Site icon Q8-Press

الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي تهدف إلى معالجة القضايا الإقليمية والعالمية

بقلم: طارق يوسف الشميمري

قد لا تربط دول مجلس التعاون الخليجي الست وكتلة الاتحاد الأوروبي المكونة من 28 دولة بأي قرابة جغرافية أو ثقافية، ولكن ما يجمع بينها هو وجهات نظر متشابهة بشأن العديد من القضايا العالمية فضلاً عن المصلحة الاستراتيجية المتمثلة في إعادة تعريف علاقتها وفق الأحداث الراهنة، وكانت القمة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي التي عقدت الأسبوع الماضي فرصة للبناء على العلاقات القائمة وتطوير تدابير حكيمة لمعالجة التحديات الإقليمية والدولية بشكل فعال.

إن نشأة الكتلتين ترجع إلى حد كبير إلى الدوافع الاقتصادية والسياسية السائدة في وقت تشكيلهما فقد تأسس  مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 وقد ساعد في إضفاء الطابع المؤسسي على علاقات القرابة والروابط الدينية والثقافية المشتركة بين شعوب المنطقة على مدى قرون،  والحاجة إلى الاستجابة الجماعية للتحديات الأمنية والاقتصادية المشتركة،  ويعكس ميثاق مجلس التعاون الخليجي هذه الحاجة حيث يدعو إلي الوحدة والتنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء في جميع المجالات.

من جانب آخر تأسس الاتحاد الأوروبي في عام 1992 بموجب معاهدة ماستريخت في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وسقوط الستار الحديدي، وتوحيد الألمانيتين، ورغم أن المنظمات السابقة للاتحاد الأوروبي سعت إلى تحقيق أهداف مختلفة فإن الاتحاد الأوروبي في شكله الحالي كان أول من سعى إلى تحقيق التكامل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والانسجام بين العدد المتزايد من الدول الأعضاء.

لقد دفعت العوامل الاقتصادية والجيوسياسية اليوم الكتلتين المتباعدتين إلى التقارب، فقد أدت اتفاقية التعاون التي تم توقيعها في عام 1989 بين مجلس التعاون الخليجي والمجموعة الاقتصادية الأوروبية  ــ  السلف المباشر للاتحاد الأوروبي  ــ  إلى حوار منتظم بين الجانبين حول قضايا مختلفة، بما في ذلك التحديات العالمية المشتركة، والتعاون الاقتصادي، والاستدامة، وتغير المناخ،والطاقة، والمبادرات بين الشعوب.

ولتعزيز تعاونهما بشكل أكبر، أصدرت المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي في مايو 2022 بيانًا مشتركًا بشأن “الشراكة الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي”، وقد حدد البيان خارطة طريق تشغيلية للاتحاد الأوروبي لتطوير علاقات أوثق مع دول مجلس التعاون الخليجي ، ومنذ الكشف عن خارطة الطريق، عمل الجانبان بشكل تعاوني في مجالات مختلفة بما يتماشى مع هذا الإطار.

خلال نفس الفترة الممتدة للعامين، أكدت التغيرات الجيوسياسية الجارية في أوروبا والشرق الأوسط الي عدم الاستقرار في جوار كل منهما لما  له من عواقب عالمية بعيدة المدى، وخاصة بالنسبة للدول في الكتلتين ، كما أبرزت التطورات الأهمية المتزايدة لدول مجلس التعاون الخليجي ونفوذها، داخل الشرق الأوسط وكذلك على الساحة العالمية.

وإدراكاً للتحولات الجيوسياسية وإدراكاً لأهمية تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين، استضاف الاتحاد الأوروبي ودولة قطر والتي تتولى حالياً رئاسة مجلس التعاون الخليجي، أول قمة رفيعة المستوى بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في بروكسل، العاصمة الإدارية للاتحاد الأوروبي،في 16 أكتوبر 2024 وهدفت القمة، التي عقدت تحت شعار “الشراكة الاستراتيجية من أجل السلام والازدهار”، إلى تعميق العلاقات بين الجانبين،وتنسيق وجهات النظر، وخلق استراتيجيات فعالة ومتماسكة لمعالجة الأزمات المستمرة والتحديات المحتملة للأمن العالمي.

وفي كلمته في قمة الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، قال ممثل صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ/ أحمد عبدالله الأحمد الصباح: “نلتقي اليوم على أمل أن يسهم اجتماعنا في تعزيز علاقاتنا التي تعتبر حيوية لتحقيق المصالح المتبادلة في مواجهة التحديات العالمية الناجمة عن تغير المناخ والضغوط الاقتصادية وتطورات قطاع الطاقة والتوترات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية”.

وفي بيان مشترك صدر في نهاية القمة، أكد زعماء الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي على رغبة الكتلتين في بناء شراكتهما الاستراتيجية، القائمة على الاحترام المتبادل والثقة، لصالح الشعوب في المنطقتين وخارجهما وأشار البيان إلى أن الشراكة ترتكز على النظام الدولي القائم على القواعد التى تحترم القانون الدولي بشكل كامل، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي وتعزيز وحماية حقوق الإنسان العالمية.

واتفق الجانبان على العمل معًا لتعزيز الأمن والازدهار العالمي والإقليمي، بمافي ذلك منع ظهور الصراعات وتصعيدها وحل الأزمات. بالإضافة إلى ذلك،أقرا بالحاجة إلى تعزيز الأطر المتعددة الأطراف والإقليمية والثنائية بهدف تعزيز التعاون بشكل أكبر وكما دعا البيان إلى عقد قمة كل عامين، واتفقا على عقد القمة القادمة في المملكة العربية السعودية في عام 2026، وتنظيم الاجتماع الوزاري المشترك التاسع والعشرين في الكويت في عام 2025.

وللدفع قدماً بالازدهار المستدام والأمن، اتفقت الكتلتان أيضاً على تعزيز التجارة والاستثمار والتعاون؛ وتعزيز التعاون في مجال الطاقة ومكافحة تغير المناخ وتعزيز الاتصال بين المنطقتين وتكثيف المشاركة في التنمية والمساعدات الإنسانية وكما دعا البيان إلى تعزيز الجهود المشتركة لمعالجة القضايا العالمية الرئيسية، وبناء الجسور بين شعوب المنطقتين ، ودعماً للاستقرار والسلام الدائمين في المنطقتين وعلى مستوى العالم.

ورغم الشكوك التي سادت بين المحللين السياسيين بشأن النتائج العملية التي يمكن تحقيقها من القمة، فإن البيان المشترك يوضح الفهم العميق لدى الجانبين بأن الشراكة الاستراتيجية أمر حيوي لتعزيز المصالح المشتركة ومعالجة التحديات العالمية الحالية والمستقبلية.

طارق يوسف الشميمري

 عمل رئيساً للجنة المالية ورئيساً للجنة الموازنة العامة في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي ومراقباً في المجلس الإداري للمحكمة وفي محكمة العدل الدولية وسفارة دولة الكويت  بمملكة هولندا خلال الفترة من 2013 إلى 2020.

 البريد الإلكتروني: tareq@alshumaimry.com

Exit mobile version