متناقض مفهوم الضحك في مجتمعاتنا بين “اضحك تضحك لك الدنيا”، و”الضحك بلا سبب من قلة الأدب”، وبين هذين المفهومين علق الضحك في أزمة الأحكام في المجتمع، وبين أسئلة كثيرة تختلف بين المجتمعات وثقافته، فما المضحك، وما أدبيات الضحك، ومن يضحك، ومن يكتفي بالابتسامات، وما الأصوات المقبول إصدارها أثناءه؟ وعُرف الإنسان في علم المنطق بالـ “الحيوان الضاحك”، ومع هذا فإن المجتمع هذّب ضحكه وشذبه.
الضحك كفعل اجتماعي
يحاول الأهل تعويد الطفل على الضحك منذ ولادته، ويفرحون في ابتساماته الأولى وأصوات الضحك التي يصدرها، وما إن يكبر الأولاد حتى يقنن الأهل والمجتمع هذا الضحك، ويضعوا له معايير وأدبيات ومناسبات صالحة لإطلاقه، حتى ليُظنّ أن مَن يضحك كثيراً يفقد هيبته.
والواقع أن الضحك فعل اجتماعي ونفسي وبيولوجي يسبق الفكاهة، يتشارك فيه الجنس البشري مع القرود العليا أو الشمبانزي، كما يعتبر الباحث في السلوك البشري وعالم الأعصاب الأميركي روبرت بروفين مضيفاً أن الضحك طريق إلى الصحة السليمة بخاصة في الأمراض العصبية، كما يقترح كيفية تغيير البيئات لزيادة الضحك، ويتحدث في كتابه “الضحك: تحقيق علمي”، عن الضحك كقيمة علمية معتبراً إياه جزءاً من المفردات البشرية العالمية التي يتحدثها جميع سكان الكرة الأرضية.
والضحك عدوى مثل التثاؤب وكتب عنها وشرحها علمياً بروفين أيضاً، وقد أجري عدد من الأبحاث والتجارب في العدوى بالضحك، والنتيجة كانت راجحة دائماً في كفة الضحك العابر للأشخاص.
وللضحك وجه أضيء عليه، أخيراً، في فوائده، ووُثّق في التاريخ بأشكال مختلفة، وكانت الكوميديا أو الملهاة عنصراً موازياً للتراجيديا أو المأساة في تاريخ الإغريق.
وقد يكون انتشار الكوميديا في المسرح والسينما استدراجاً وافتعالاً للضحك، حتى أن بعض المسلسلات الكوميدية تسجل ضحكات على بعض المواقف في محاولة لحث الناس على الضحك عليها أيضاً عن طريق هذه العدوى.
واعتُبرت بعض المسرحيات الكوميدية التي تتناول الأوضاع السياسية كمتنفس للشعب الذي يضحك على أوضاعه المعيشية، ويُظن أنها أحياناً كانت خطة من الحكومات لتنفيس الشعب في الضحك بدل التظاهرات.
التجهم كرد فعل
تقول إلهام جميل، إنها لا تضحك إلا لنكتة أو غلطة غير مقصودة وعلى التعثر والوقوع أيضاً، وإن ضحكة أهل القرى أقرب وأسرع من أهل المدن، فهم يضحكون لأسباب بسيطة، وقد يكونون منسجمين أكثر مع انسياب الطبيعة والمساحات الأوسع، وقد يكون قرب البيوت في المدن جعل الضحكات أقل وبصوت خافت.
ناهد عبود تخبر أنه لطالما خجلت بضحكتها وكتمتها من منطلق أنها تهدد أنوثتها ورقيها، بخاصة أن ضحكتها تفلت منها أحياناً وتسبب لها الحرج. وقد تدربت على كتمانها لدرجة أنها أصبحت متجهمة الوجه، وتقول إنها تخشى إذا ابتسمت أن تفلت منها كل الضحكات المكبوتة، وأحياناً تضحك وحدها في المواقف المحزنة بشكل هستيري، وغالباً ما توصي ابنتها ألا تكتم حزنها أو ضحكها حتى تشعر بحرية مشاعرها.
ويخبر صالح قاسم أنه بدأ في شبابه يتجهم من دون سبب ربما لفرط الجدية، وفي العمل كان يُسأل دائماً لمَ هو حزين؟ وفي الواقع لم يكن حزيناً ولكنه جديّ، عندما هاجر من لبنان إلى دبي كان الناس يظنون أيضاً أنه حزين، فبدأ يقرأ عن عضلات الوجه وتمارين الابتسام، وبدأ يضع في فمه قلماً بالعرض طيلة فترة قيادة السيارة من وإلى العمل أي نحو الساعة في اليوم، وبدأ يراقب نفسه على المرآة، ووجد أنه بالكاد يبتسم على الرغم من أنه كان يعتقد أنه يضحك، كما قرأ عن جلسات الضحك في اليابان، فكان يجلس مع أولاده ويبدأون بالضحك من دون سبب، أو “نخبر نكات سخيفة ونضحك. فشعرت أن العضلات تفكفكت بعد سنوات وذهبت تعابير العبوس”.
الضحكة الفضيحة
وتخبر ربى الضيقة أن ضحكتها كانت علامة مميزة منذ طفولتها، ولطالما علق والدها وإخوتها وأقاربها وأساتذتها وأصدقاؤها في المدرسة عليها، منهم من أشاد بها ومنهم من اشتكى منها، “لم تكن بصوت عال فحسب، بل كان لها صدى، وهي غير إرادية وحاضرة في معظم الأوقات، حتى في المواقف الحزينة لا يمكنني إخفاء ابتسامتي أو ضحكتي، ولم أعمل حتى على ذلك”.
لم تسمح ربى لأي تعليق أن يخفف صوت ضحكتها، وكانت، وما زالت تردد، “هذه أنا وهذه ضحكتي، ولن أفعل أي شيء إزاء ذلك”، وتقول إن كثيرين من الناس يجدونها مليئة بالحياة ومعدية، ولكنها تزعج بعض الناس وكذلك الذين يفضلون العبوس في معظم أوقاتهم، وكأنها تهديداً لهم، وتشير إلى أن بعض الناس ذهب بعيداً لتحليل ضحكتها على أنها غطاء للتنفيس عن الاكتئاب، لكن بالنسبة لها فهي تعلم أنها ولدت بها، “أنا فقط هكذا منذ أن جئت إلى هذه الحياة”، وتخبر أن كلمة فضيحة رافقت معظم ضحكاتها في وصف ممن حولها.
يوغا بالضحك
كانت حياة سابين جيزي تمر بشكل اعتيادي، وكانت تعمل في العلاقات العامة والتسويق في الجامعة الأميركية في بيروت، وبالصدفة قرأت كلمة “laughter yoga” ما جعل قلبها يدق بسرعة، وكأن هذا الشيء الذي يناديها، أو كأنها موجودة لأجله في الحياة.
تخبر سابين أنها اتصلت بمؤسس هذه اليوغا مادان كاتاريا الطبيب الهندي، وأخبرته أنها تريد أن تتعلم “يوغا الضحك” وتطلقها في العالم العربي “لأننا بحاجة إلى إيجابية”، فدعاها إلى ورشة عمل في ألمانيا حيث نالت شهادة في التدريب وإعطاء الشهادات لمن يحب أن يدرب عليها.
وتعتبر سابين أن “يوغا الضحك” فكرة مميزة وفريدة من نوعها، ترتكز على تمارين تنفس مثل التنفس أثناء اليوغا، أي التنفس من الأنف والزفير من الفم، إضافة إلى تمارين ضحك من دون سبب، وتحتاج إلى مجموعة لا تقل عن 10 أشخاص، وكلما كبرت المجموعة كانت أفضل، “مَن يشاهد مجموعة تمارس يوغا الضحك يجد الأمر سخيفاً ربما، لأننا عادة نأخذ أنفسنا بجدية عالية، والأنا عندنا عالية”.
وعن التدريب تشرح أنه يكون إما في نادٍ أو مؤسسات أو جامعات أو مدارس أو مستشفيات، والحصة لا يشاهدها الأشخاص من بعيد كي لا يحكموا عليها بل يشاركون بها، “نضحك معاً مع بعض وليس على بعض، فيشعر الجميع بالأمان والإيجابية ويستفيدون، وحتى الأشخاص الذين لا يريدون الضحك ينسجمون خلال ثوانٍ معدودة. بخاصة أن الضحك معدٍ ويُدخل الأشخاص في الجو مباشرة”.
الضحك المفيد
تشير سابين إلى أن الناس لا يضحكون كفاية، إذ لجعل الضحك مفيداً، يحتاج الشخص إلى ضحك متواصل لمدة 15 دقيقة تقريباً في اليوم، أما الناس فعادة لا يضحكون في يومهم إلا ثوان بسبب نكتة أو موقف.
ولـ”يوغا الضحك” منافع عدة يستطيع الجميع الاستفادة منها، فالطلاب عندما يضحكون يفرغون الضغوط ويصبحون أكثر إبداعاً، ويتعزز الانتباه والتركيز، كما يصبح الجو أفضل في الصف والعلاقة أفضل بين الطلاب والأساتذة، والجو إيجابي من دون توتر وتحدٍ.
وتطلب منها المدارس والجامعات غالباً حصصاً قبل الامتحانات المهمة أو الرسمية.
فوائد الضحك
وتفيد سابين أن “يوغا الضحك” تحارب الضغط النفسي، “فعندما نضحك نتنفس، وعندما نقول “هاهاها” فهي مثل الزفير في الوقت ذاته، يدخل الأكسجين إلى الجهاز التنفسي ويخرج ثاني أكسيد الكربون، وهي تزيد المناعة، إذ عندما نضحك يطلق الجسم “هرمون إندورفين” ويعزز المناعة فيخف المرض، ويتخلص من الألم بطريقة أسهل”، لذا تعمل سابين أيضاً مع المرضى في المستشفيات ومع الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة أو المستعصية لخلق ابتسامة وسبب للضحك وللشعور أنهم بخير.
كما تعمل مع الشركات في حصص من “يوغا الضحك” يشارك فيها المديرون والموظفون لأنها “تخلق جواً رائعاً في المكتب، ويصبحون أكثر إنتاجية وطاقة، وزيادة الإنتاجية تعني زيادة المال وعلاقة أفضل بين الجميع، هذه الإيجابية تفيد الأشخاص والشركات”، وتؤكد سابين أن “يوغا الضحك” تحرق سعرات حرارية.
“يوغا الضحك” والإيجابية
وتعتبر سابين أن الإيجابية التي سببتها لها “يوغا الضحك” جعلتها تجذب أشخاصاً مثلها إلى حياتها، ما شكل لها علاقات وصداقات رائعة، وأصبحت الأمور الجيدة تأتي إلى حياتها من دون جهد “لأن موجات الطاقة الإيجابية أصبحت أعلى”.
وتعتبر أن هذا لا يعني أنها تضحك كل يوم، وأنها لا تتأثر بالأمور المحزنة إلا أنها تحاول أن تحمي نفسها كي لا تتأثر بعمق وتلهي نفسها كي لا تؤثر على عافيتها، وتقول إننا عندما نكون بخير نستطيع مساعدة من حولنا، وعندما نكون مسرورين نصبح أفراداً أفضل.
بدأت بالنكات واستمرت
حصص “يوغا الضحك” عامة يكون وقتها بين نصف ساعة وساعة واحدة من ضمنها 10 دقائق تأمل.
وتخبر سابين أن هدف مادان كاتاريا كان البرهنة أن الضحك خير علاج، وكان يذهب كل صباح إلى حديقة قرب بيته في مومباي في الهند ويجمع ثلاثة إلى أربعة أشخاص ويخبرون بعضهم النكات ويضحكون، وبقي الأمر لمدة 10 أيام وانتهت النكات، فابتكر “يوغا الضحك” لأنها ضحك بلا سبب، مستوحىً من الأولاد الصغار، فهم يلعبون ويضحكون بلا سبب، فاخترع تمارين يتماهى بها الناس مع الأطفال.
وتنصح سابين بممارسة “يوغا الضحك” لأنها تعطي الفرصة للضحك طويلاً، ولشحن الجسم بالطاقة.