Site icon Q8-Press

من السهوب إلى الشاشات العالمية…قصة صعود الاقتصاد الإبداعي الكازاخستاني

عبدالحميد حميد الكبي

في ليلةٍ واحدة من ليالي أستانا، توقّف 120 مليون إنسان في أنحاء العالم أمام شاشاتهم، يشاهدون الحدث نفسه، يسمعون اللحن نفسه، ويصفقون للصوت نفسه.

لم تكن تلك ليلةً عادية، ولم يكن المسرح مجرد خشبة. كان طريق الحرير يُعاد رسمه بالأنوار والأصوات، وكانت كازاخستان البلد الذي عُرفت خرائطه لقرون كممرٍ بين الشرق والغرب تتحوّل أمام أعيننا إلى قلبٍ نابض يصنع المحتوى ويصدّره للعالم.

وفي اللحظة التي صعد فيها ديماش كودايبيرجين إلى المنصة، ابن السهوب الذي صار صوته يعانق السماء، نطق الاسم الذي سيُكتب في التاريخ:
الفائزة ميشيل جوزيف منغوليا!
فارتجف المسرح، وارتجفت معه 120 مليون قلب،
وكأن السهب نفسه قال في تلك الثانية:
الآن بدأ طريق الحرير الجديد.

من تحت قبّة السماء الزرقاء حيث يولد النسرُ
انبعث صوتٌ فمزّق ستار الصمت الألفي
لم يكن صوتَ إنسانٍ فقط بل صوتَ أمّةٍ استيقظت
فارتجفت له جبالُ تيان شان وابتسمت له بحورُ قزوين، وارتفع فوق السهوب نسرٌ ذهبيّ يحمل على جناحيه، ليس حريرًا من قماش بل حريرًا من ألحان
فطار به من أستانا إلى أقاصي الأرض
حتى سمعته شنغهاي في خيامها الحديثة
وغنّت معه كوالالمبور لحنَ الخيول البرية.

وقالت الشعوبُ مجتمعةً:
ها هو طريقُ الحرير قد عاد
لكن هذه المرة يمرّ بالقلوب لا بالجبال.

اللحظة التاريخية التي غيّرت كل شيء
في 16 يونيو 2025، وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أستانا، وقّع فخامة الرئيس قاسم جومارت توكاييف بنفسه وثيقة إطلاق المشروع الموسيقي الدولي «Silk Way Star».

لم تكن مجرد اتفاقية تعاون إعلامي، بل رؤية استراتيجية شخصية عميقة من الرئيس توكاييف الذي جعل الثقافة سلاح دبلوماسية ناعمة وأداة للاستقلال الاقتصادي الإبداعي. تحت قيادته، بُني الفريق الإنتاجي محليًا 100% لتبقى الصيغة والحقوق والأرباح كازاخستانية خالصة، ولتحوّل البلاد من ممرّ تاريخي إلى مركز إبداع إقليمي يصدّر المحتوى للعالم.

الرؤية تكلّلت في النهائي بحضور جماهيري غير مسبوق، وصعد مستشار الدولة إرلان كارين في قصر أكوردا ليقرأ رسالة الرئيس أمام الملايين ثم يسلّم جوائز الرئاسة، مؤكدًا أن هذا المشروع مثال ساطع للدبلوماسية الثقافية الكازاخستانية الجديدة.

صعد مستشار الدولة إرلان كارين إلى منصة قصر أكوردا الرئاسي، قرأ رسالة الرئيس توكاييف بصوتٍ يسمعه الملايين في اللحظة نفسها، ثم رفع الجوائز الذهبية بيديه، وكأنه يرفع رايةً جديدة فوق السهوب:
هذا ليس برنامجاً ترفيهياً، جهذا هو الوجه الجديد لكازاخستان، دولةٌ لا تطلب مقعداً على طاولة العالم، بل تبني الطاولة، وتضع عليها دومبرا، وتقول للجميع: تفضلوا الآن نتحدث لغتنا.

الإبداع الكازاخستاني في كل ذرة ضوء وصوت
كل لقطة كانت تحمل بصمة كازاخستانية فخرًا:
أكثر من 500 زيّ فريد، 70% منها مطرّز يدويًا بأيدي 40 حرفيًا بقيادة أناربيك زارديموف؛
مسرح صمّمه قاسم خان ألداشيف كاستعارة حية لطريق الحرير، مسار ضوئي يبدأ من الأرض ويصعد دوامة نجمية؛

دومبرا وقوبز تُعزف حيًا في الكواليس لتمتزج إيقاعات منغوليا والصين والقوقاز؛
مخرجون، مهندسو صوت، مصممو رقصات، كلهم كازاخستانيون 100%.

فنانون من 12 دولة وقفوا على المسرح نفسه، فصنعوا لوحة أوراسية واحدة.

وميشيل جوزيف قالت باكية: بدأنا تسجيل أغنية بالكازاخستانية وأحلم بدويتو مع ديماش. في تلك اللحظة تحولت من فائزة منغولية إلى سفيرة للصوت الكازاخستاني الجديد.

أرقام لا تكذب بل تصرخ
120 مليون مشاهدة في ليلة النهائي
أكثر من 300 مليون مشاهدة إجمالية
143 مليون تفاعل
43 دولة توقّع عقود بث وتراخيص
استثمارات أجنبية مباشرة تجاوزت 60 مليون دولار في 6 أشهر
استوديوهات أستانا وألماتي محجوزة بالكامل حتى منتصف 2027
آلاف الوظائف الجديدة تحت شعار واحد: صُنع في كازاخستان.

دبلوماسية الألحان
عندما يرقص أرمني مع أوزبكي على إيقاع دومبرا،
وتغنّي جورجية مع صينية بلحنٍ يمزج القوقاز والهضبة الصفراء،

ويرفع كازاخستاني علم بلاده وهو يصفق بحرارة لمغنية ماليزية ترتدي زيًا مطرّزًا بأيدي نساء ألماتي
يحدث سلامٌ حقيقي لا تستطيعه أي اتفاقية سياسية.
في تلك اللحظات اختفت الحدود، وصار هناك 12 دولة، 12 لغة، 12 ثقافة صوتٌ واحد.

كازاخستان لم تعد تطرق باب طاولة الكبار،
بل بنت طاولةً من خشب السهوب وأوتار الدومبرا،
ودعت العالم قائلةً بثقة: تعالوااجلسوا وغنّوا معنا.

لم يعد «Silk Way Star» مجرد برنامج، بل دراسة حالة تُدرّس في أكاديميات الإعلام العالمية كيف بنت دولة في قلب أوراسيا، في سنتين فقط، صناعة ترفيهية تنافس العمالقة بأيدٍ محلية 100% وميزانية زهيدة ثم حققت 120 مليون مشاهدة في ليلة و300 مليون إجماليًا، ووقّعت عقودًا في 43 دولة
اليوم الاستوديوهات محجوزة حتى 2027، والشركات الكازاخستانية تُصدّر خدماتها إلى الصين وتركيا والهند، والاستثمارات تتدفق، وآلاف الشباب يعملون تحت شعار واحد صُنع في كازاخستان.
لكن وسط الأرقام الباردة، يبقى صوتٌ دافئ يعلو:
رفرف يا نسرُ فوق تيان شانْ
واسمعْ صوتَ الدومبرا في كلّ مكانْ
من أستانا بدأنا وإلى الأفق وصلنا
والقلبُ الكازاخ لا يزال يغنّي الآنْ
لأن كازاخستان لم تكتفِ بأن تكون خبرًا اقتصاديًا ناجحًا،
بل أصرت أن تكون قصيدةً تُروى على لسان الأجداد والأحفاد،
قصيدة تُكتب بالأرقام نهارًا…
وتُغنّى بالدومبرا ليلاً.
والعداد مستمرّ
والنسر ما زال يحلّق
والقلب الكازاخي لن يصمت أبدًا.

القصة لم تنتهِ…
لقد بدأت للتو. 🇰🇿

Exit mobile version