أوزباكستان

آفاق الشراكة الاستراتيجية بين آسيا الوسطى ودول الخليج: من الروابط التاريخية إلى التعاون المتعدد الأطراف

بقلم د. إلدر أريبوف – مدير معهد الدراسات الاستراتيجية والإقليمية لدى رئيس جمهورية أوزبكستان

ود. عبدالعزيز صقر – رئيس مركز الخليج للأبحاث

في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي تطوراً ملحوظاً واتجاهاً تصاعدياً يعكس رغبة متبادلة في بناء شراكة استراتيجية شاملة. وقد ساهمت الإمكانات الاقتصادية الكبيرة للطرفين، إلى جانب تعزيز الحوار السياسي وتنامي الاهتمام بالروابط الثقافية والتاريخية، في ترسيخ أهمية هذا التعاون.

وشكّل انعقاد القمة التاريخية الأولى بين قادة دول مجلس التعاون وآسيا الوسطى في جدة، في 19 يوليو 2023، نقطة تحول في مسار العلاقات، حيث وضعت الأساس لشراكة استراتيجية طويلة الأمد. ومن المرتقب أن تستضيف مدينة سمرقند القمة الثانية في مايو 2025، في دلالة رمزية على مكانتها التاريخية كمركز للتبادل الحضاري والدبلوماسي على طريق الحرير.

جذور تاريخية عميقة… وتحوّل استراتيجي

ترتبط آسيا الوسطى وشبه الجزيرة العربية بروابط تاريخية تعود إلى قرون، تعززت عبر طرق التجارة القديمة وتعمقت مع انتشار الإسلام، خصوصاً من خلال بيت الحكمة في بغداد، الذي جمع علماء من الجانبين وساهم في إرساء أسس العلم والمعرفة الإسلامية. ومع مرور الوقت، أسهم علماء من بخارى وسمرقند ومرو، إلى جانب علماء الحجاز، في تشكيل نسيج فكري مشترك.

لكن مع بداية القرن السادس عشر، تراجعت هذه الروابط بفعل التحولات الجيوسياسية، قبل أن تزداد الفجوة اتساعاً خلال القرن العشرين. إلا أن استقلال دول آسيا الوسطى عام 1991 شكّل انطلاقة جديدة، حيث كانت دول الخليج من أوائل الدول التي اعترفت بسيادتها، وأكدت دعمها عبر فتح السفارات وتعزيز العلاقات الدبلوماسية.

تطور ملحوظ في العلاقات الإقليمية

منذ عام 2020، دخلت العلاقات بين الطرفين مرحلة جديدة تمثلت في إنشاء أطر مؤسسية للتعاون. فقد انعقدت قمم ولقاءات وزارية أسفرت عن اعتماد “خطة العمل المشتركة 2023–2027″، التي تحدد المسارات الرئيسية للتعاون المستقبلي.

وارتفعت الاستثمارات الخليجية في آسيا الوسطى بثلاثة أضعاف منذ عام 2022، كما توسع نطاق التعاون في مجالات التمويل الإسلامي، حيث خصص البنك الإسلامي للتنمية ما يزيد على 9 مليارات دولار لدول رابطة الدول المستقلة، وذهب منها 60% لدول آسيا الوسطى.

وعلى الصعيد السياحي، شهدت المنطقة إقبالاً متزايداً من الزوار الخليجيين، إذ ارتفع عدد السياح من دول الخليج إلى أوزبكستان من 8,300 في 2023 إلى 12,000 في 2024، بزيادة تجاوزت 44%.

وحدة الرؤية… وتشابه الأولويات

تشترك دول الخليج وآسيا الوسطى في رؤى تنموية مستقبلية، تسعى من خلالها إلى تنويع الاقتصاد والتحول من الاعتماد على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد قائم على الابتكار والمعرفة. وتنسجم رؤى التنمية في الخليج – مثل رؤية السعودية 2030 ورؤية الإمارات 2031 وغيرها – مع استراتيجيات التنمية في آسيا الوسطى الممتدة حتى عام 2050.

وتبرز تكاملية اقتصادية واضحة بين الطرفين، فبينما تتمتع دول الخليج بموقع استراتيجي كمركز طاقة واستثمار عالمي، تملك آسيا الوسطى موارد طبيعية ضخمة تشمل اليورانيوم والغاز والمعادن النادرة، فضلاً عن قدرات بشرية وإمكانات هائلة في الطاقة المتجددة.

آفاق جديدة للتعاون المشترك

رغم التقدم المحرز، لا تزال هناك فرص واعدة لمزيد من التعاون، في مقدمتها:

توسيع التبادل التجاري: بلغ حجم التجارة بين المنطقتين نحو 4 مليارات دولار في 2024، أي أقل من 1% من تجارة الخليج الخارجية. ما يبرز الحاجة إلى اتفاق تجاري متعدد الأطراف.

تعزيز الربط اللوجستي: من خلال مشاريع مثل “ممر أفغانستان”، الذي من شأنه تقليل تكاليف الشحن وربط الخليج بآسيا الوسطى بطرق مباشرة وآمنة.

التكامل الاستثماري: تتميز آسيا الوسطى باستقرار سياسي وجاذبية استثمارية متنامية، ما يجعلها وجهة مثالية لرؤوس الأموال الخليجية، خاصة في مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيا.

الأمن الغذائي: يمكن لآسيا الوسطى أن تصبح سلة غذاء لدول الخليج، التي تستورد 85% من احتياجاتها الغذائية. وتشير التوقعات إلى أن طلب السوق الخليجية سيبلغ 59.6 مليون طن سنوياً بحلول 2028.

التحول الرقمي: ثمة فرص لبناء شراكات في مجالات الحكومة الإلكترونية، الأمن السيبراني، والتقنيات المالية، إلى جانب تطوير شبكات الجيل الخامس ومراكز البيانات.

التعاون العلمي والفكري: سيُعقد أول منتدى لمراكز البحوث من المنطقتين في طشقند يومي 28 و29 أبريل 2025، بمشاركة نخبة من مراكز الفكر، في خطوة نحو ترسيخ الحوار المعرفي المنتظم.

نحو نموذج جديد للتعاون الإقليمي

إن الشراكة بين آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون لا تقوم فقط على الإرث التاريخي والثقافي، بل على تكامل المصالح الاقتصادية، ما يفتح الباب أمام صياغة نموذج تعاون حديث يقوم على التنمية المستدامة، وأمن الغذاء والطاقة، والتحول الرقمي.

زر الذهاب إلى الأعلى