تعاني الولايات المتحدة من عدم امتلاك ما يكفي من السفن التجارية والحربية على حد سواء، بعدما كانت تتمتع بريادة عالمية. وقد يتصاعد الوضع ويتحول إلى كارثة لواشنطن، في ظل عدم القدرة على إنتاج المزيد من السفن بشكل سريع.
وتحتاج الولايات المتحدة للتحرك بشكل سريع، لتحديد مسار بحري جديد من خلال بناء استراتيجية وطنية متماسكة، نظراً لأن هذا الوضع “غير المستقر” سيكون له آثار كبيرة على الاقتصاد والأمن القومي الأميركي.
وحسب ما أورد تقرير نشرته مجلة “ذا ناشونال إنترست” فإن الصين تتفوق بأكثر من 200 ضعف على الولايات المتحدة من حيث القدرة على بناء السفن، ما يجعل واشنطن في سباق مع الزمن للحاق بركب بكين، وفق بيانات للبحرية الأميركية.
أصبحت الصين الدولة الأولى في بناء السفن، إذ تسيطر بكين على رابع أكبر شركة شحن في العالم، كما أن قواتها البحرية هي الأكبر أيضاً.
التفوق الصيني قابله سنوات من “الإهمال والانحدار” الأميركي، رغم كونها الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، واعتمادها بشكل كبير على التجارة البحرية العالمية.
وقادت صناعة السفن التجارية الأميركية العالم بعد الحرب العالمية الثانية، من حيث الإنتاج والحمولة، ولكن الولايات المتحدة تحتل حالياً المرتبة الـ19 في مجال بناء السفن، وتنتج أقل من نصف بالمائة من السفن التجارية في العالم.
امتلكت الولايات المتحدة في عام 1947، أسطولاً مكوناً من أكثر من 5000 سفينة، يمثل 40% من طاقة الشحن العالمية، ولكن بحلول ستينيات القرن العشرين، كانت السفن الأميركية التي بلغ عددها نحو ثلاثة آلاف سفينة تحمل 16% فقط من بضائع العالم.
مؤخراً، يتكون الأسطول التجاري الدولي للولايات المتحدة من 80 سفينة فقط، وهو ما يمثل أقل من 1.5% من التجارة العالمية.
تراجع الولايات المتحدة في بناء السفن التجارية، واكبه تقهقر في إنتاج السفن الحربية، ليصبح حجم الأسطول الحربي للولايات المتحدة في أواخر الثمانينات، يقارب 590 سفينة، وتضاءل حالياً إلى نحو 290 سفينة.
في المقابل، ارتفع عدد القوات البحرية الصينية إلى 340 سفينة حربية، مع مئات أخرى من زوارق الدوريات الصاروخية الموجهة، وسفن الميليشيات البحرية المسلحة. ولفت تقرير “ذا ناشونال إنترست” إلى أن هذه الأرقام تُرجمت بشكل مباشر إلى تراجع قوة الأمن والنفوذ الأميركي عالمياً.
وتتطلب إعادة بناء هذه القوة اتباع نهج شمولي، مع الأخذ في الاعتبار جاهزية الآلية البحرية الأميركية بالكامل، بما تتضمنها من البنية التحتية، والقوى العاملة، والتكنولوجيا، والسياسات، والصناعة، وأساطيل الشحن، والخدمات البحرية.
ويبدو أن واشنطن في حاجة لاستراتيجية بحرية وطنية خاصة بها، لجمع كل هذه العناصر معاً وتوفير استراتيجية حقيقية للتنافس مع الصين في أعالي البحار، وتنمية الاقتصاد البحري، والحفاظ على مواردها المحيطية.
سباق مع الزمن
وأشارت المجلة إلى أن واشنطن تحتاج إلى مزيج من السفن الأميركية واليابانية والكورية الجنوبية والأوروبية الصنع، على غرار أسلوب الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان.
وأطلقت الولايات المتحدة بالفعل برنامجاً لتحسين البنية التحتية لبناء السفن التابعة للبحرية، ولكنه يمتد على مدار 20 عاماً، ويركز فقط على أحواض بناء السفن العامة.
وقد تحتاج الولايات المتحدة استكمال جهود تحسين القدرة على بناء السفن باستخدام المركبات غير المأهولة المسيرة.
وتعد المنصات الأصغر والأرخص أسهل في البناء وتوفر مساراً ميسور التكلفة، لزيادة حجم الأساطيل الأميركية ومدى وصولها بسرعة.
ويتعين على الكونجرس الأميركي العمل على تهيئة بيئة مالية وتنظيمية، لجعل صناعات بناء السفن والشحن المدنية والتجارية أكثر قدرة على المنافسة على مستوى العالم.
كما يمكن للكونجرس أن يغلق “الثغرات” التي تسمح لصناديق الأسهم الخاصة بالابتعاد عن أحواض بناء السفن الصينية، وتسخير تلك الموارد لتنفيذ مشاريع داخل الولايات المتحدة، ما يستوجب كتابة قوانين جديدة تشجع وتحمي الاستثمار الخاص في بناء السفن والشحن والمشاريع ذات المصلحة الوطنية.
ويبدو أن الكونجرس وحده هو القادر على توفير التمويل وتحديد الأولويات والمساءلة، اللازمة لتنشيط المشروعات البحرية الأميركية، واستدامتها.