مقدمة: أهمية مشاركة الرئيس شوكت ميرضيائيف في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة
حملت مشاركة رئيس جمهورية أوزبكستان في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي أهمية سياسية وتاريخية عميقة، ليس فقط لبلدنا، بل للمنطقة بأسرها. ومن على هذه المنصة المرموقة، التي تجمع رؤساء دول من جميع أنحاء العالم، طرحت أوزبكستان قضايا بالغة الأهمية، بما في ذلك التنمية المستدامة، ومكافحة تغير المناخ، وضمان الأمن الغذائي، والإدارة الفعالة للموارد المائية.
ومن خلال خطابه في الأمم المتحدة، المؤسسة العالمية الرائدة، عزز رئيسنا مكانة أوزبكستان الدولية وسمعتها كدولة فاعلة ومسؤولة. ومن خلال استعراض المبادرات البيئية والمبتكرة الجاري تنفيذها في منطقة بحر الآرال، برهنت أوزبكستان على انفتاحها على التعاون العالمي في مواجهة التحديات البيئية الملحة. ومن الجوانب المهمة الأخرى لهذه المشاركة دمج المبادرات البيئية الدولية لأوزبكستان في الأجندة السياسية العالمية، مع إبراز منطقة بحر الآرال كمنصة مفتوحة لتطوير تقنيات المناخ.
خلال الزيارة، حظيت المبادرات المتعلقة بمنطقة بحر الآرال باهتمام كبير من المجتمع الدولي.
خلال خطابه في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أولى رئيسنا اهتمامًا خاصًا للكارثة البيئية في منطقة بحر الآرال والمبادرات الجارية الرامية إلى التخفيف من آثارها. وقد حظيت هذه القضية باهتمام كبير من المجتمع الدولي، مؤكدًا أن أزمة بحر الآرال تُعتبر ليس فقط تحديًا إقليميًا، بل أيضًا مصدر قلق بيئي عالمي.
حظيت مبادرة أوزبكستان لتحويل منطقة بحر الآرال إلى مركز للتنمية المستدامة والابتكار بدعم قوي من الشركاء الدوليين. وعلى وجه الخصوص، سُلط الضوء على فرص هامة لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات مثل الطاقة الخضراء، وتقنيات توفير المياه، والسياحة البيئية، واستعادة التنوع البيولوجي. ومن ثم فإن إثارة قضية بحر الآرال على المنصة المرموقة للأمم المتحدة أثناء الزيارة شكلت قاعدة سياسية وعملية مهمة لتعزيز التعاون العالمي وجذب المزيد من الاهتمام من جانب الجهات المانحة والمنظمات الدولية.
تحويل منطقة بحر الآرال إلى مركز عالمي لتقنيات المناخ.
تُمثل التحديات الناجمة عن جفاف بحر الآرال درسًا عميقًا للعالم أجمع. واستجابةً لذلك، تهدف أوزبكستان إلى تحويل منطقة بحر الآرال إلى “مختبر عالمي” من خلال تطبيق ممارسات متقدمة في مجالات الطاقة الخضراء، وتقنيات توفير المياه، واستعادة التنوع البيولوجي، والتكيف مع تغير المناخ.
لا يقتصر هذا النهج على معالجة التحديات الإقليمية فحسب، بل يُقدم أيضًا نموذجًا فعالًا للمجتمع الدولي. ويمكن للمشاريع التي تُنفذ في منطقة بحر الآرال أن تُشكل لاحقًا إطارًا قابلًا للتكرار في مناطق أخرى تواجه آثار تغير المناخ.
في 18 مايو/أيار 2021، وخلال الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، طرح رئيسنا مبادرةً لتعيين منطقة بحر الآرال مركزًا للابتكارات والتقنيات البيئية. وقد حظي هذا الاقتراح بدعمٍ حماسي من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتم اعتماده بالإجماع من قبل جميع الدول الأعضاء خلال الجلسة العامة للجمعية العامة. يُؤكد هذا القرار التزام أوزبكستان الثابت والراسخ بمعالجة أزمة بحر الآرال والتخفيف من المخاطر المرتبطة بها من خلال نهج مبدئي وفعال.
كارثة بحر الآرال ودروسها للبشرية.
تُعتبر كارثة بحر الآرال من أكبر الكوارث البيئية في تاريخ البشرية، حيث كانت رابع أكبر بحيرة في العالم من حيث المساحة، وقد جفّ بحر الآرال بالكامل تقريبًا خلال نصف القرن الماضي. وقد وجّه هذا التطور المأساوي ضربةً قاسيةً للمناخ الإقليمي والتنوع البيولوجي والصحة العامة والاقتصاد.
يُعدّ جفاف بحر الآرال مثالًا واضحًا على التدخل البشري غير المنسجم مع الطبيعة. فقد أدى الاستخدام المفرط وغير الفعال للمياه في الري، إلى جانب أنظمة الري غير الفعالة وأخطاء التخطيط، إلى هذه الكارثة البيئية الكبرى.
أكدت هذه المأساة ضرورة استخدام البشرية للموارد الطبيعية بكفاءة وحكمة، مُسلّطةً الضوء على أهمية تطوير إمدادات المياه والزراعة بالاعتماد حصريًا على التقنيات المستدامة. وفي الوقت نفسه، برهنت بوضوح على أن ضمان الأمن البيئي يتطلب تضامنًا عالميًا وتعاونًا دوليًا وثيقًا.
ضرورة التنمية المستدامة في المنطقة.
تُمثل منطقة بحر الآرال اليوم أحد أهم التحديات التي تواجه الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية في أوزبكستان ومنطقة آسيا الوسطى على نطاق أوسع. وتُبرز محدودية الموارد الطبيعية، والقضايا المتعلقة بإمدادات المياه، وعمليات التصحر المستمرة، وتدهور مستويات المعيشة، الحاجة المُلحة إلى تنفيذ استراتيجية شاملة للتنمية المستدامة في هذه المنطقة.
وترتكز ضرورة التنمية المستدامة في منطقة بحر الآرال على عدة عوامل رئيسية. ففي المقام الأول، لا يزال الأمن البيئي يُمثل مصدر قلق مُلحّ: إذ تُشكل العواصف الغبارية المتكررة، وتدهور التربة، وفقدان التنوع البيولوجي تهديدات مباشرة للصحة العامة ونوعية الحياة. بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ الاعتبارات الاقتصادية بالغة الأهمية، إذ يتطلب تحديث الزراعة – المصدر الرئيسي للدخل للسكان المحليين – اعتماد تقنيات مُبتكرة ومُوفرة للمياه.
ويتطلب ضمان الاستدامة الاجتماعية مجموعة شاملة من التدابير التي تهدف إلى خلق فرص عمل جديدة، وزيادة دخل الأسر، والتخفيف من مخاطر الهجرة البيئية. وعلاوة على ذلك، ونظراً لأن التحديات في منطقة بحر الآرال تتجاوز الحدود الإقليمية وتتمتع بأهمية عالمية، فإن معالجتها تتطلب الاعتماد على التعاون والشراكة الدوليين.
فرص منطقة بحر الآرال كمركز ابتكار دولي ومنصة للتعاون.
من المعترف به على نطاق واسع أن أوزبكستان بذلت جهودًا وطنية واسعة النطاق وإيجابية لمكافحة الآثار البيئية والصحية السلبية الناجمة عن جفاف بحر الآرال. منذ السنوات الأولى للاستقلال، حظي سكان منطقة بحر الآرال الأبيض بدعم كبير من الحكومة الأوزبكية. ولا تزال حكومة أوزبكستان ملتزمة بإيلاء اهتمام متواصل للرفاهية الاجتماعية للمجتمعات المقيمة في منطقة بحر الآرال.
تُعد منطقة بحر الآرال اليوم مركزًا دوليًا للابتكار، وتلعب دورًا حاسمًا في تعزيز التنمية المستدامة في منطقة تأثرت بشدة بالأزمة البيئية. من خلال مشاريع علمية ومبتكرة وعملية، يُعزز المركز بنشاط العمل الشامل في قطاعات رئيسية تشمل حماية البيئة، وإدارة موارد المياه، والتقنيات الزراعية، والطاقة، والتكيف مع المناخ، والتعاون الدولي. بهدف تعزيز أنشطة المركز ومواصلة تطوير التقنيات البيئية والمبتكرة في منطقة بحر الآرال، نُقل مركز بحر الآرال الدولي للابتكار إلى وزارة البيئة وحماية البيئة وتغير المناخ في جمهورية أوزبكستان، وذلك بموجب المرسوم الرئاسي رقم PQ-171 الصادر في 31 مايو 2023.
ووفقًا للمرسوم الرئاسي رقم PQ-5202 الصادر في 29 يوليو 2021، تم إنجاز مختبر حديث ومركز تدريب مسرعات الأعمال ومبنى تكنوبارك، بتكلفة 12.4 مليار سوم أوزبكي، وتم تشغيله في عام 2024 داخل مقر المركز. المختبر مجهز ببنك جينات للبذور النباتية، ويمثل منصة علمية وابتكارية بالغة الأهمية للحفاظ على التنوع البيولوجي في المنطقة، وحماية الأنواع المحلية والمستوردة، وتحقيق كفاءة عالية في الممارسات الزراعية. تُبذل حاليًا جهودٌ لبدء العمليات الكاملة في المنشأة، وإثراء بنك الجينات بمجموعةٍ واسعة من البذور، وتنظيم البحوث العلمية، وتعزيز خبرة المتخصصين المحليين. لا تدعم هذه المبادرة التنمية الزراعية المستدامة في أوزبكستان فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا حاسمًا في ضمان الأمن الغذائي في ظل تغير المناخ، وتعزيز التعاون العلمي الدولي في جميع أنحاء منطقة آسيا الوسطى.
خلال الفترة الماضية، أقام المركز تعاونًا فعالًا مع مجموعة من المنظمات الدولية والمحلية، بالإضافة إلى معاهد البحوث، في إجراء البحوث العلمية وتنفيذ المشاريع. وعلى وجه الخصوص، وُقّعت اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع أكثر من 70 جهة أجنبية ومحلية. ويجري حاليًا تنفيذ 20 مشروعًا علميًا وعمليًا ومبتكرًا بقيمة إجمالية تبلغ 23.9 مليار سوم أوزبكي. تشمل هذه المشاريع الطاقة الخضراء البديلة، وتربية الأحياء المائية، والبستنة المكثفة، وزراعة النباتات الطبية، وتقنيات توفير الموارد، والبرامج الاجتماعية.
تركز أنشطة المركز بشكل أساسي على تحسين مستويات معيشة السكان، وإدخال وتطوير محاصيل مقاومة للملوحة والجفاف، وتطبيق تقنيات موفرة للموارد. في الوقت نفسه، يُنفّذ المركز مبادرات علمية وعملية ومبتكرة تهدف إلى استعادة النظم البيئية، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتحسين جودة الحياة، بالتعاون مع منظمات دولية رائدة. ومن بين هؤلاء الشركاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، والمركز الدولي للزراعة الملحية (ICBA، الإمارات العربية المتحدة)، ومعهد شينجيانغ للبيئة والجغرافيا (الصين)، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، والمعهد العالمي للنمو الأخضر (GGGI)، والوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA)، والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، وغيرها من المؤسسات المرموقة.
يُشكل موقعا “سامانباي” (24.3 هكتار) العلمي والإنتاجي في مقاطعة نوكوس، و”موينوك” (106 هكتارات) في مقاطعة موينوك، قاعدتي تجارب واختبار رئيسيتين للمركز. وتُجرى في هذين الموقعين أنشطة بحثية تجريبية ورصدية بالتعاون مع منظمات أجنبية ومحلية. كما يضم المركز مختبرات مشتركة أُنشئت بالشراكة مع جهات دولية، بالإضافة إلى مختبراته الخاصة للتكنولوجيا الحيوية في المختبرات والتربة والمياه والنباتات. وتدعم هذه البنى التحتية تعميق البحث العلمي في المجالات التجريبية، وتعزز فعالية الدراسات الجارية.
يهدف كل مشروع من المشاريع الجارية إلى إيجاد حلول طويلة الأمد لمنطقة بحر الآرال. وبفضل نهجه المبتكر وتعاونه الدولي، أصبح مركز بحر الآرال الدولي للابتكار تدريجيًا المنصة الرئيسية في آسيا الوسطى للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي والتنمية المستدامة. يهدف مركز بحر الآرال الدولي للابتكار في خططه المستقبلية إلى ضمان الاستدامة البيئية من خلال تطبيق تقنيات بيئية مبتكرة، بما في ذلك تدابير مكافحة التصحر وحلول الزراعة الذكية.
وفي الوقت نفسه، ولتعزيز أنشطة البحث العلمي، وُضعت خطط لإنشاء مختبرات حديثة، ومسرّع أعمال، ومركز تدريب، وحديقة تكنولوجية، ومواقع تجريبية، ومراكز لتحليل البيانات.
ويهدف المركز إلى تنفيذ مشاريع مشتركة واسعة النطاق من خلال توسيع نطاق التعاون مع المنظمات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، من أولويات المركز تطوير برامج تركز على تعزيز الأفكار المبتكرة، وإنشاء الشركات الناشئة، وتعزيز المهارات المهنية للمزارعين، ورواد الأعمال، والمجتمعات المحلية، والشباب، والنساء.
الخلاصة
الأهمية الاستراتيجية لمبادرة تحويل منطقة بحر الآرال إلى مركز عالمي لتقنيات المناخ.
تتمتع مبادرة تحويل منطقة بحر الآرال إلى مركز عالمي لتقنيات المناخ بأهمية استراتيجية ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل على المستوى العالمي أيضًا. ويكمن جوهرها في ضمان الاستدامة البيئية، والحفاظ على الموارد المائية، والحد من عمليات التصحر، واستعادة التنوع البيولوجي.
في الوقت نفسه، سيفتح إدخال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وأنظمة الري الحديثة، والتقنيات المبتكرة آفاقًا واسعة لتطوير اقتصاد أخضر في المنطقة. وستعزز هذه المبادرة التعاون مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة وصندوق المناخ الأخضر، مما يوفر فرص عمل جديدة للسكان المحليين ويعزز الرخاء العام.
والأهم من ذلك، أن تجربة منطقة بحر الآرال ستكون نموذجًا فعالًا في مواجهة تحديات تغير المناخ والموارد المائية على نطاق عالمي في المستقبل.
مدير المركز الدولي للابتكار في بحر الآرال التابع لوزارة البيئة وحماية البيئة وتغير المناخ في جمهورية أوزبكستان
ب.س. خبيبولاييف