يُعدّ “المنسف”، الطبق الوطني الأردني الذي ترتبط نشأته بحرب قديمة وتطور تاريخي، وصمد على مدى آلاف السنين في الأردن، رمزاً للأصالة وكرم الضيافة، وهو الطبق المفضل للأردنيين أيضاً في شهر رمضان المبارك.
ويُطبخ “المنسف” الذي يوصف بأنه “سيد المائدة الأردنية” بلحم الأغنام البلدية، وكرات “الجميد” المحضرة من حليب الأغنام البلدية، والسمن البلدي، والأرزّ، واللوز والصنوبر لتزيينه.
فقد أوضح أشرف مبيضين الذي يملك مع صديقه تامر المجالي مطعم “مناسف مؤاب” في عمان أن “المنسف طبق مشهور في أكثر من دولة لكن أساسه وأصله من الأردن وهو الألذّ ونُسب إلى مملكة مؤاب قديماً”، بحسب تقرير لوكالة “فرانس برس”.
وأضاف أن المطعم “يقدّم الأكلات الشعبية الأردنية ومنها المنسف والفتيت (الخبز المفتت واللبن) والعيش (القمح المجروش المطبوخ) واللزاقيات (حلويات)، لكن سيد المائدة الأردنية هو المنسف”.
سيد المائدة الأردنية
فيما أكد شريكه المجالي أن “المنسف هو سيد المائدة الأردنية، وإذا أردت أن تكرم ضيفك لا يوجد ما هو أفضل من المنسف”.
بدوره، قال المؤرخ والكاتب جورج طريف إن “المنسف كان بالأساس يصنع من ثريد لحم الضأن واللبن وخبز الشراك (خبز رقيق)”.
ولاحقا أصبحت “المادة الرئيسية للمنسف البرغل (القمح المجروش)، ثم تطور بعد اكتشاف الأرز الذي استخدم في المنسف في فترة متأخرة من القرن التاسع عشر”.
أصل المنسف
ويرتبط “المنسف” تاريخيا بالأردن من خلال حادثة تروى عن الملك ميشع، أحد ملوك مملكة “مؤاب” التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ودامت إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
وامتدت حدودها على الساحل الشرقي للبحر الميت، من شمال مدينة الكرك (118 كيلومتراً إلى الجنوب من عمان) إلى الشوبك (نحو 205 كم جنوب عمان).
وأضاف طريف “كان مركز حكم الملك ميشع في الكرك، وكان يعلم جيدا أن اليهود لا يأكلون اللحم المطبوخ باللبن، وفقا لشريعتهم المستمدة من التوراة”.
وتابع “أراد أن يختبر ولاء شعبه المؤابي في الحرب ضد العبرانيين في المعركة الواقعة في القرن التاسع قبل الميلاد، فطلب من شعبه أن يطبخوا اللحم باللبن”.
واستجاب شعبه لطلبه، وبهذا وفقا لطريف “نسف ما جاء في التوراة ومنذ تلك الفترة سميت هذه الأكلة بالمنسف”.
لذلك اختار مبيضين والمجالي تسمية مطعمهما “مناسف مؤاب”، نسبة إلى مملكة مؤاب.
جزء من التراث وكرم الضيافة
إلى ذلك، بيّن الباحث والأكاديمي حسن مبيضين أن “المنسف وجبة ذات معايير خاصة وطقوس خاصة، وأيضا لأشخاص تربطهم علاقات خاصة بمعنى أنها تُقدَّم وفق بروتوكول معين للضيافة وطريقة التقديم والترتيب”.
وأشار إلى “التعامل مع الضيف يكون وفق الدرجة، لجهة طريقة الاستقبال وطريقة الوداع وطريقة تقديم الأكل، فمثلا يقدم رأس الذبيحة على أكبر سدر لكبير القوم، وأحيانا الرأس والذبيحة كاملة ليشعر الضيف أنه نال من الإكرام أبلغه وأجزله”.
وتقليديا يشترك ما بين 12 إلى 14 شخصاً في الأكل من سدر المنسف الكبير، مستخدمين أيديهم اليمنى بينما اليسرى تبقى خلف ظهورهم، لكن الوجبات باتت تُقدّم بشكل فردي غالباً.
لائحة التراث الثقافي
يذكر أن المنسف أدرج في كانون الأول/ديسمبر الفائت على لائحة التراث الثقافي غير المادي (الحيّ) لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وجميع مكوناته منتجة محليا، ويشتهر على سبيل المثال الجميد الكركي (نسبة إلى محافظة الكرك الواقعة على 118 كيلومتراً إلى الجنوب من عمان) والسمن البلقاوي (نسبة إلى محافظة البلقاء التي تبعد نحو 30 كيلومتراً إلى شمال غربي عمان).
العربية