كشفت دراسة علمية حديثة عن الآلية التي يتبعها البعوض للانجذاب إلى البشر.
وأوضحت الدراسة، التي نُشر تفاصيلها موقع «الشرق الأوسط» نقلاً عن صحيفة «إندبندنت»، أن البعوض قد طوَّر عملية لدغ البشر من خلال الاعتماد حصرياً على جزيئات الرائحة التي تميزنا عن تلك التي تنضح بها الكائنات الأخرى في البيئة المحيطة.
ولفتت إلى أن البعوض، الذي يعمل كناقل لأمراض مثل «زيكا» وحمى الضنك والحمى الصفراء، يفضل بشدة الرائحة البشرية على رائحة الحيوانات.
وطبقت الدراسة الجديدة، التي شارك فيها علماء من بينهم باحثون من جامعة برينستون في الولايات المتحدة، نهجاً جديداً من خلال تصوير أدمغة البعوض بدقة عالية جداً لمراقبة كيفية تحديد الحشرات المزعجة لضحاياها التاليين.
وصمَّم العلماء البعوض وراثياً لجعل أدمغتهم تضيء عندما تكون نشطة، وأطلقوا هواء بنكهة الإنسان والحيوان بطرق يمكن للبعوض اكتشافها أثناء وجوده داخل معدات التصوير الخاصة.
وسعى الباحثون إلى فهم المزيج الدقيق لمكونات الهواء التي تستخدمها هذه الحشرات للتعرف على الرائحة البشرية.
وقالت كارولين ليندي ماكبرايد، الأستاذة المساعدة في علم البيئة وعلم الأحياء التطوري وعلم الأعصاب، في بيان: «شرعنا في محاولة فهم كيفية تمييز هذه البعوض لرائحة الإنسان والحيوان، سواء من حيث ماهية الرائحة البشرية التي يشيرون إليها وأي جزء من الدماغ يسمح لهم بالإشارة إلى تلك الخصائص».
وأضافت: «لقد تعمقنا نوعاً ما في دماغ البعوض، وسألنا: ماذا يمكنك أن تشم؟ ما يضيء عقلك؟ ما الذي ينشط خلاياك العصبية؟ وكيف يتم تنشيط دماغك بشكل مختلف عندما تشم رائحة الإنسان مقابل رائحة الحيوانات؟».
بينما تتكون رائحة الإنسان من عشرات المركبات المختلفة، فإنها توجد أيضاً في معظم الثدييات بنسب مختلفة قليلاً.
وجمع العلماء عينات من الشعر والفراء والصوف، واستخدموا الرائحة من 16 شخصاً، واثنين من الفئران، واثنين من الخنازير والسمان وخروف واحد وأربعة كلاب.
وقالت طالبة الدراسات العليا جيسيكا زونج: «بالنسبة إلى العينات البشرية، كانت لدينا مجموعة من المتطوعين العظماء، لم نسمح لهم بالاستحمام بضعة أيام ثم جمعنا روائحهم».
وجمع الباحثون فيما بعد الروائح البشرية والحيوانية بطريقة غير مدمرة، وصمموا نظاماً يسمح لهم بتمرير الرائحة البشرية إلى البعوض.
وفي البداية، اشتبه الباحثون في أن أدمغة البعوض لديها على الأرجح تقنية معقدة لتمييز البشر عن الحيوانات الأخرى، لكن الدراسة وجدت أن العملية كانت أبسط بكثير مما يُعتقد.
وقالت ملكبرايد: «البساطة فاجأتنا. رغم تعقيد الرائحة البشرية، وحقيقة أنها لا تحتوي حقاً على أي نوع من المركبات الخاصة بالبشر، فقد طور البعوض آلية بسيطة بشكل مدهش للتعرف علينا».
وخلصت الدراسة إلى أن أدمغة البعوض التي تحتوي على 60 مركزاً عصبياً يساعد العديد منها الحشرات في العثور على طعامها المفضل.
وقال زيلي زاهوا، طالب دراسات عليا في جامعة برينستون، أحد مؤلفي الدراسة: «عندما رأيت نشاط الدماغ لأول مرة، لم أصدق ذلك، شارك اثنان فقط من (الكبيبات) في العملية، هذا يتناقض مع كل ما كنا نتوقعه، لذلك كررت التجربة عدة مرات، مع المزيد من البشر، والمزيد من الحيوانات. أنا فقط لم أصدق ذلك. الأمر بسيط للغاية».
وكشف العلماء بعد ذلك الخصائص التي كانت هذه المراكز العصبية تحددها، وجدوا أن البعوض يستخدم المراكز هذه للكشف عن مادتين كيميائيتين لهما رائحة برتقالية وحمضية قليلاً غنيتين برائحة الإنسان.
وأوضحت ماكبرايد: «بالنسبة إليَّ، إنها قصة تطورية، إذا أنشأنا اختباراً إحصائياً للتمييز بين الرائحة البشرية، فسيكون الأمر معقداً للغاية، لكن البعوضة تفعل شيئاً بسيطاً بشكل ملحوظ، وعادة ما تعمل البساطة بشكل جيد، عندما يتعلق الأمر بالتطور».