عبد الحميد حميد الكبي
في عصر الثورة الرقمية، حيث تتحول المدن إلى محركات اقتصادية ذكية، تتقدم كازاخستان بجرأة مع إطلاق مشروع “ألاتاو” – وهي مدينة رقمية طموحة تهدف إلى أن تصبح أول مدينة رقمية بالكامل في آسيا الوسطى، كما أكد الرئيس قاسم جومارت توكاييف. تم الإعلان عن الفكرة في عام 2024، وأكد توكاييف رسميًا خطط تطويرها في خطابه السنوي عن حالة الأمة في 8 سبتمبر 2025، واصفًا إياها بأنها “منارة مستقبل كازاخستان” ومنحها وضعًا خاصًا مع الإشراف الحكومي المباشر. في 26 سبتمبر 2025، وقّع مرسومًا يمنح مدينة ألاتاو وضع “مدينة ذات تنمية متسارعة”، معززًا بذلك خطوة تنفيذية نحو تحقيق رؤية التحول الرقمي.
يقع المشروع على الطريق السريع بين ألماتي وكوناييف في منطقة ألماتي، ويجسد طموح كازاخستان في التحول من اقتصاد قائم على النفط والغاز إلى اقتصاد قائم على المعرفة مدعوم بالتكنولوجيا المالية (FinTech) والذكاء الاصطناعي (AI) والعملات المشفرة.
بدأ المشروع في الأصل تحت اسم “G4 City” – وهو تصميم حضري متكامل يتكون من أربع مناطق رئيسية: منطقة البوابة (مركز مالي وتجاري)، والمنطقة الذهبية (مركز تعليمي ورعاية صحية)، ومنطقة النمو (منطقة صناعية ولوجستية)، والمنطقة الخضراء (منطقة ترفيهية وسياحية)
في مايو 2025، أُعيدت تسمية المشروع إلى “ألاتاو” خلال منتدى أستانا الدولي، مع تحول استراتيجي ليصبح “مدينة العملات المشفرة” – مدينة رقمية تُركز على دمج العملات المشفرة في المدفوعات اليومية، من شراء السلع إلى الاستثمارات العقارية.
وفي خطابه، أكد الرئيس توكاييف إنشاء “صندوق وطني للأصول الرقمية” لدعم احتياطي استراتيجي من العملات المشفرة، مدعومًا بإطار قانوني يضمن الشفافية والأمان.
وقد عزز مرسوم 26 سبتمبر 2025 هذه الرؤية بمنح ألاتاو وضعًا خاصًا يُمكّن من وضع لوائح مرنة وحوافز ضريبية لتسريع التنفيذ. وأشار وزير التنمية الرقمية والابتكار، زهاسولان مادييف، إلى أن ألاتاو ستكون “نقطة جذب عالمية” للمستثمرين، مع خطط لجذب 3.7 تريليون تنغي (7.2 مليار دولار) من الاستثمارات الخاصة وزيادة عدد السكان من 52 ألفًا إلى مليوني نسمة. يستفيد المشروع من موقعه الاستراتيجي وإرثه التاريخي كمركز علمي تأسس عام 1957، ويضم معهد الفيزياء النووية وحديقة التكنولوجيا المبتكرة.
تعمل ألاتاو كمختبر حي للتقنيات المتقدمة، بهدف الريادة في آسيا الوسطى. تشمل بنيتها التحتية مراكز البحث والتطوير في مجالات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي، مما يجذب المواهب العالمية. ستستضيف المنطقة الذهبية مراكز تعليمية متقدمة بالتعاون مع مؤسسات عالمية المستوى مثل جامعة ستانفورد، مع خطط لتدريب 100000 طالب بحلول عام 2026. كما ستدعم تطوير نموذج لغة KazLLM (148 مليار رمز، تم إطلاقه في ديسمبر 2024)، مما يعزز استخدام اللغة الكازاخستانية في التطبيقات الرقمية.
وستتميز المدينة بمراكز بيانات متقدمة مدعومة من شركات مثل NVIDIA، مما يعزز قدراتها في معالجة البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. ستدعم ألاتاو أيضًا تطوير حلول تقنية مبتكرة في الخدمات اللوجستية والحكومية، مما يجعلها مركزًا شاملاً للابتكار.
كما تهدف ألاتاو إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال بيئة تشريعية مرنة مدعومة بوضعها القانوني الخاص. اقترح مادييف اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة أعمال أساسية، والسماح بتداول العملات المشفرة بحرية، وتمكين الأجانب من شراء العقارات، مما يجعل المدينة قادرة على المنافسة مع المراكز العالمية مثل دبي وسنغافورة. ستجذب هذه السياسات 7.2 مليار دولار من الاستثمارات، مما يساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 5٪. يدعم صندوق استثمار مشترك مع المملكة العربية السعودية بقيمة 100 مليون دولار الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة، مما يسهل الدخول إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تسعى ألاتاو أيضًا إلى بناء جسور اقتصادية مع دول مثل الصين وروسيا من خلال تعزيز التجارة والابتكار الرقمي، مع التركيز على إطار قانوني شفاف يدعم الاستثمارات.
تهدف ألاتاو إلى جذب الشباب الموهوبين من خلال برامج تعليمية متقدمة في المنطقة الذهبية، ومعالجة معدل البطالة البالغ 4.5٪ في عام 2025 وبناء قوة عاملة رقمية قوية. من خلال شراكات مع منصات مثل كورسيرا، ستقدم المدينة تدريبًا متخصصًا في التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي. كما ستنشئ حاضنات للشركات الناشئة المتخصصة في تقنية البلوك تشين، مما يعزز جاذبيتها لرواد الأعمال الشباب ويحولها إلى بيئة رقمية شاملة تجمع بين التقدم التكنولوجي والبنية التحتية الحضرية الحديثة.
تجمع ألاتاو بين التقدم التكنولوجي والبيئة الحضرية الخضراء، حيث تغطي المنطقة الخضراء 40% من مساحتها، وأنظمة الطاقة المتجددة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تخفض الانبعاثات بنسبة 25%. تستخدم المدينة تقنيات ذكية لإدارة الموارد، مثل إعادة تدوير المياه وإدارة النفايات، بما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للمدينة الذكية. كما تدعم المدينة مصادر الطاقة البديلة لتلبية احتياجات التعدين الرقمي وعمليات التكنولوجيا، مما يعزز استدامتها.
دور ألاتاو كجسر بين التكنولوجيا والاقتصاد الحقيقي أرض اختبار للتكنولوجيا تعمل ألاتاو كـ”بيئة اختبار” لاختبار التقنيات الرقمية، مثل مدفوعات العملات المشفرة وتطبيقات المدن الذكية. في مدينة العملات الرقمية، سيتمكن السكان من استخدام العملات الرقمية في المطاعم والمقاهي ومعاملات العقارات تحت رقابة تنظيمية صارمة لمنع الاحتيال.
ويستند هذا إلى نجاح “التنغي الرقمي”، العملة الرقمية للبنك المركزي التي أُطلقت عام ٢٠٢٣، والتي سرّعت المعاملات بنسبة ٣٠٪. كما ستدعم المدينة إنشاء أجهزة صراف آلي للبيتكوين وحلول دفع رقمية موثوقة، مما يعزز دمج العملات المشفرة في الحياة اليومية.
من خلال التركيز على التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي، تُسهم ألاتاو في تقليل اعتماد كازاخستان على النفط (٦٠٪ من الإيرادات). تتضمن الخطة ١٧٠ مشروعًا بقيمة ١٢.٥ تريليون تنغ (٢٤.٤ مليار دولار)، بما في ذلك مراكز الذكاء الاصطناعي ومنصات التكنولوجيا المالية. تُعزز الشراكات مع NVIDIA لمراكز بيانات وحدات معالجة الرسومات، وHuawei للشبكات الذكية، وCoursera للتعليم الرقمي هذا التحول نحو اقتصاد قائم على الابتكار.
حيث يقع المشروع بين ألماتي وكوناييف، ويُرسّخ مكانته كمركز إقليمي للتجارة الرقمية. تهدف كازاخستان إلى تحويل ألاتاو إلى مركز عالمي للابتكار، يجذب شركاء من آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. تشمل الشراكات الاستراتيجية صندوق استثمار بقيمة 100 مليون دولار مع المملكة العربية السعودية، وتعاونًا مع NVIDIA وHuawei. كما تسعى ألاتاو إلى تعزيز التجارة مع دول مثل الصين وروسيا من خلال إطار قانوني شفاف. ستعزز منطقة النمو الصناعات اللوجستية بنسبة 15%، بينما ستدعم المنطقة الخضراء السياحة عالمية المستوى، مما يجعل ألاتاو جسرًا لصادرات رقمية بنسبة 20% بحلول عام 2027.
دروس من التجارب الدولية لضمان نجاح ألاتاو كـ”مدينة رقمية”، يمكن لكازاخستان الاستفادة من التجارب العالمية. في عام 2021، أصبحت السلفادور أول دولة تعتمد البيتكوين كعملة قانونية، مع خطط لبناء “مدينة بيتكوين” بالقرب من بركان لتوليد الطاقة. ومع ذلك، واجه المشروع تحديات: توقف معظم المواطنين عن استخدام البيتكوين بعد استنفاد الحوافز الحكومية، ولم تُبنَ المدينة قط، كما أدى انهيار البيتكوين عام 2022 إلى تقويض ثقة المستثمرين. في المقابل، نجحت دبي في دمج العملات المشفرة من خلال اتفاقية عام 2025 مع Crypto.com، مما يسمح بدفع الرسوم الحكومية بالعملات المشفرة مع تحويل فوري إلى درهم، كجزء من استراتيجية لجعل 90% من المعاملات رقمية بحلول عام 2026.
كما أنشأت دبي هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA)، مما جذب شركات بلوكتشين العالمية. تُبرز هذه الأمثلة أهمية التنظيم الشفاف والبنية التحتية الموثوقة لتجنب الفشل وتحقيق النجاح.
مستقبل ألاتاو: رؤية طموحة نحو عام 2030من المتوقع اكتمال البنية التحتية الأساسية لألاتاو بحلول عام 2026، والتي تضم شبكات الجيل السادس ومنصات الذكاء الاصطناعي لإدارة المدن. سيوفر وضعها القانوني الخاص إعفاءات ضريبية لمدة 10 سنوات، ولوائح مرنة لتقنية البلوك تشين، إلى جانب إطلاق أول صندوق بيتكوين متداول في البورصة في آسيا الوسطى على بورصة أستانا الدولية. بحلول عام 2029، ستجذب ألاتاو استثمارات بقيمة مليار دولار، مع مساهمة الاقتصاد الرقمي بنسبة 15٪ في الناتج المحلي الإجمالي. ستضم المدينة مليوني نسمة – معظمهم من المواهب الرقمية – وستضع تشريعات أخلاقية للذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، مما يجعلها نموذجًا إقليميًا. بحلول عام 2030، ستكون ألاتاو حجر الزاوية في رؤية كازاخستان 2050 للانضمام إلى أكبر 30 اقتصادًا في العالم.
في تطور مثير أعلن في 10 نوفمبر 2025، وقعت وزارة الذكاء الاصطناعي والتنمية الرقمية في كازاخستان مذكرة تفاهم مع شركة Joby Aero الأمريكية لإطلاق مشروع تاكسي جوي بقيمة 300 مليون دولار في ألاتاو، مما يجعلها أول مدينة في البلاد تدمج خدمات النقل الجوي الكهربائية (eVTOL). سيغطي الطائرات مسافات تصل إلى 160 كيلومترًا بسرعة تفوق 320 كم/ساعة، مما يربط ألماتي بألاتاو في 34 كيلومترًا فقط، ويعزز التنقل الذكي كجزء من رؤية المدينة كمركز للابتكار.
كما تم وضع حجر الأساس لمركز K-Park الثقافي والتجاري في 12 سبتمبر 2025، بالتعاون مع جمعية الكوريين في كازاخستان، مع مشاركة شركات يابانية وصينية في التصميم والبناء. هذه الخطوات تعكس التزام الحكومة بتحويل ألاتاو إلى “صندوق رمل” للتقنيات الرقمية، بما في ذلك دمج العملات المشفرة وتقنيات المدن الذكية، مع التركيز على جذب الشباب والمستثمرين العالميين.
لذلك تعد ألاتاو بوابة كازاخستان إلى عصر رقمي مستدام ألاتاو ليست مجرد مشروع حضري؛ إنها ثورة رقمية تعيد تشكيل مستقبل كازاخستان. تم إطلاقها في 2024-2025، مع دورها في جذب الاستثمار والمواهب، وباعتبارها مختبرًا للذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، تمثل المدينة رؤية جريئة للتنويع الاقتصادي والاستدامة. بدعم من الرئيس توكاييف وشراكات دولية، ستكون ألاتاو منارةً للابتكار الإقليمي. وكما قال جاسولان مادييف: “يمكن لهذه المدينة أن تصبح نقطة جذب للشباب الذين يحلمون بالعيش في أماكن مثل دبي. نأمل أن يختاروا ألاتاو” – مما يُحوّل الطموح إلى واقع رقمي مزدهر يضع كازاخستان في طليعة الابتكار العالمي.
لمتابعة سفارة جمهورية كازاخستان في دولة الكويت على منصة إنستغرام

