عبدالحميد حميد الكبي
في الثامن من أغسطس 2025، شهد العالم حدثًا تاريخيًا في واشنطن، حيث التقى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقاءٍ لم يكن مجرد قمة دبلوماسية، بل نقطة تحول جيوسياسية تُرسي أسس السلام والاستقرار في جنوب القوقاز. هذه الزيارة، التي أثمرت توقيع اتفاقيات تاريخية وإعلانات مشتركة، عززت مكانة أذربيجان كقوة إقليمية رائدة، وفتحت آفاقًا جديدة للتعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وأرست دعائم السلام مع أرمينيا. بقيادة الرئيس إلهام علييف، تُظهر أذربيجان نموذجًا للدبلوماسية الرشيدة التي تحقق الأهداف الوطنية وتُسهم في استقرار المنطقة والعالم.
حيث شكّل لقاء الرئيس إلهام علييف مع الرئيس دونالد ترامب في واشنطن علامة فارقة في العلاقات الأذربيجانية-الأمريكية. خلال الزيارة، وقّعت أذربيجان والولايات المتحدة “مذكرة تفاهم” لإنشاء مجموعة عمل استراتيجية تهدف إلى وضع ميثاق للشراكة الاستراتيجية، تغطي مجالات الروابط الإقليمية (الطاقة، التجارة، العبور)، والاستثمار الاقتصادي (الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية الرقمية)، والتعاون الأمني (مبيعات الدفاع، مكافحة الإرهاب).
كما وقّع الرئيس ترامب وثيقة تعليق التعديل 907 على “قانون الدفاع عن الحرية”، الذي كان يُشكل عقبة أمام تقديم المساعدات الأمريكية لأذربيجان منذ عام 1992 بسبب مزاعم “حصار” أرمينيا.
هذا القرار يعكس التقدير الأمريكي لدور أذربيجان الإقليمي، ويُعزز الثقة المتبادلة بين البلدين.
وأشار الرئيس علييف إلى أهمية هذا اليوم التاريخي، مؤكدًا أن الشراكة الاستراتيجية ستُسهم في استقرار المنطقة وفتح آفاق اقتصادية جديدة. كما قدّم ترامب مفتاحًا رمزيًا للبيت الأبيض للرئيس علييف، في إشارة نادرة إلى عمق العلاقات الثنائية.
وفي حدث غير مسبوق، شهد البيت الأبيض توقيع إعلان مشترك بين الرئيس إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بحضور الرئيس ترامب. يتضمن الإعلان التزامًا بطلب حل مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي فقدت وظيفتها بعد تحرير أذربيجان لأراضيها وحل نزاع كاراباخ.
كما يشمل الإعلان الاتفاق على فتح خطوط النقل بين أذربيجان وناختشيفان عبر أراضي أرمينيا من خلال مشروع “طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين” (TRIPP)، حيث ستتولى الولايات المتحدة دور الضامن.
وأكد الرئيس علييف أن توقيع معاهدة السلام النهائية يعتمد على تعديل الدستور الأرميني لإزالة المطالبات الإقليمية ضد أذربيجان، وهو شرط أساسي طرحته أذربيجان. ومع التوقيع بالأحرف الأولى على نص معاهدة السلام من قبل وزيري خارجية البلدين، اقتربت المنطقة خطوة كبيرة نحو السلام الدائم، مع تأكيد على استفتاء أرميني مرتقب في 2026 لتعديل الدستور.
لتُظهر هذه الإنجازات التاريخية براعة الرئيس إلهام علييف في قيادة السياسة الخارجية الأذربيجانية. من خلال رؤيته الاستراتيجية ودبلوماسيته الحكيمة، استطاع تعزيز مكانة أذربيجان كقوة إقليمية لا غنى عنها. تصريحاته في منتدى شوشا الإعلامي في نوفمبر 2024، حيث أبدى دعمًا دبلوماسيًا لترشيح ترامب، وتأكيده في يوليو 2025 على دور ترامب في عملية السلام، عكست بُعد نظره وشجاعته.
ويعزى جزء كبير من هذا النجاح إلى الجهود المتميزة لوزير الخارجية الأذربيجاني، الذي لعب دورًا محوريًا في التفاوض على الاتفاقيات وتوقيع نص معاهدة السلام بالأحرف الأولى. هذه الجهود عززت الثقة الدولية في أذربيجان كشريك موثوق، وقوّت من موقفها في مواجهة الضغوط الخارجية، مثل محاولات إدارة بايدن-بلينكن إعادة تفعيل التعديل 907 أو التحركات المناهضة من بعض الجهات الغربية.
يُعد تحقيق السلام في جنوب القوقاز إنجازًا تاريخيًا يُنهي عقودًا من الصراع ويفتح آفاقًا للتعاون الإقليمي. مشروع “طريق ترامب للسلام والازدهار” سيُسهم في ربط أذربيجان بناختشيفان، مما يعزز التجارة والاستثمار والاستقرار الاقتصادي. كما أن السلام سيُتيح لأذربيجان وأرمينيا التركيز على التنمية وتعزيز الأمن الإقليمي. وأكد الرئيس علييف في تصريحاته بالبيت الأبيض أن هذا السلام ليس فقط لصالح المنطقة، بل للعالم أجمع، حيث سيُزيل الحواجز ويُعزز التواصل بين الدول. هذا الإنجاز يُبرز قدرة أذربيجان على تحقيق أهدافها الوطنية مع المساهمة في استقرار المنطقة.
لاقى الإعلان المشترك وتوقيع نص معاهدة السلام بين أذربيجان وأرمينيا بالأحرف الأولى ترحيبًا دوليًا واسعًا، مما يعكس الأهمية العالمية لهذا الإنجاز.
رحبت الأمم المتحدة بالاتفاق، معتبرة إياه خطوة تاريخية نحو السلام في جنوب القوقاز، وأشادت بجهود الوساطة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب. كما عبر الاتحاد الأوروبي عن دعمه الكامل، مؤكدًا أن توقيع الإعلان بحضور الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في البيت الأبيض يشكل حدثًا محوريًا لكلا البلدين والمنطقة.
على الصعيد الإقليمي، رحبت دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر والكويت والأردن وعمان، بالاتفاق، مشيدةً بقدرته على تعزيز الأمن والاستقرار في القوقاز. وأعربت مصر، عبر بيانات رسمية من وزارة الخارجية، عن ترحيبها بالاتفاق، مؤكدة تطلعها إلى أن يفتح آفاقًا جديدة للتعاون البنّاء بين أذربيجان وأرمينيا، ومشيدةً بدور الولايات المتحدة في تيسير هذا الإنجاز. هذا الترحيب الواسع يؤكد الدور المحوري للسياسة الأذربيجانية بقيادة الرئيس إلهام علييف في تحقيق السلام وتعزيز الاستقرار الإقليمي
لذلك تُعد زيارة الرئيس إلهام علييف إلى واشنطن وما أسفرت عنه من اتفاقيات وإعلانات تتويجًا لسياسته الحكيمة والدبلوماسية الرشيدة. من خلال تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ووضع أسس السلام مع أرمينيا، وتحقيق الأهداف الوطنية مثل فتح ممر زانجيزور وحل مجموعة مينسك، أثبتت أذربيجان أنها قوة إقليمية رائدة.
هذا اليوم التاريخي، كما وصفه الرئيس علييف، ليس فقط انتصارًا لأذربيجان، بل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار في جنوب القوقاز، بما يخدم شعوب المنطقة والعالم أجمع.