
في قلب صحراء مصر، وبين رمال أبيدوس التي ضمت أساطير ملوك مصر الفرعونية، كشف علماء الآثار عن تابوت ضخم وغامض، يهدد بإعادة كتابة ما نعرفه عن تاريخ ملوك مصر القديمة، هذا التابوت، الذي يعود لأكثر من 3600 عام، ربما كان آخر مثوى لفرعون مُحي من السجلات الرسمية، ويُعتبر اكتشافه بمثابة فرصة نادرة لإلقاء الضوء على واحدة من أكثر الفترات غموضاً في تاريخ مصر.
أعلن متحف بنسلفانيا عن هذا الاكتشاف المذهل، والذي جاء تتويجاً لجهود عالم المصريات جوزيف فيجنر، حيث عُثر على التابوت على عمق 23 قدماً، ليُعتبر الأكبر من نوعه في عصر أسرة أبيدوس، ورغم احتواء التابوت على نقوش ورسومات، إلا أن آثار النهب القديم أدت إلى محو اسم الملك المدفون، ومازالت هوية من بداخله لغزاً تستعصي على الحل وفق موقع ديلي جالاكسي.
غموض ملكي
على عكس المدافن الملكية الأخرى، لاتوجد أي بقايا هياكل عظمية، مما يزيد من غموض الأمر، ويشتبه الباحثون في أن هذه الغرفة ربما كانت تابعة للملك سنيب أو الملك بانتجيني ، وكلاهما ذُكر بشكل خافت في السجلات المجزأة، ومع ذلك، يبقى الاحتمال قائمًا بأن المقبرة ربما تضم فرعوناً مجهولاً تماماً، مما يعزز سمعة الأسرة الحاكمة الغامضة.
لغز سلالة أبيدوس
اقترح عالم المصريات كيم ريهولت سلالة أبيدوس لأول مرة عام 1997، حيث أشار إلى أن هذه السلالة حكمت صعيد مصر خلال حقبة ممزقة بين عامي 1640 و1540 قبل الميلاد، ولقرون، تجاهلت السجلات السائدة هذه السلالة من الملوك، وقدمت بدلاً من ذلك سرداً متقناً للوحدة التي شكلها الحكام اللاحقون.
أكد علماء الآثار حقيقة هذه السلالة قبل عقد من الزمان فقط باكتشاف مقبرة الملك سينب كاي، وحتى الآن، كانت مقبرة سينب كاي هي الوحيدة التي تحمل اسماً واضحاً، مما يجعل حجم هذه المقبرة الجديدة وموقعها ذا أهمية خاصة، ويشير حجمها المعماري الأكبر إلى أن شاغلها كان قبل سينب كاي، وربما كان أحد الحكام المؤسسين لهذه السلالة.
كانت أبيدوس، مثوى أوزوريس الأسطوري، من أهم مقابر مصر القديمة، دفنت السلالات الحاكمة على مر القرون حكامها تحت جبلها الهرمي الطبيعي، فبنوا مقبرةً مترامية الأطراف تُعرف باسم “مدينة الموتى”.
يُعزز هذا القبر الجديد الحجة القائلة بأن أبيدوس كانت تضم مقبرة ملكية مركزة خلال العصر الانتقالي الثاني، ووفقاً لسليمة إكرام، أستاذة علم المصريات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن اكتشاف التابوت يُقدم رؤية نادرة للعمارة الملكية، والطقوس الجنائزية، والنظام الأسري.
إعادة كتابة السجل التاريخي لمصر
من أبرز جوانب ملوك أبيدوس غيابهم عن قوائم ملوك مصر الرسمية، فقد أوضحت لوريل بيستوك، عالمة المصريات بجامعة براون: “عندما نعثر على هذه الآثار، يُظهر لنا ذلك مدى قصور هذا السجل التاريخي الدقيق والمتسلسل – فقد كُتب في الواقع، ليس بهدف الدقة، بل لدعم وجهة نظر معينة للملوك اللاحقين الذين وحدوا مصر”.
وأشارت أيضاً إلى أن اكتشافات كهذه تُبرز تحيز السجلات التاريخية، لأن هذه المقبرة الجديدة تقدم روايةً مُضادة، تُظهر أن تاريخ مصر كان أكثر تجزئةً وتعقيداً مما كان يُعتقد سابقًا، يُضيف كل أثر مُكتشف سياقًا لا يُمكن استخلاصه من السجلات الرسمية.
15 ملكاً مصيرهم مجهول
يخطط الباحثون لمسح أكثر من 100 ألف قدم مربع من صحراء أبيدوس، باستخدام أدوات مثل رادار اختراق الأرض وقياس المغناطيسية لتحديد الغرف المخفية، ويقدر ويجنر أن ما يصل إلى 12 إلى 15 ملكاً ربما لا يزالون مدفونين في المنطقة، في انتظار إعادة اكتشافهم.
يُبرز هذا الاكتشاف الطبيعة غير المتوقعة لعلم الآثار: فكلما تعمق الباحثون في رمال أبيدوس، ازدادت أهمية سلالات مصر الحاكمة المُهمَلة، وسواءٌ تأكدت الهوية الحقيقية لهذا الملك أم لا، فإن المقبرة تُمثل بالفعل نقطة تحول في فهم أحد أكثر عصور مصر غموضًا.