عبدالحميد حميد الكبي
تتألق منطقة مانغيستاو في شمال غرب كازاخستان كوجهة سياحية ساحرة تجمع بين الجمال الطبيعي الخلاب والتراث الثقافي العريق، مما يجعلها واحدة من أكثر المناطق تميزًا في البلاد.
تشبه في ظاهرها شبه الجزيرة العربية بصحرائها الشاسعة، لكنها تمتاز بتنوع جيولوجي وتاريخي يأسر الزوار، حيث كانت في الماضي البعيد قاع محيط تيثيس القديم. ومع خطة تنموية شاملة أقرتها الحكومة الكازاخستانية مؤخرًا لتطوير السياحة في المنطقة بين 2025-2029، تستعد مانغيستاو لاستقبال المزيد من الزوار وتعزيز مكانتها كوجهة عالمية.
حيث تتميز مانغيستاو بتنوع تضاريسها الجيولوجية الفريدة التي تجعلها تبدو ككوكب آخر. تضم المنطقة هضبة أوستيورت الشاسعة التي تمتد على 200,000 كيلومتر مربع بمنحدرات ترتفع 300 متر، وجبال بوزجيرا الطباشيرية البيضاء التي تُعد جوهرة المنطقة، ووادي الكرات المغطى بالصخور الكروية العجيبة، ومستنقعات توزبير المالحة المتلألئة.
تتغير ألوان هذه المناظر مع الضوء، من الأبيض الناصع نهارًا إلى الأرجواني عند الغروب. كما تبرز تلال كيزيلكوب الملونة، التي تُلقب بـ”تيراميسو” لتشابهها بطبقاتها المتعددة، إلى جانب جبل شيركالا الذي يتغير مظهره حسب زاوية الرؤية. ويضيف وادي كابامساي، الذي يحتضن أدوات حجرية من العصر الحجري،
لمسة من عبق التاريخ
وتُعرف مانغيستاو بـ”أرض الـ362 قديسًا”، حيث تنتشر المواقع التاريخية والدينية التي تعكس التراث الصوفي والثقافة الكازاخية في العصور الوسطى.
تتضمن هذه المواقع مساجد تحت الأرض مثل بيكيت آتا، الذي كان عالمًا صوفيًا بارزًا، وشكباك آتا المنحوت في صخرة طباشيرية يعود للقرنين التاسع والعاشر، وشوبان آتا الذي يعكس العمارة الصوفية الأصيلة.
هذه المواقع، إلى جانب المقابر والآثار، تحكي قصصًا من عصور ما قبل الإسلام، مما يجعلها وجهة مثالية لعشاق التاريخ والروحانيات.
شهدت مانغيستاو ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد السياح بنسبة 18% في عام 2024 مقارنة بـ2023، حيث استقبلت حوالي 700,000 زائر. وتستثمر الحكومة الكازاخستانية بقوة في تطوير البنية التحتية السياحية، حيث خصصت 49 مليون دولار حتى 2026، مع استثمارات بلغت 28.4 مليون دولار في 2024 بنمو 47%. وفي إطار خطة شاملة للأعوام 2025-2029، أقرت الحكومة، بتوقيع رئيس الوزراء أولزهاس بيكتينوف، استراتيجية تركز على تطوير البنية التحتية، الخدمات اللوجستية، الرقمنة، الأمن، وتدريب الموظفين. تشمل الخطة تنظيم أكثر من 100 فعالية ثقافية ورياضية، وبناء مطار في منطقة كيندرلي، وإنشاء محطة بحرية وملعب دولي في مدينة أكتاو.
كما تم تحديد كيندرلي كأحد المواقع السياحية الواعدة، مع خطط لتحسين إمكانية الوصول عبر إعادة بناء الطرق ومد خطوط المرافق.
تتطلب استكشاف مانغيستاو سيارات دفع رباعي لاجتياز صحاريها وتضاريسها الوعرة، مع خيارات إقامة في خيام تقليدية أو بيوت ضيافة.
تُعد المنطقة جنة لعشاق التصوير الطبيعي وطياري الدرون، بفضل مناظرها الفريدة. وتتوقع الحكومة أن يرتفع عدد السياح المحليين إلى 520,000 والوافدين إلى 143,000 بحلول 2029، مع زيادة العاملين في القطاع السياحي من 1,700 إلى 2,700، ورفع حصة السياحة في اقتصاد المنطقة من 2.2% إلى 3.6%. كما سيدعم برنامج إقراض تفضيلي عبر شركة “كاسبي” نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاع.
إلى جانب السياحة، تُعد مانغيستاو مركزًا اقتصاديًا حيويًا بفضل احتياطياتها الهائلة من النفط والغاز، سواء البرية أو البحرية في بحر قزوين. موقعها الاستراتيجي شرق بحر قزوين وقربها من أوزبكستان وتركمانستان يعزز روابطها الاقتصادية مع روسيا ودول أخرى. كما تشتهر بإنتاج مواد البناء والمعادن، وتضم مدينة أتيراو، مركز إنتاج الكافيار الأسود.
مانغيستاو ليست مجرد وجهة سياحية، بل تجربة تأخذك عبر الزمن إلى عوالم ما قبل التاريخ، مع لمسة من الروحانية والعجائب الطبيعية. مع خطط الحكومة الطموحة واستثماراتها الكبيرة، تتجه المنطقة لتكون واحدة من أبرز الوجهات السياحية في آسيا الوسطى، حيث يلتقي التاريخ بالطبيعة في تناغم لا يُنسى.