مكافحة خطر الألغام الأرضية – الطريق إلى التنمية المستدامة
في عام 2020 حققت جمهورية أذربيجان انتصارًا تاريخيًا في الحرب الوطنية التي استمرت 44 يومًا وحررت أراضيها المحتلة من قبل أرمينيا قبل 30 عامًا.
ونتيجة للاحتلال المذكور طُرد أكثر من مليون أذربيجاني من أراضيهم الأم وتعرضوا للتطهير العرقي. لقد دمرت المدن والقرى في الأراضي المتعرضة للاحتلال تدميرا كاملا، وكذلك تعرضت الآثار التاريخية والثقافية والدينية للإهانة والتدمير المتعمد.
بعد انتهاء الحرب الوطنية بدأت دولة أذربيجان أعمال البناء على نطاق واسع في أراضينا المحررة من أجل ضمان عودة مواطنيها الذين أجبروا في أيام الاحتلال على ترك ديارهم الأم قبل 30 عامًا. و حاليا يتم ترميم جميع المؤسسات ذات التوجه الاجتماعي والمباني السكنية التي دمرت أثناء الاحتلال ، كما يتم بناء مدارس ومستشفيات جديدة و مؤسسات اجتماعية أخرى و إنشاء طرق السيارات وخطوط سكك حديدية و أنفاق ويتم تشغيل المطارات. و كذلك يتم بناء مدن وقرى جديدة في قاره باغ و زانجيزور الشرقية التي تم إعلانها منطقة “طاقة خضراء”.
و لكن زرع الألغام من قبل أرمينيا على مدى السنوات الثلاثين الماضية في الأراضي الأذربيجانية و استمرار هذا النشاط فيها بعد انتهاء الحرب أيضا، يعتبر من التهديدات الرئيسية لتنفيذ أعمال إعادة الإعمار واسعة النطاق في أراضي أذربيجان المحررة من الاحتلال، وكذلك يعد خطرا كبيرا للسكان العسكريين والمدنيين العاملين في تلك الأراضي، وكذلك يعرقل عودة المشردين إلى أوطانهم وعيشهم فيها بسلام.
وتجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب تدمير الأراضي المحتلة، قامت أرمينيا بدفن عدد كبير من الألغام في تلك الأراضي و نتيجة لهذه السياسة المثيرة للاشمئزاز لأرمينيا، أصبحت أذربيجان اليوم من بين أكثر بلدان العالم تلوثًا بالألغام والذخيرة العسكرية غير المنفجرة. وكذلك خلافًا للفقرة الـ 4 من البيان الثلاثي المؤرخ 10 نوفمبر 2020، واصلت أرمينيا زرع كمية كبيرة من الألغام المضادة للأفراد في أراضي أذربيجان. لأن أكثر من 2700 لغم مضاد للأفراد المكتشفة في الأراضي الأذربيجانية، مصنعة في أرمينيا في عام 2021. و معلوم أن هذه الألغام تم نقلها إلى أراضي أذربيجان من أرمينيا عبر طريق لاتشين بعد انتهاء الحرب ، و تؤدي إلى زيادة حالات سقوط الأشخاص في الألغام ليس فقط على طول خط التماس السابق بل و في مناطق أخرى أيضًا.
وفقا للتقديرات الأولية، قامت أرمينيا بدفن أكثر من 1.5 مليون لغم في أراضي أذربيجان أثناء الاحتلال. و منذ نهاية حرب قاره باغ الثانية حتى يونيو 2023 أصبح 302 مواطنًا من مواطني جمهورية أذربيجان ضحايا ألغام أرضية و منهم قُتل 57 شخصا ، وأصيب 245 بجروح خطيرة.
منذ بداية العدوان العسكري لأرمينيا على أذربيجان حتى الآن، أصيب ما مجموعه 3400 مواطن من مواطني جمهورية أذربيجان بالألغام الأرضية و منهم قتل 587 شخصا. 358 من ضحايا الألغام الأرضية في أذربيجان هم من الأطفال و 38 من النساء. وتجدر الإشارة إلى أن أرمينيا دفنت ألغاماً من نوع “فخ” في المناطق الواقعة خلف خط التماس السابق، و كذلك في الطرق والمقابر والأعيان المدنية الأخرى. و هذه الخطوة اللاإنسانية تؤدي إلى زيادة عدد ضحايا الألغام.
حتى الآن، لم تفِ أرمينيا بشكل كامل بالتزامها بتقديم خرائط للمناطق المدفونة بالألغام، و تسببت في وفاة الأبرياء وفقدان صحتهم من خلال تقديم معلومات غير صحيحة عنها. بعد توقيع البيان الثلاثي المؤرخ 10 نوفمبر 2020 أنكرت أرمينيا في البداية وجود خرائط الألغام على الإطلاق، وثم قدمت عددًا صغيرًا من تلك الخرائط نتيجة للضغط الدولي. ومع ذلك، كانت موثوقية تلك الخرائط 25٪ فقط. وتجدر الإشارة إلى أن ما يقرب من 55٪ من تفجيرات الألغام في الأراضي المحررة حدثت في مناطق خارج الخرائط التي سلمتها أرمينيا.
تقوم دولة أذربيجان بنشاط كبير من أجل التطهير من الألغام للأراضي المحررة. و تعتبر إزالة الألغام الإنسانية إحدى الأولويات الرئيسية لسياسة الدولة الأذربيجانية. وتجدر الإشارة إلى أن أساس هذه السياسة قد وضعه الزعيم الوطني للشعب الأذربيجاني حيدر علييف الذي يتم الاحتفال بالذكرى المئوية له هذا العام. بحيث أن الوكالة الوطنية لإزالة الألغام من أراضي جمهورية أذربيجان – “أناما” تم إنشاؤها بمرسوم صادر عن الزعيم الوطني حيدر علييف بتاريخ 18 يوليو 1998. و ANAMA هي حاليًا المنظمة الرئيسية التي تنفذ أنشطة إزالة الألغام الإنسانية في أذربيجان.
في 25 و 26 مايو 2023 ، عُقد في باكو المؤتمر الإنساني الدولي الثاني حول موضوع “مكافحة خطر الألغام الأرضية – الطريق إلى التنمية المستدامة”. حوالي 190 ممثلاً يمثلون 51 دولة – رؤساء الدول والحكومات السابقون وأعضاء برلمانات عدة دول وموظفو إدارة مقر الأمم المتحدة وممثلو المنظمات الدولية المرموقة والمؤسسات العاملة في مجال إزالة الألغام، فضلاً عن السلك الدبلوماسي المعتمد في أذربيجان – شاركوا في المؤتمر.
عقد الاجتماع الأول للمؤتمر في مدينة أغدام الحررة من الاحتلال. وفي إطار زيارة أغدام اطلع المشاركون على خطط إعادة الإعمار وشاهدوا مباراة لاعبي كرة القدم المعوقين الذين أصيبوا في انفجار الألغام. كما زاروا منطقة إزالة الألغام حيث تعمل “أناما” وشاهدوا فيها عملية إزالة الألغام عن طريق الانفجار.
و أكد فخامة السيد إلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان في خطابه أمام المشاركين في المؤتمر المذكور:
“على الرغم من ضخامة وتعقيد مشكلة الألغام التي نواجهها، والطريق الذي أمامنا لا يزال طويلاً ، فقد حشد بلدنا كل قوته للتغلب عليها في أقرب وقت ممكن. اليوم يتم تنفيذ أنشطة إزالة الألغام في أذربيجان باستخدام أحدث التقنيات المتاحة في العالم وأكثرها تقدمًا. تُبذل الجهود لتعزيز قدرتنا الوطنية على إزالة الألغام، وقد نمت قدراتنا في هذا المجال بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين.”
أكد الرئيس إلهام علييف أن أكثر من 90 في المائة من أنشطة إزالة الألغام في أذربيجان تتم على حساب الموارد الداخلية للبلد و شدد أن حجم الدعم الأجنبي محدود للغاية و أذربيجان تتعاون بشكل فعال مع عدد من الشركاء الأجانب في هذا المجال و أعرب عن امتنانه للدول والمظمات الدولية التي تقدمت دعما لأذربيجان.
و شدد فخامة الرئيس إلهام علييف في خطابه أن أذربيجان بالإضافة إلى حل مشكلة إزالة الألغام في أراضيها، ساهمت في عملية إزالة الألغام للأغراض الإنسانية على المستوى العالمي أيضا. كما هو معروف أن جمهورية أذربيجان، مع الأخذ بعين الاعتبار زيادة النزاعات والأضرار الناجمة عن الألغام في العالم، قدمت المبادرة لتأسيس إزالة الألغام للأغراض الإنسانية باعتبارها الهدف الثامن عشر للتنمية المستدامة للأمم المتحدة. كما أن حركة عدم الانحياز برئاسة جمهورية أذربيجان تعمل حاليًا على فكرة إنشاء مجموعة من البلدان المتشابهة التفكير والمعرضة للألغام.
ومن المعروف أن الكويت تعتبر أيضا من دول العالم المتلوثة بالألغام الأرضية وشهدت انفجارات ألغام وضحايا ألغام من حين لآخر. و تم دفن هذه الألغام أثناء الغزو العراقي للكويت. و بذلت دولة الكويت جهوداً للقضاء على خطر الألغام الأرضية، وفي عام 2008 انضمت إلى اتفاقية أوتاوا لعام 1997 بشأن حظر استخدام وتخزين وإنتاج ونقل الألغام الأرضية المضادة للأفراد.
نظرا لأن كلا البلدين يعانيان من خطر الألغام في فترة ما بعد الحرب، فمن الممكن إقامة علاقات تعاون فعالة بين أذربيجان و الكويت الصديقين في مجال مكافحة تهديد الألغام المضادة للأفراد وتبادل الخبرات فيه. لأنه كما هو مقبول على المستوى الدولي فإن حل مشكلة الألغام الأرضية في بلد معين ليس مهمة ذلك البلد فقط فحسب، بل يجب على جميع الدول والمنظمات الدولية لإزالة الألغام أن تشارك في حل هذه المشكلة.