رسخت التجارة مكانتها محركاً رئيسياً للتنمية وإحدى أهم ركائز الاستراتيجيات الاقتصادية وعنصراً أساسياً في العلاقات الخارجية للدولة.
وتحظى التجارة بأهمية خاصة بالنسبة لدولة الإمارات، فهي الجسر الذي يربط منتجاتها من السلع والخدمات ومواردها الطبيعية بالعالم، ويرفد الاقتصاد بأحدث الأفكار والابتكارات، كما أصبحت التجارة اليوم ركناً أساسياً في طموحات الدولة للتنمية والتنويع الاقتصادي وفق ما جاء في رؤية «نحن الإمارات 2031»، حيث تنص الأهداف الطموحة للرؤية على مضاعفة قيمة التجارة الخارجية إلى 4 تريليونات درهم، مع زيادة قيمة الصادرات غير النفطية إلى 800 مليار درهم، وهو ما يعكس القوة التحفيزية الكبيرة للتجارة لتسريع نمو الاقتصاد الوطني.
مشاورات تحضرية مكثفة
منذ أشهر مضت، تشهد أروقة منظمة التجارة العالمية في جنيف، مباحثات ومشاورات رسمية وغير رسمية مكثفة بين ممثلي الدول الأعضاء حول القضايا والمواضيع ذات الأولوية التفاوضية لأعضاء منظمة التجارة العالمية في الفترة التي تسبق المؤتمر الوزاري الثالث عشر (MC13) في أبوظبي، والمجالات التي يدرس فيها الأعضاء أجندة إصلاح المنظمة.
وتبرز الأولوية الرئيسية للمؤتمر الوزاري الثالث عشر في البناء على إنجازات المؤتمر الوزاري السابق المنعقد في جنيف خلال شهر يونيو 2022، وذلك من خلال اختتام الموجة الثانية من المفاوضات بشأن دعم مصايد الأسماك وضمان دخول اتفاقية دعم مصايد الأسماك حيز التنفيذ، لاسيما بعد إيداع 56 عضواً بالفعل وثائق قبولهم لاتفاقية دعم مصايد الأسماك، وهو نصف العدد المطلوب لدخولها حيز التنفيذ، ويجري العمل على المزيد منها.
وتشمل أولويات التفاوض الأخرى، إصلاح نظام تسوية المنازعات وتمديد فترة الوقف الاختياري لفرض الرسوم الجمركية على عمليات النقل الإلكتروني، والتي ستنتهي إذا لم يجددها الأعضاء في المؤتمر الوزاري الثالث عشر. بالإضافة إلى ذلك، يدرس الأعضاء ما إذا كان سيتم توسيع نطاق قرار اتفاق تريبس بشأن لقاحات (كوفيد-19) المعتمدة في المؤتمر الوزاري الثاني عشر ليشمل تشخيصات وعلاجات (كوفيد-19).
مع مواصلة المفاوضات بشأن الزراعة في ظل ما يشكله الأمن الغذائي من أولوية مهمة، وذلك رغم وجهات النظر المختلفة حول قضايا مثل المخزون العام لأغراض الأمن الغذائي والدعم المحلي والوصول إلى الأسواق.
صياغة مسودات النصوص
تسهم الاجتماعات المنتظمة للمجلس العام لمنظمة التجارة العالمية، وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الأمم، واللجان وكذلك اجتماعات المجموعة والخلوات غير الرسمية التي تسبق المؤتمر الوزاري في بناء الثقة بين الأعضاء، وتسهيل التوصل إلى صياغة نهائية لنصوص الاتفاقيات التي ستقدم خلال المؤتمر الوزاري الثالث عشر.
وناقش أعضاء منظمة التجارة العالمية خلال اجتماع المجلس العام، الذي انعقد على مدار يومين في جنيف منتصف شهر ديسمبر الماضي، سبل الحد من الإعانات الحكومية الضارة، وضمان رؤية واضحة لسوق التجارة الإلكترونية العالمية، وتوسيع الوصول إلى التكنولوجيات الطبية المهمة، ومساعدة البلدان النامية، والبلدان الأقل نمواً على وجه الخصوص، على جني أكبر فوائد ممكنة من النظام التجاري العالمي.
وخلال الاجتماع، دعا الدكتور ثاني الزيودي، وزير دولة الإمارات للتجارة الخارجية، رئيس المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية، خلال الكلمة الافتتاحية لاجتماع المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية، ضرورة تكثيف الجهود لسد الفجوات المتبقية ضمن عضوية المنظمة بشأن القضايا الرئيسية التي يحتاج المجتمع الدولي، والشركات الكبيرة والصغيرة، إلى اتخاذ إجراءات بشأنها، وبناء الإجماع حول القضايا ذات الأولوية، مثل تجديد الوقف الاختياري للرسوم الجمركية على التجارة الإلكترونية، وتوسيع القدرة على الوصول إلى السلع الطبية، وتضييق الخلافات بشأن الزراعة، وتحقيق نتائج ملموسة للدول النامية، ودعم الجهود الدولية لتنشيط حركة التجارة عبر تعزيز آليات تسوية المنازعات وتبني تقنيات جديدة لتحسين كفاءة سلاسل التوريد.
مفاوضات الزراعة
ووفقاً لمنظمة التجارة العالمية، تم خلال اجتماع هيئة مفاوضات الزراعة والذي جرى بمقر المنظمة في 30 يناير الماضي، تقديم مسودة نص تفاوضي للنظر فيه من قبل الدول الأعضاء، والذي يمكن أن يكون بمثابة أساس مفيد للمفاوضات بين أعضاء منظمة التجارة العالمية قبل المؤتمر الوزاري الثالث عشر (MC13)، في الفترة من 26 إلى 29 فبراير.
وبدأت مفاوضات منظمة التجارة العالمية بشأن التجارة الزراعية في عام 2000 بموجب المادة 20 من اتفاقية الزراعة.
وأسفرت المؤتمرات الوزارية في عامي 2015 و2013 عن بعض النتائج، في حين شهد المؤتمر الأخير في عام 2022 موافقة الوزراء على إعلان بشأن الأمن الغذائي وقرار بشأن المساعدات الغذائية كجزء من حزمة أوسع. ومع ذلك، لم يتوصل المفاوضون بعد إلى اتفاق بشأن العديد من الموضوعات التي لم يتم حلها على جدول أعمال المفاوضات.
محادثات إصلاح المنظمة
وفيما يتعلق بإصلاح منظمة التجارة العالمية، عكست المباحثات الجارية اتفاق الجميع على أن منظمة التجارة العالمية بحاجة إلى الإصلاح، مع اختلاف وجهات نظر الأعضاء بشأن مجالات الإصلاح التي يمكن تلخيصها في ثلاثة مجالات، تشمل إصلاح نظام تسوية المنازعات، والتفاوض على قواعد جديدة ومراجعة القواعد الحالية، وإعادة تنشيط الوظيفة التداولية للمنظمة.
وشهدت الفترة الماضية إطلاع أعضاء منظمة التجارة العالمية على آخر التطورات في المناقشات غير الرسمية الجارية حول إصلاح تسوية المنازعات وخطط العمل للمحادثات في الأسابيع المقبلة في اجتماع هيئة تسوية المنازعات (DSB) في 26 يناير الماضي، بناء على تكليف الأعضاء في المؤتمر الوزاري الثاني عشر لمنظمة التجارة العالمية بإجراء المناقشات، بهدف وجود نظام فعال لتسوية المنازعات ومتاح لجميع الأعضاء بحلول عام 2024.
وتعتبر جميع الوفود المنخرطة في المناقشات الجارية، إصلاح تسوية المنازعات قضية ذات أولوية للمؤتمر الوزاري الثالث عشر المقبل في أواخر فبراير وما بعده، مشيدين بالعمل الذي تم إنجازه من تقدم حتى الآن في المشاورات غير الرسمية حتى الآن والذي ينبغي الحفاظ عليه لما يشكله من أهمية يمكن البناء عليها عند “إضفاء الطابع الرسمي” الذي قالت إحدى مجموعات الوفود، إنه ينبغي إضفاءه على المناقشات غير الرسمية في المؤتمر الوزاري الثالث عشر.
مفاوضات مصايد الأسماك
اتفق أعضاء منظمة التجارة العالمية في 15 يناير الماضي، على استخدام أحدث مسودة نص بشأن الحد من الإعانات التي تساهم في الصيد الجائر والمفرط، كأساس للمفاوضات قبل المؤتمر الوزاري الثالث عشر (MC13)، بهدف مساعدة الأعضاء على التوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع الأربعة المقبلة بشأن نص “نظيف” لتقديمه إلى الوزراء.
وفي 21 ديسمبر الماضي، تم تعميم أحدث مسودة نص ارتكزت على مقترحات الأعضاء ومداولاتهم، وتم إتاحة الفرصة للأعضاء في اجتماع 15 يناير الماضي لتقديم ردود أفعالهم الأولية على النص الذي مازال قيد المراجعة حتى 9 فبراير الجاري، قبل الموعد المحدد في 14 فبراير لإحالة النص المنقح إلى الوزراء في الاجتماع الوزاري الثالث عشر.
وبالإضافة إلى تنفيذ الموجة الثانية من المفاوضات بشأن مصايد الأسماك، تأمل المنظمة أن تدخل اتفاقية دعم مصايد الأسماك حيز التنفيذ بحلول المؤتمر الوزاري الثالث عشر أيضاً، حيث يعمل العديد من الأعضاء على لإيداع مصادقتهم على الاتفاقية التي تم اعتمادها بالإجماع في المؤتمر الوزاري الثاني عشر لمنظمة التجارة العالمية (MC12) الذي عقد في جنيف في 12-17 يونيو 2022، وهي تحظر دعم الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم (IUU)، وتحظر دعم صيد الأسماك الجائرة، وتنهي الإعانات المقدمة لصيد الأسماك غير القانونية وغير المنظمة في المياه الإقليمية وأعالي البحار.
صندوق تمويل مصايد الأسماك
وعقدت اللجنة التوجيهية لآلية تمويل مصايد الأسماك التابعة لمنظمة التجارة العالمية اجتماعها الأول في 31 يناير للاستعداد لتقديم المساعدة للأعضاء من البلدان النامية والبلدان الأقل نمواً لمساعدتهم على تنفيذ اتفاق دعم مصايد الأسماك، بما يضمن أن تكون المساعدة جاهزة لتقديمها بمجرد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ.
ويرتبط إنشاء الصندوق بالموجة الثانية الجارية من المفاوضات، والتي يتطلع أن يختتمها الأعضاء في المؤتمر الوزاري الثالث عشر بوضع ضوابط إضافية بشأن إعانات مصايد الأسماك التي تساهم في الصيد الجائر والمفرط للأسماك في المياه الإقليمية وأعالي المحيطات.
وجرى خلال الاجتماع إجراء مناقشات أولية حول أربعة مجالات: إجراءات الحوكمة، والمبادئ التوجيهية للمشاريع ومنح إعداد المشاريع، وخطط الرصد والتقييم، واستراتيجيات الشفافية والمشاركة. وتم إنشاء مجموعات عمل لمزيد من العمل في هذه المجالات.
ونظراً لأن الاتفاقية الجديدة بشأن دعم مصايد الأسماك ستتضمن تعديلات وتحسينات على الأطر التشريعية والإدارية لأعضاء منظمة التجارة العالمية، والتزاماتهم بالشفافية والإخطار، وسياساتهم وممارساتهم في إدارة مصايد الأسماك، فإن المادة 7 من الاتفاقية تنص على إنشاء آلية تمويل طوعية لدعم مصايد الأسماك. تقديم المساعدة الفنية المستهدفة وبناء القدرات لمساعدة البلدان النامية وأقل البلدان نمواً في التنفيذ.