تلبية لدعوة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، سيحضر الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماع قمة بين الصين والولايات المتحدة، والاجتماع الـ30 لقادة اقتصادات منتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) المقرر عقده الأسبوع المقبل في سان فرانسيسكو.
في مواجهة مشهد دولي معقد وفي وقت تقف فيه العلاقات بين الصين والولايات المتحدة عند مفترق طرق حاسم، جذبت رحلة شي المرتقبة إلى الولايات المتحدة اهتمام العالم.
— إبقاء العلاقات على المسار الصحيح
إن الصين والولايات المتحدة باعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم، وبما بينهما من مصالح متداخلة بشدة، تمثلان أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي، وما يقرب من ربع سكان العالم، وحوالي خمس التجارة العالمية.
وتلعب دبلوماسية رئيس الدولة دورا إستراتيجيا لا غنى عنه في تطوير العلاقات بين البلدين. فقد التقى شي وبايدن في نوفمبر الماضي في بالي بإندونيسيا، وتوصلا إلى سلسلة من التفاهمات المشتركة المهمة.
فقد أكد شي أن الصين مستعدة لتعزيز التعاون متبادل المنفعة مع الولايات المتحدة على أساس المبادئ الثلاثة المتمثلة في الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين. وقال في اجتماع بالي إن “الصين والولايات المتحدة، في ظل الظروف الحالية، تجمعهما مصالح مشتركة أكثر، وليس أقل”.
وذكر شي أن الصين ترى دائما أن المصالح المشتركة للصين والولايات المتحدة تفوق خلافاتهما بكثير، وأن نجاح كل من الصين والولايات المتحدة يمثل فرصة وليس تحديا لبعضهما البعض.
ومن جانبه يؤمن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الذي يعتبر السلام والتعاون الأمريكي-الصيني أمرين في غاية الأهمية، بأن الشراكة بين البلدين تصب في مصلحة كل منهما والعالم بأسره.
في النصف الأول من هذا العام، مرت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بتقلبات ومنعطفات. وانحرفت الأقوال والأفعال الأمريكية، التي تضر بمصالح الصين، انحرافا خطيرا عن المسار الذي حدده الرئيسان.
ومنذ يونيو من هذا العام، زار مسؤولون أمريكيون كبار من بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزيرة الخزانة جانيت يلين، ووزيرة التجارة جينا رايموندو الصين على التوالي. وتوصلت المحادثات بين المبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ شيه تشن هوا ونظيره الأمريكي جون كيري في كاليفورنيا إلى نتائج إيجابية. وأنشأ البلدان مجموعات عمل اقتصادية ومالية وآليات أخرى للتبادل.
وفي نهاية أكتوبر، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي الولايات المتحدة، والتقى بايدن، وأجرى محادثات مع شخصيات من الأوساط السياسية والإستراتيجية والتجارية في الولايات المتحدة.
ويقوم خه لي فنغ، نائب رئيس مجلس الدولة والمسؤول الرئيسي الصيني عن الشؤون الاقتصادية والتجارية الصينية-الأمريكية، بزيارة للولايات المتحدة في الفترة من 8 إلى 12 نوفمبر الجاري.
وأرسلت الولايات المتحدة لأول مرة وفدا رسميا رفيع المستوى إلى معرض الصين الدولي السادس للاستيراد الذي اختتم لتوه. وتزايدت التفاعلات رفيعة المستوى، كما أظهرت العلاقات الثنائية علامات إيجابية تدل على الاستقرار.
يكمن أساس العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في الشعب. فمن زيارة رواد أعمال أمريكيين للصين، إلى إقامة حدث تحت عنوان (الارتباط مع كوليانغ: منتدى الصداقة الشعبية بين الصين والولايات المتحدة 2023)، ومن زيارة وفد من مجموعة “النمور الطائرة” الأمريكية للصين، إلى انعقاد مؤتمر المدن الشقيقة الخامس بين الصين والولايات المتحدة بنجاح، أظهر الشعبان الصيني والأمريكي حسن النوايا فضلا عن صداقة عميقة، وهو ما ضخ زخما في الصداقة والتعاون الثنائيين.
لقد أثبتت الحقائق أن التعاون متبادل المنفعة لا يزال يمثل قوة دافعة قوية، وأن أساس التبادلات الشعبية راسخ بعمق. وأن إبقاء التواصل مفتوحا وزيادة التبادلات هما السبيل إلى تحسين العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
وقد ذكرت هبة جمال الدين، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن تعزيز التعاون بين الصين والولايات المتحدة وتخفيف حدة التوترات من شأنهما أن يساعدا في تحقيق اختراقة في العديد من الأزمات العالمية الراهنة.
وأضافت أن “بكين مستعدة لإيجاد طريق يمكن أن يجمع البلدين في رؤية مشتركة تخدم البلدين والعالم”.
— تيسيير التعاون الإقليمي
دعا شي في الاجتماع الـ29 لقادة اقتصادات الأبيك الذي عقد في العاصمة التايلاندية بانكوك العام الماضي إلى بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وفي تلبية منها لمثل هذا النداء، تشارك الصين، وهي اقتصاد هام في المنطقة، مشاركة نشطة في جدول أعمال الأبيك. ودعا شي في مناسبات عدة إلى التعددية الحقيقية والإقليمية المنفتحة، وهو ما عرض حكمة الصين في التعامل مع التحديات التي تواجه العصر، وضخ الثقة في المجتمع الدولي.
حظيت أفكار وحلول الصين باعتراف واسع من قبل أعضاء الأبيك. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، تبذل الصين قصارى جهدها من أجل تحقيق التنمية المشتركة لدول منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
فخط سكة حديد جاكرتا-باندونغ فائق السرعة، وهو مشروع رائد للتعاون الصيني-الإندونيسي في إطار المبادرة، يعد أول خط سكة حديد فائق السرعة في إندونيسيا وجنوب شرق آسيا.
أما المشروع البارز الآخر الذي أقيم في إطار مبادرة الحزام والطريق وبدأ تشغيله في منطقة آسيا والمحيط الهادئ فهو خط سكة حديد الصين-لاوس، الذي حول لاوس منذ إطلاقه في ديسمبر 2021، من دولة غير ساحلية إلى محور موصول بريا في شبه جزيرة الهند الصينية.
كما تمثل التنمية الخضراء أولوية في المنطقة حيث تكثر المشاريع الأيقونية المتخصصة في مجال الحفاظ على الطاقة والحد من الانبعاثات، مثل مركز التعاون في العمل المناخي بين الصين ودول جزر المحيط الهادئ، ومشروع الطاقة الكهروضوئية العائمة الذي شيدته الصين وتايلاند في سد سيريندهورن.
بدوره ذكر رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ أن “صينا قوية وصديقة سيكون لها تأثير إيجابي على المنطقة والعالم، وستساعد الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم على تحقيق التنمية المشتركة”.
ويرى تيوكو رضاسياه، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية بجامعة بادجاجاران في إندونيسيا، أن المشاريع ذات المنفعة المتبادلة التي تعمل الصين على النهوض بها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي شهادة قوية على سعي الصين لتحقيق الرخاء المشترك.
— تعزيز الرخاء العالمي
تتقاسم الصين فرصها التنموية مع بقية العالم من خلال الانفتاح على نطاق أوسع. وقد رسمت الدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي صورة وردية للتعاون عالي الجودة في إطار الحزام والطريق بين الدول المشاركة. وقد استضاف معرض الصين الدولي السادس للاستيراد عددا قياسيا من العارضين من جميع أنحاء العالم.
تركز الصين على التنمية عالية الجودة والانفتاح عالي المستوى، وتتبع طريقتها الخاصة في التحديث، جنبا إلى جنب مع التقدم المشترك للعالم. وهنا يكمن سعيها إلى التنمية السلمية والتعاون ذي المنفعة المتبادلة والرخاء المشترك.
وأشار شي في منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي عُقد في بكين الشهر الماضي إلى أن “التحديث الذي نسعى إليه ليس للصين وحدها، بل لجميع الدول النامية من خلال جهودنا المشتركة”.
ويتطلع العالم إلى المزيد من الأحداث الدبلوماسية هذا الشهر. ومن المؤمل أن يضمن حضور شي القمة الصينية-الأمريكية المرتقبة واجتماع الأبيك توافر المزيد من الفهم لقصة النمو في الصين، وهو ما من شأنه أن يساعد العالم على حشد المزيد من العوامل الدافعة لتحقيق التنمية من خلال الاستفادة من تحديث الصين.
ويُنتظر على نطاق واسع أن تعيد الصين والولايات المتحدة، على وجه الخصوص، العلاقات بينهما إلى ما فيه خير منطقة آسيا والمحيط الهادئ والعالم.
وفي هذا السياق، لفت جيفري ساكس، أستاذ الاقتصاد ومدير مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا، إلى أن “التعاون بين الولايات المتحدة والصين سيقوي كلا البلدين ويعود بالنفع على العالم”، مضيفا بقوله “إنه أمر صائب وممكن بالفعل”.
إن الجنوب العالمي الناشئ لا ينبغي تركه خلف الركب. وفي اجتماع الأبيك المرتقب، ستواصل الصين الاضطلاع بمسؤوليتها كدولة كبرى، والعمل على ضمان أن تكون الأسواق الناشئة والدول النامية ممثلة بشكل أفضل ولها رأي أكبر في الشؤون العالمية، والدفع باتجاه زيادة تحسين نظام الحوكمة العالمية.
يتوقع روني لينز مدير المركز الصيني-البرازيلي للبحوث والأعمال أن تقدم الصين مقترحات مهمة في كاليفورنيا.
وقال لينز إن هذه المقترحات يمكن أن تساعد في بناء منطقة آسيا والمحيط الهادئ لتصبح منطقة تنعم بالسلام والاستقرار والانفتاح والشمول، وتقدم “مساهمات منطقة آسيا والمحيط الهادئ” للتنمية المستدامة العالمية.
صحيفة الشعب الصينية