لفت مركز الشال للاستشارات الاقتصادية إلى انتهاء دراسة تقدير حجم العجز الاكتواري لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، حيث بلغ رصيد عجزها، وفقاً لتصريح وزير المالية، نحو 24 مليار دينار، منوهاً إلى أن ما حققته «التأمينات» من أرباح استثنائية في سنة واحدة العام الماضي، وكل ما حققته قبلها، وكل تمويل الخزينة العامة لاشتراكات العاملين ليس فقط لم تخفض العجز، وإنما زاد.
وأوضح «الشال» في تقريره الأسبوعي أنه قبل نحو سنتين، كانت الخزينة العامة عاجزة عن سداد الاشتراكات لنظام التأمينات، إذ أعلنت الحكومة تحذيراً بأنها قد تعجز عن سداد أجور ورواتب العاملين، مبيناً أنه بعدها ومع ارتفاع موقت لأسعار النفط، صرفت مليارات شعبوية وآخرها التزام بدفع 500 مليون دينار سنوياً من الخزينة العامة لتغطية العجز الاكتواري بعد توزيع أكثر من 600 مليون من رصيد صناديقها.
وأشار التقرير إلى أن العجز سيسدد على 48 قسطاً، أي على مدى 48 عاماً ما لم يتزايد عجز الصناديق، مبيناً أن خلاصة ما تقدم يعني دخول الكويت مصيدة الديون.
مخرج مشروط
وذكر أن سداد العجز بالأراضي مخرج، ولكنه مشروط بالتزامن مع توازن النظام تلقائياً، بمعنى أن تصبح صناديق «التأمينات» قادرة على خفض متصل وكبير لعجوزاتها من حصيلة الاشتراكات ومن دخل الاستثمارات، ليأتي السداد العيني بعدها عاملاً مسانداً.
وقدّر «الشال» أن أقصى ما يمكن أن تحصل عليه «التأمينات» من أراضٍ قابلة للاستثمار التجاري تحقق استثمارها عائداً مالياً مناسباً إلى جانب العائد الاقتصادي، أي فرص العمل المستدامة وحصيلة ضريبية على الأرباح وما إليها، ومن دون الإخلال الجوهري بوضع السوق التنافسي، لن يتعدى 10 في المئة من حجم العجز الاكتواري الحالي، أو توفير نحو 5 سنوات من أصل 48 سنة لسداد عجزها من الخزينة العامة.
وأضاف «مشكلة التبشير بالسداد العيني أنه يبني آمالاً وردية واهمة، مثل شعار (كويت جديدة 2035)، والكويت (مركز مالي وتجاري) و(تعليم وإنتاجية سنغافورية)، ثم تبحث وتكتشف أنها صحيح (كويت جديدة)، ولكنها أسوأ، و(مركز مالي وتجاري) ولكنه يتخلف بمرور الزمن ضمن المؤشرات العالمية، و(تعليم) يصرف عليه بمستوى فنلندا، ولكن مخرجاته بمستوى أوغندا»، لافتاً إلى أنه عندما يحين موعد القيام بحساب العجز الاكتواري القادم، بعد بضع سنوات، وفي زمن تصبح فيه أسعار النفط وإنتاجه أدنى، ستخلص الدراسة إلى أن العجز الاكتواري قد ازداد، وفي زمن عادت فيه الموازنة العامة إلى عجز متصل.
حل مؤجل
وأفاد التقرير بأنه في نهاية الأسبوع الفائت، صدرت نوايا حل مؤجل قليلاً لمجلس الأمة، موضحاً أن مجلس الأمة إن صدر قراره فذلك يعني علاجاً لآفة شلل الإدارة العامة الذي استمر سنة ونصف السنة، كما يعني أن إدارة عامة جديدة سترى النور، مؤكداً أنه كان نية مستحقة وقراراً صحيحاً زرع نفحة أمل وشعوراً بتفاؤل.
وتابع «نعتقد جازمين بأن كل ما يفصل الكويت، ليس فقط عن النهوض، وإنما التفوق، هو إدارة نزيهة وكفؤة، وصلب التغيير الذي قد يحقق استدارة إيجابية كاملة، هو التشكيل الحكومي المنتظر، فإن نبذت الكويت نهج الجينات والمحاصصة في تشكيل مجلس الوزراء القادم، سيتبعه نبذ تعيينات البراشوت فيما دونه من مناصب، ومع ماضي الكويت المتفوق، ومع ما تملكه من قدرات شابة وموارد، قد تعود إلى موقع البلد الذي كنا نفخر ونفاخر به، فأولوية الاهتمام والسياسة والقرار ستصبح لديمومة البلد وليس المنصب».
بيان «الاقتصادية»
من جانب آخر، تناول «الشال» بيان الجمعية الاقتصادية الكويتية حول العجز الاكتواري لـ«التأمينات» وجلسة المتقاعدين، موضحاً أن الجديد والجيد في البيان أن الجمعية أصبحت تقوم بدور إيجابي في نقد السياسات الاقتصادية والمالية للدولة، وهو دور في صلب اختصاصها، وأمر لا نملك سوى شكرها عليه.
وأشار التقرير إلى أن البيان يذكر أرقاماً حول المشمولين بنظام التقاعد، تبدو دقيقة وإن كانت قديمة، وتشير إلى أن عدد المُؤمّن عليهم من غير المتقاعدين حتى مارس 2019 بلغ نحو 382 ألفاً، ما يعني أنهم باتوا أكثر من 430 ألفاً الآن بعد أكثر من 3 سنوات، وتلك هي الشريحة التي تدفع اشتراكات خلافاً للمتقاعدين أو ورثة المتقاعدين.
وذكر أن ما يُقتطع من أرصدة صناديق «التأمينات» حالياً هو اقتطاع من قدرة هذه الصناديق لاحقاً على دفع استحقاقات للمُؤمن عليهم حالياً ولاحقاً، لذلك تبدو دعوة الجمعية لإصلاح نظام التأمينات لضمان استدامته دعوة صحيحة، كما تدعو الجمعية إلى شفافية المعلومات حوله، وإلى تطوير مفهوم الشفافية لكي يصبح مهنياً مؤسسياً بتكليف طرف محايد يتولى تقييمه دورياً، وذلك أيضاً في تقدير «الشال» توجهاً صحيحاً حتى لا تصبح أوضاعه هدفاً للمغالطات والمشاحنات السياسية.
وتختتم «الاقتصادية» بيانها بدعوة صحيحة عندما تذكر بأن الوطن لا يُبنى على الهبات، فهو ليس ملكية خاصة، وبما معناه أن الوطن هو الدائم، والاهتمام يفترض أن يكون عاقلاً ومتوازناً بين الحاضر والمستقبل.
وأكد «الشال» أن ضرر شراء رضا وولاء الحاضر تكلفته قاسية على مواطني المستقبل، حيث يتشارك في هذا الرأي معظم الجهات والأفراد المختصين، مضيفاً «المؤكد أن نظام التأمينات بوضعه الحالي غير مستدام، ولا فرق من أين يأتي تمويل عجوزاته إن استمرت، فإن عجزت المالية العامة، سيصيب ذلك نصيبها من اشتراكاته الجارية وليس فقط قدرتها على الالتزام بدفع نصف مليار دينار سنوياً لخفض عجوزاته».
ارتفاع الإنفاق الأمني لا يعني زيادة بالسّلم الداخلي
تطرق تقرير «الشال» إلى «مؤشر حالة السلم العالمي» لسنة 2022 الذي أصدره «معهد الاقتصاد والسلام»، ويعتمد تصنيفه للدول على 23 مؤشراً نوعياً وكمياً فرعياً، مشيراً إلى أن نتائج المؤشر أظهرت تحسن 10 مؤشرات وتدهور 13، فيما يتوقع المعهد أن تسوء المؤشرات في المستقبل القريب بسبب التهديد الذي تمثله حالة الاقتصاد العالمي تنيجة تنامي الضغوط التضخمية واحتمال انتكاسة للأداء الاقتصادي بتداعياتها على حالة السلم في كل دولة.
وذكر التقرير أنه من الأرقام المنشورة حول نفقات التسلح لقوات الأمن الخارجي أو الداخلي، لا يبدو أن هناك معامل ارتباط موجب قوي بين حجم الإنفاق العسكري وحالة السلم الداخلي، فالعشر الأوائل من الدول المصنفة في المستوى العالي جداً في حالة السلم الداخلي، بينهم دولة واحدة فقط ضمن العشر الأعلى إنفاقاً عسكرياً مقاساً بنصيب الفرد منه، وهي سنغافورة.
وتضم قائمة الدول العشر الأفضل سلاماً داخلياً آيسلندا ونيوزيلندا وايرلندا والدنمارك والنمسا والبرتغال وسلوفينيا والتشيك وسنغافورة واليابان، أما الدول العشر الأعلى إنفاقاً عسكرياً مقاساً بنصيب الفرد الواحد، فهي الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وقطر وسنغافورة والإمارات والسعودية وعمان والكويت والنرويج وأستراليا، وضمنها تأتي النرويج بالترتيب 17، أي مستوى عالي للسلم الداخلي، ثم قطر بالترتيب 23 والكويت بالترتيب 39.
وأفاد «الشال» بأنه ضمن الدول العشر التي فيها مستوى السلم الداخلي منخفض جداً، 5 دول عربية هي اليمن وسورية والعراق والصومال والسودان، وأن التكلفة الاقتصادية لارتفاع مستوى العنف فيها مرتفعة أيضاً، ففي سورية تبلغ التكلفة نحو 80 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وفي الصومال 33 في المئة، واليمن 23 في المئة، والسودان 21 في المئة، والعراق 13 في المئة.
وتابع «الغرض من سرد بعض خلاصات التقرير الخلوص إلى أن النمو والرخاء الاقتصادي دالة طردية مع مستوى السلم الداخلي، وأن ارتفاع الإنفاق الأمني والعسكري علاقته ضعيفة وأحياناً عكسية مع مستوى السلم الداخلي باستثناء سنغافورة الخالية نفقاتها من الهدر والفساد»، موضحاً أن المثال القاطع في عالمنا المعاصر هو أن الولايات المتحدة هي الثانية في العالم من حيث نصيب الفرد من الإنفاق العسكري، ولكنها متخلفة في سلمها الداخلي وبالمرتبة 129 من أصل 163 دولة شملها المؤشر، حيث دخلت أميركا 13 حرباً وصرفت عليها 14 تريليون دولار منذ نهاية الحرب العظمى الثانية، بينما لم تدخل الصين حرباً واحدة، وخلال نحو 40 عاماً، أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد 30 سنة منها، وبعد عقد أو أكثر قليلاً، ستكون في المرتبة الأولى بحجم اقتصادها.